إحقاق الحق (الأصل) - الشهيد نور الله التستري - الصفحة ٢٨١
قد ذكر هذا الحديث فيما مضى واجبنا عن اعتراضه وهو على عادته يكرر الكلام مرات ونحن نجيبه فنقول إن المتواتر بين المسلمين إن عمر كان وزيرا لرسول الله (ص) و صاحب مشاورته وكثيرا ما كان رسول الله (ص) يقدم على أشياء فيمنعه عمر ويقول لا تفعل يا رسول الله (ص) فيسمع قوله وهذا فيما يتعلق برأي النبي (ص) منها إنه عزم في غزوة تبوك أن يدخل دمشق ويحارب ملكها فقال عمر لا تفعل يا رسول الله (ص) فأطاعه وقبل رأيه ومنها قصة الأسرى وكان رسول الله (ص) يشاوره في أمرهم فنهاهم عن أخذ الفدية ووافقه الله تعالى في قوله ما كان لنبي أن يكون له أسري ومنها أمر الحجاب وكان عمر يبالغ فيه حتى أنزل الله تصديقه ومن مارس الأخبار والآثار علم أن عمر كان له عند رسول الله (ص) هذا المقام والنصب فجرى على عادته عند موت رسول الله فقبل رسول الله (ص) رأيه وترك الكتاب وأما ما قال إنه شتم رسول الله (ص) فهذا من جهله باللغة وجرأته على الصحابة لا أفلح فإن الهجر كما بينا هو الكلام الذي يتكلم المريض به وليس هو البتة شتما وهذا المتعصب لا يعرف اللغة ويحسب أنه من إساءة الأدب وكان عمر من أحسن الناس أدبا بالنسبة إلى رسول الله (ص) يعلمه المتدرب في الأخبار انتهى وأقول أما ما ذكره من تكرار المصنف لمثل ذلك فقد مر وجهه مكررا وأما ما ذكر من أن عمر كان وزيرا لرسول الله (ص) فممنوع وكونه صاحب المشورة مسلم لكن لتآليف قلبه أو استعلام ما في بطنه من الغل والخلوص لا للاحتياج إلى مشاورته كما مر وأما ما ذكره من أنه كان كثيرا يقدم رسول الله (ص) على أشياء فيمنعه عمر إن أراد به إنه كان يمنع النبي (ص) عما عزم (ص) على فعله من غير مشورة معه فهذا مما كنا سنبينه وإن أراد إنه كان يمنعه عن بعض ما شاور معه فيه فهو مسلم لكن ليس ما نحن فيه من كتابة الكتاب من هذا القبيل حتى يقاس عليه لأن النبي (ص) لم يشاور عمر ولا غيره في كتابة الكتاب بل عزم عزما جزما غير مسبوق بشئ من المشورة على أن يكتب كتابا لن يضلوا بعده ولا نعلم أن بعد عزم رسول الله (ص) على شئ كان لأحد أن يمنعه عنه كما يدل عليه قوله تعالى مخاطبا له (ص) وإذا عزمت فتوكل على الله وما ذكر من موافقات عن وصدور المنع فيها عنه إنما كان بعد مشاورة النبي معه كما في قصة الأسرى أو على طريق العرض والالتماس كما في غيرها وقد وقع منه فيما نحن فيه على سبيل الاستبداد والمهاجرة بالخلاف المحض ولهذا غضب رسول الله (ص) عليهم وقال لهم قوموا عني لا ينبغي التنازع عندي ولو كان منعه صلوات الله عليه عن مثل ذلك على الوجه المذكور أمرا معتادا لما صدر الغضب عنه وهذا ظاهر على من يخاف غضب الله تعالى ورسوله ولا يكابر على الحق بالباطل ولما قال عمر عندما سيجئ من سوء منعه للنبي عن الصلاة على ابن أبي أوفى ما نقله عنه صاحب جامع الأصول من قوله فعجبت بعد من جرأتي على رسول الله (ص) يومئذ انتهى وأما ما ذكره من أن معنى قول عمر إنه ليهجر أنه يتكلم بكلام المرضى فلا إساءة أدب مردود بما نقلنا سابقا عن شرح ابن حجر للبخاري من أنه قال موافقا لما في كتب اللغة المتداولة إن الهجر هو الهذيان ويطلق على كثرة الكلام الذي لا معنى له انتهى وتفسير ذلك بكلام المرضى حيلة من الناصب لدفع التشنيع عن عمر كما مر أيضا فتذكر ولا يذهب عليك أن ما ذكره الناصب من أن الأمر بالحجاب قد نزل موافقا لرأي عمر كذب محض لما سينقله المصنف عن الجمع بين الصحيحين من الأمر بالحجاب إنما نزل عندما كشف عمر ستر سودة بنت زمعة زوجة النبي (ص) وأخجلها ودل عليها أعين الناس حيث خرجت ليلا إلى المصانع فتدبر قال المصنف رفع الله درجته وفي الجمع بين الصحيحين من مسند أبي هريرة من أفراد مسلم قال كنا قعودا حول رسول الله (ص) ومعنا أبو بكر وعمر في نفر فقام رسول الله (ص) من بين أظهرنا فأبطأ علينا حتى خشينا أن يقتطع دوننا وفزعنا فقمنا وكنت أول من فزع فخرجت ابتغي رسول الله (ص) حتى أتيت حائطا للأنصار لبني النجار فدرت به هل أجد له بابا فلم أجد فإذا ربيع أي جدول يدخل في جوف حايط من خارجه فاحتفرت فدخلت على رسول الله (ص) فقال أبو هريرة فقلت نعم يا رسول الله (ص) ما شأنك قلت كنت بين أظهرنا فقمت وأبطأت علينا فخشيت أن تقتطع دوننا ففزعنا فكنت أول من فزع فأتيت هذا الحايط فاحفرت كما يحتفر الثعلب وهؤلاء الناس ورائي فقال يا أبا هريرة وأعطاني نعليه فقال اذهب بنعلي هاتين فمن لقيك من وراء هذا الحايط يشهد أن لا إله الله مستيقنا بها قلبه بشره بالجنة فكان أول من لقيت عمر بن الخطاب فقال ما هاتان النعلان يا أبا هريرة فقلت هذان نعلان لرسول الله (ص) بعثني بهما من لقيت يشهد أن لا إله إلا الله مستيقنا بها قلبه بشرته بالجنة فضرب عمر بين ثديي فخررت لاستي فقال ارجع يا أبا هريرة فرجعت إلى رسول الله (ص) فأجهرت بالبكاء فركبني عمر فإذا هو على أثري فقال رسول الله (ص) مالك يا أبا هريرة قلت لقيت عمر فأخبرت بالذي بعثني به فضرب بين ثديي ضربة حرزت لاستي وقال ارجع فقال رسول الله (ص) يا عمر ما حملك على ما صنعت فقال يا رسول الله (ص) بأبي أنت وأمي أبعثت أبا هريرة بنعليك من لقى يشهد أن لا إله إلا الله مستيقنا بها قلبه بشره بالجنة قال نعم فلا تفعل فإني أخشى أن يتكلم الناس عليها فخلهم يعملوا فقال رسول الله (ص) خلهم وهذا رد من عمر على رسول الله (ص) وإهانة لرسول الله (ص) حيث ضرب أبا هريرة حتى قعد على استه ورجع إلى رسول الله (ص) باكيا شاكيا مع أنه لو كان شريكا له في الرسالة لم يحسن منه وقوع مثل هذا في حق أتباع رسول الله مع أنه قد كان يمكنه منع أبي هريرة عن أداء الرسالة على وجه أليق وألطف فيبلغ غرضه معظما لرسول الله (ص) مع أن رسول الله (ص) إنما قال له ذلك بوحي من الله تعالى لقوله تعالى وما ينطق عن الهوى ولأن هذا جزاء أخروي على عمل لا يعلمه إلا الله تعالى ولأنه ضمان على الله تعالى لأنه الحاكم في الجنة مع أن رسول الله (ص) قال فيما رواه الحميدي في الجمع بين الصحيحين في مسند أبي ذر قال أتاني جبرئيل فبشرني أن من مات من أمتك لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة وفي رواية لم يدخل النار فهذا الحديث صحيح عندهم فكيف استجاز عمر الرد على رسول الله (ص) وفيه في مسند غسان بن مالك متفق عليه قال إن النبي (ص) قال إن الله قد حرم النار على من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجهه وإذا كان النبي (ص) قال ذلك في عدة مواطن كيف استجاز عمر فعل ما فعله بأبي هريرة وقد روى عبد الله بن عباس وجابر وسهل بن حنيف وأبو وايل والقاضي عبد الجبار وأبو علي الجبائي وأبو مسلم الإصفهاني ويوسف الثعلبي والطبري والواقدي والزهري والبخاري والحميدي في الجمع بين الصحيحين في مسند المسور بن مخزمة في حديث الصلح بين سهيل بن عمر وبين النبي (ص) بالحديبية يقول فيه فقال عمر بن الخطاب فأتيت النبي (ص) فقلت له ألست بنبي الله حقا قال بلى قلت ألسنا على الحق وعدونا على الباطل قال بلى قلت فلم تعطي الدنية في ديننا إذا قال إني رسول الله (ص) ولست أعصيه وهو ناصري قلت أوليس كنت تحدثنا إنا
(٢٨١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 276 277 278 279 280 281 282 283 284 285 286 ... » »»