كان أمير الحاج ومشاركا في قراءة سورة البراءة وقد بينا سابقا إنه كان معزولا من الله تعالى ورسوله عن الكل فلا ضوء لهذا الانعكاس ولا رواج لقلبه المغشوش بالنحاس على أن كلامه في تقرير العكس مختل النظام كما لا يخفى على أولي الأفهام قال المصنف رفع الله درجته وكذلك في قضية خيبر فإنهم رووا في صحيح أخبارهم أن النبي (ص) أعطى أبا بكر الراية فرجع منهزما ثم أعطاها من الغد لعمر فرجع منهزما فقال عليه الصلاة والسلام لأعطين الراية غدا رجلا يحبه الله ورسوله ويحب الله ورسوله كرارا غير فرار ثم أعطاها لعلي وقصد بذلك إظهار فضله وحط منزلة الآخرين لأنه قد ثبتت بنص القرآن العزيز أنه (ع) ما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى فوجب أن يكون دفع الراية إليه بقول الله تعالى ولا شك في أنه تعالى عالم بالأشياء في الأزل فيكون عالما بهرب هذين فلولا إرادة إظهار فضل علي (ع) لكان في ابتدأ الأمر أوحى بتسليم الراية إليه ثم إن النبي (ص) وصفه بما وصفه وهو ليشعر باختصاصه بتلك الأوصاف وكيف لا يكون كذلك ومحبة الله تعالى يدل على إرادة لقائه وأمير المؤمنين لم يفر قاصدا بذلك لقاء ربه تعالى فيكون محبا له انتهى وقال الناصب خفضه الله أقول أما قوله إن رسول الله (ص) قصد بذلك إظهار فضله وحط منزلة الآخرين فهذا باطل لأن النبي (ص) لم يقصد قط حط منزلة أحد من المسلمين وكلهم كانوا أصحابه وأمرائه وإرادة حط منزلة من دأب أرباب الغرض والتعصب وحاشاه عن ذلك بل في كل يوم من أيام خيبر بعث رجل ولم يحصل الفتح فبعث من فتح الله بيده وهو كان أمير المؤمنين (ع) وأما ما قال إنه كان بأمر الله تعالى فإنه لا ينطق عن الهوى فنقول المراد من قوله ما ينطق عن الهوى إنه لا يتكلم بالباطل وبأمنية النفس ومتابعة الهوى لا إنه لا يعمل برأيه الصائب فإن كل ما عمل رسول الله (ص) من تدبير أمور الحرب لم يكن من قبل هواه ونفسه بل برأيه الصائب المستنبط من كلام الله تعالى ومن أوامره فالظاهر أنه (ص) عمل هذا برأيه في الحروب لأن تدبيرات الحروب يتعلق بالرأي وإن سلمنا أنه من أمر الله تعالى فلا يلزم منه إرادة حط منزلة الشيخين ورفعة منزلة علي لا يستلزم حطهما وأمثال هذه الاستدلالات على مطلوبه أوهن من بيت العنكبوت انتهى وأقول إرادة دفع منزلة واحد لإرادة حط منزلة آخرين ليس أول قارورة كسرت في الإسلام فإن أول من شرع ذلك هو الله سبحانه حيث رفع منزلة آدم (ع) بتكليف الملائكة بسجوده وتعليمه للأسماء التي لم يكن يعلمها الملائكة لينبئهم على أنه أرفع منزلة منهم وأن فوق كل ذي علم عليم كما نطق به الذكر الحكيم نعم التصريح من الله تعالى ورسوله بأن هذا منحط عن ذاك غير واقع وأما بالعبارات المتضمنة لذلك فكثير ويتفرع على هذا قول من قال من أهل السنة أن منزلة الخلفاء عند الله تعالى بحسب ترتيبهم في الخلافة إذ يلزمه القول بحط مرتبة الثاني عن الأول والثالث عن الثاني لزوما لا ستر به والقول بأن الله تعالى و نبيه لم يقصدا هذا اللازم تصوف بارد وكابرة ظاهرة وكذا روى شيخ أهل السنة ووليهم فريد الدين العطار في تذكرته عن مرشدهم الكامل الخارق للعادات أبو الحسن الخرقاني في شأن مريدين له يسمى أحدهما بأحمدكه والآخر بأحمدمه وأما ما ذكره من أنه (ص) بعث كل يوم من أيام خيبر رجلا ولم يحصل الفتح فبعث من يحصل الفتح بيده إلى آخره ففيه إجمال وإبهام فإن أراد به أنه (ص) كان يعلم عند بعث كل رجل من الأولين أنه يفر وأن الثالث لا يفر فقد حصل مطلوبنا وإن أراد أنه لم يكن عالما بذلك فيرده قوله (ص) عند إرادة بعث الثالث (ع) لأعطين الراية غدا رجلا كرارا غير فرار ومن أين علم (ص) أن من يعطيه الراية غدا لا يفر كما فر الأولان لولا نزول الوحي بذلك وأما ما ذكره في مقابل استدلال المصنف بقوله تعالى وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى فقد أغمض فيه لبهته وعجزه عن تتمة الآية وهو قوله تعالى إن هو إلا وحي يوحى لظهور أن ما ذكره الناصب لا يتمشى مع ملاحظة هذه التتمة التي هو العمدة في الاستدلال كما لا يخفى وأما ما ذكره بقوله وإن سلمنا إنه من أمر الله تعالى فلا يلزم منه إرادة حط منزلة الشيخين إلى آخره فالظاهر أنه تسليم منه وحينئذ يصير منع لزوم إرادة الدفع والانحطاط في غاية السقوط والانحطاط وأما ما ذكره من رفعة علي لا يستلزم حطهما فمردود بأن رفعة منزلة علي (ع) على الوجه الذي ألزمه المصنف يستلزم حطهما بل هبوطهما في الدرك الأسفل منه فظهر أن دليل المصنف قوي يحصل منه مطلوبه ولا يفوت وإنما الأوهن من نسج العنكبوت منع الناصب المبهوت الممقوت قال المصنف رفع الله درجته وقد روى ابن عبد ربه من الجمهور أن أمير المؤمنين (ع) كان يتألم من الصحابة كثيرا في عدة مواطن وعلى رؤس المنابر وقال في بعض خطبه عفى الله عما سلف سبق الرجلان وقام الثالث كالغراب همه بطنه ويله لو قص جناحه وقطع رأسه لكان خيرا له انظروا فإن أنكرتم فأنكروا وإن عرفتم فاعرفوا ألا إن الأبرار من عترتي وأطايب أرومتي أحلم الناس صغارا وأعملهم كبارا ألا وإنا نحن أهل بيت من علم الله علمنا و بحكم الله حكمنا من قول صادق سمعنا فإن تتبعوا آثارنا تهتدوا ببصايرنا معنا راية الحق من تبعها لحق ومن تأخر عنها غرق ألا وبنا غرة كل مؤمن وبنا تخلع ربقة الذل من أعناقهم وبنا فتح الله وبنا ختم ونقل الحسن بن عبد الله بن عبد بن مسعود العسكري من أهل السنة في كتاب معاني الأخبار بإسناده إلى ابن عباس قال ذكرت الخلافة عند أمير المؤمنين فقال والله لقد تقمصها أخو تيم وأنه يعلم أن محلي منها محل القطب من الرحى ينحدر عني السيل ولا يرقى إلي الطير فسدلت دونها ثوبا وطويت عنها كشحا فطفقت أرتأي بين أن أصول بيد جذاء أو أصبر على طخية عمياء يشيب منها الصغير ويهرم فيها الكبير ويكدح فيها مؤمن حتى تلقى ربه فرأيت أن الصبر على هاتي أحجى فصبرت وفي العين قذى وفي الحلق شجى أرى تراثي نهبا حتى إذا مضل الأول لسبيله أدلى بها إلى فلان بعده ثم تمثل (ع) بقول الأعشى شعر شتان ما يومي على كورها ويوم حيان أخي جابر عقدها لأخي عدي بعده فواعجبا بينا هو يستقيلها في حياته إذ عقدها لآخر بعد وفاته لشد ما تشطرا ضرعيها فصيرها في حوزة خشناء يخشن لمسها ويغلظ كلمها ويكثر العثار والاعتذار منها فصاحبها كراكب الصعبة إن أشنق لها خرم وإن أسلس لها تقحم فمنى الناس لعمر الله بخبط وشماس وتلون واعتراض فصبرت على طول المدة وشدة المحنة حتى إذا مضى لسبيله جعلها في جماعة زعم إني منهم فيا لله وللشورى متى اعترض الريب في مع الأول حتى صرت أقرن إلى هذه النظاير لكن أسففت إذ أسفوا وطرت إذا طاروا فصغى رجل لضغنه ومال الآخر لصهره مع هن وهن إلى أن قال ثالث القوم نافجا حضنيه بين نثيله ومعتلفه وقام معه بنو أبيه
(٢٧٧)