إحقاق الحق (الأصل) - الشهيد نور الله التستري - الصفحة ٢٧٨
يخضمون مال الله خضم الإبل نبتة الربيع إلى أن انتكث عليه قتله وأجهز عليه عمله وكبت به بطنته فما راعني إلا والناس يهرعون إلي كعرف الضبع قد انثالوا علي من كل جانب حتى لقد وطئ الحسنان وشق عطفاي مجتمعين حولي كربيضة الغنم حتى إذا نهضت بالأمر نكثت طائفة وفسقت أخرى ومرقت آخرون كأنهم لم يسمعوا قول الله تعالى تلك الدال الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين بلى والله لقد سمعوها ووعوها ولكنهم احلولت الدنيا في أعينهم وراقهم زبرجها أما والذي فلق الحبة وبرئ النسمة لولا حضور الحاضر وقيام الحجة بوجود الناصر وما أخذ الله تعالى على العلماء ألا يقاروا على كظة ظالم ولا سغب مظلوم لألقيت حبلها على غاربها وأذقت آخرها بكأس أولها ولألفيتم دنياكم هذه أزهد عندي من عفطة عنز بيد مجذوم وهذا يدل بصريحه على تألم أمير المؤمنين (ع) وتظلمه على هؤلاء الصحابة وإن المستحق للخلافة هو وإنهم منعوه منها ومن الممتنع ادعاه الكذب وقد شهد الله تعالى بالطهارة وإذهاب الرجس عنه وجعله وليا لنا في قوله إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الآية وأمر النبي (ص) بالاستعانة به في دعاء المباهلة فوجب أن يكون محقا في أقواله انتهى قال الناصب خفضه الله أقول هذه خطبة الشقشقية المعروفة المشهورة قد ذكرها السيد الرضي في كتاب نهج البلاغة والله أعلم بهذا وليس لأمثال هذه حجة في الصحة من إسناد أو نقل من كتاب الشقاة حتى يجعل دليلا وإن فرضنا صحته فهو خبر الآحاد ولا يعارض الخبر المتواتر أن أمير المؤمنين (ع) بايع الخلفاء طايعا راغبا وناصحهم وشاورهم في الأمر ووافقهم في التدابير وإن سلمنا إنه كان مكرها لأنه كان يرى نفسه أفضل من غيره وإمامة المفضول عندنا جايز فكان كراهته للبيعة لا أنه يراهم غير مستأهلين للخلافة وخلافة المفضول عندنا جايز ولهذا بايعهم ولما رأى معاوية غير أهل للخلافة حاربه ومنعه من الخلافة انتهى وأقول هذه الخطبة قد ذكرها قبل تولد السيد الرضي (رض) بل تولد أبيه جماعة من ثقات علماء الجمهور منهم من ذكره المصنف وهو ابن عبد ربه المعتزلي شارح نهج البلاغة بصحة نسبتها إليه فالمناقشة في صحتها مكابرة باردة وأما ما ذكره من أنه لا يعارض الخبر المتواتر أن أمير المؤمنين (ع) بايع الخلفاء طايعا راغبا إلى آخره ففيه ما مر من أنه (ع) احتج على القوم في ذلك و تخلف عن بيعتهم إلى ستة أشهر ولما مات فاطمة (ع) وتولت عنه وجوه الناس بالكلية التجأ إلى مبايعة أبي بكر وقد نقلنا سابقا هذا عن البخاري فتذكر والفصل الآتي بلا فصل صريح أيضا في أنه كان مضطرا في بيعة الثلاثة على أن الخلافة إنما يكون عندنا بالعصمة والنص لا بالبيعة وصفق اليد وإنما هذا مما جعله القوم من أماراتها فلا يدل بيعة أمير المؤمنين (ع) لهم على اعتقاده لاستحقاقهم الخلافة وأما مناصحته (ع) لهم ومشاورتهم و التدبير لهم فإنما كان لحفظ بيضة الإسلام ولما كان هو الإمام الحقيقي كان الواجب عليه التوصل إلى إقامة ما وجب عليه من أحكامه بقدر الامكان وأما ما ذكره من أن إمامة المفضول جايز عندنا وقد ذكرنا سابقا أنه من فضول الكلام وأما قوله ولما رأى معاوية غير أهل للخلافة حاربه و منعه من الخلافة فمدخول بأن معاوية لم يدع الخلافة حتى يقال إنه (ع) لما رآه غير أهل للخلافة حاربه بل لما سمع معاوية إنه (ع) عزله عن حكومة الشام احتال على الخروج عليه (ع) بأظهار أنه يطلب قتلة عثمان كما مر وفصل في موضعه على أن عجزه (ع) في زمان الثلاثة لهجوم قريش وإجماعهم على خذلانه و قدرته بعد هؤلاء بإجماع المهاجر والأنصار عليه في زمان بغي معاوية ظاهران فلا وجه لقياس أحدهما بالآخر قال المصنف رفع الله درجته وروى أنه (ع) اتصل به أن الناس قالوا ما باله لم ينازع أبا بكر وعمر وعثمان كما نازع طلحة والزبير فخرج مرتديا ثم نادى بالصلاة جامعة فلما اجتمع أصحابه قام خطيبا فحمد الله تعالى وأثنى عليه ثم قال يا معاشر الناس بلغني أن قوما قالوا ما باله لم ينازع أبا بكر وعمر وعثمان كما نازع طلحة والزبير وعايشة فقال إن لي في سبعة أنبياء أسوة فأولهم نوح (ع) قال الله تعالى مخبرا عنه رب إني مغلوب فانتصر فإن قلتم ما كان مغلوبا فقد كذبتم القرآن وإن كان ذلك كذلك فعلي اعذر والثاني إبراهيم الخليل خليل الرحمن حيث يقول واعتزلكم وما تدعون من دون الله فإن قلتم إنه اعتزلهم من غير مكروه فقد كفرتم وإن قلتم إنه رأى المكروه منهم فاعتزلهم فالوصي أعذر وإن خالته لوط (ع) إذ قال لقومه لو أن لي بكم قوة فإن قلتم إنه لم يكن له بهم قوة فاعتزلهم فالوصي أعذر ويوسف (ع) إذ قال رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه فإن قلتم إنه دعي إلى ما يسخطه الله تعالى فاختار السجن فالوصي أعذر وموسى بن عمران (ع) إذ يقول ففرت منكم لما خفتكم فوهب لي ربي حكما وجعلني من المرسلين فإن قلتم إنه فر منهم خوفا فالوصي أعذر وهارون (ع) إذ قال يا بن أم إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني فلا تشمت بي الأعداء ولا تجعلني مع القوم الظالمين فإن قلتم إنهم استضعفوه وأشرفوا على قتله فالوصي أعذر ومحمد (ص) لما هرب إلى الغار فإن قلتم إنه هرب من غير خوف أخافوه فقد كذبتم وإن قلتم إنهم أخافوه فلم يسعها لا الهرب فالوصي أعذر فقال الناس جميعا صدق أمير المؤمنين (ع) انتهى وقال الناصب خفضه الله أقول هذا النقل مما لا إسناد له ولا علامة لصحته بل هو مخالف للواقع لأن أمير المؤمنين لم يكن مستضعفا ولا عاجزا لأن قواد بني عبد مناف كانوا معه وكان فاطمة في علو منصبها في بيته وأنهم يدعون إن فاطمة كانت مغضبة على أبي بكر فلم لم تأمره بالخروج عليه ويساعده الأنصار الذين نازعوا أبا بكر في خلافته سيما سعد بن عبادة فإنه لم يبايع أبا بكر فالقول بأن أمير المؤمنين كان ضعيفا غير مسلم ولا شك في أن أبا بكر كان أضعف منه ولكن الروافض حسبوا أنهم كانوا كالملوك يتنافسون في الملك حاشاهم عن ذلك انتهى وأقول الظاهر أن الناصب أراد من علامات صحة الحديث أن يخرج منه مسمار ويدخل في عينيه وإلا فالعلامة المعنوية في ذلك ظاهرة وأما ما ذكره من أنه (ع) لم يكن عاجزا لأن قواد بني عبد مناف كانوا معه فمردود بما فيه من الاجمال والاحتيال لأن من جملة قوم بني عبد مناف ومن أكثرهم خيلا ورجلا أبو سفيان وعثمان بن عفان وأمثالهم وهم كانوا مع أبي بكر وعمر كما لا يخفى فبقي مع علي (ع) بنو هاشم وقد
(٢٧٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 273 274 275 276 277 278 279 280 281 282 283 ... » »»