إحقاق الحق (الأصل) - الشهيد نور الله التستري - الصفحة ٢٦٨
ويؤيده ما ذكرنا من أراد الخصوص في تلك الآيات ما روى أبو نعيم عن ابن عباس أن المراد بالسابق في قوله تعالى السابقون أولئك المقربون علي بن أبي طالب (ع) روى ابن المغازلي الشافعي عن مجاهد عن ابن عباس في تفسير الآية أنه قال سبق يوشع بن نون إلى موسى وسبق شمعون إلى عيسى وسبق علي بن أبي طالب إلى محمد (ص) وأما الأحاديث فلا فايدة في نقلها سوى تكثير السواد وتضييع المداد إذ كلها موضوعات عند الشيعة إلا إذا وافق شيئا من الأحاديث المذكورة في كتب الشيعة وهذا غير متحقق فيما ذكره الناصب ههنا على أن الحديث الأول مما ذكره مردود بما قاله بعض أصحابنا من أن مضمونه مخالف لحقايق النظر خارج عن العقل والحكمة وذلك لأنه إن كان خيرتهم وفضلهم من جهة تقدم خلقهم في الأزمنة المتقدمة لما بعدها فقد زعموا أن أمة محمد (ص) ليسوا أفضل من الأمم التي مضت قبلها وأن محمدا ليس أفضل من الأنبياء (ع) الذين تقدموا قبل عصره وكان الواجب على طرد هذه العلة أن يكون كل أمة أفضل من التي بعدها فلما أوجبوا آخر الأمم أفضل ممن تقدمهم كان لا معنى لهذا الخبر في تفضيل القرن الأول على القرن الثاني من هذه الأمة بل يجب في النظر والتمييز وما يلزم من أحوال ما نقل إلينا من سيرة من تقدم عصرنا هذا أن يكون من تأخر أفضل ممن تقدم منهم وذلك إنا وجدنا القرن الذي كان في عصر الرسول والقرن الذي كان بعدهم والقرن الثالث ممن كان في عصر الفراعنة والطواغيت من ملوك بني أمية الذين كانوا يقتلون أهل بيت الرسول ويسبون أمير المؤمنين (ع) ويلعنونه على المنابر وأهل عصرهم من فقهائهم وحكامهم إلى غير ذلك منهم فهم على ذلك متبعون وبأفعالهم مقتدون وبإمامتهم قايلون ولهم على ذلك معينون بوجوه المعونة من حامل سلاح إلى حاكم إلى خطيب إلى تاجر إلى غير ذلك من صنوف الأمة وأسباب المعونة ولسنا نجد في عصرنا هذا من كثير من ذلك شيئا بل نجد الغالب على أهل عصرنا هذا الرغبة عن ذلك والذم لفاعله والتنزه عن كثير منه إلا من لا يظهر بمذهبه بينهم فيجب أن يكونوا في حق النظر أفضل من أهل ذلك العصر الذي كانت هذه صفتهم فإن قالوا إن أهل عصر الرسول لأجل مشاهدتهم له ومجاهدتهم معه أفضل وكذلك سبيل من شاهدهم من بعد الرسول من التابعين ونقلوا إلينا العلوم والأخبار عنهم ومنهم قيل لهم أليس كل من تقدم خليفة في ذلك العصر فهو فعل الله تعالى فلا حمد للمتقدم في تقدم خلقه ولا صنع له في ذلك ولا فعل يحمد عليه ولا يذم منه فلا بد من نعم فيقال لهم أفيقولون الله إن الله تعالى يحمد العباد على أفعاله ويذمهم عليها فإن قالوا ذلك جهلوا عند كل ذي فهم وكفى بالجهل لصاحبه خزيا وإن قالوا لا قيل لهم فإذا كان كذلك وجب في حق النظر أن يكون من شاهد الرسول ورأى الدلايل من العلامات والمعجزات وظهر له البرهان وأسفر له البيان يقول يشهد فيه القرآن لا عذر له في تقصير عن حق ولا دخول في باطل فإن الحجة بذلك ألزم وعليه أوجب وكان من أشكل عليه فهم شئ في تفسير آية وتحقيق معنى في كتاب الله أو سنة يرجع في ذلك إلى الرسول فاثبت له الحق منه واليقين ونفى عنه الشك والزيغ فمن قصد منهم بعد هذا الحال إلى خلاف الواجب كان حقيقا على الله أن لا يقبل له عذرا ولا يقبل له عشرة وأما من كان في عصرنا هذا الذي قد اختلف فيه الأقاويل وتضادت المذاهب وتشتت الآراء وتباينت الأهواء وضلت المعارف ونقصت البصاير وعدمت التحقيقات إذ ليس من يرجع إليه يزعم أهل الغفلة ممن صفته في تحقيق الأشياء صفة الرسول فيثبت لنا اليقين وينفي عنا الشك فيها فعذرهم مقبول وعثرتهم مغفورة بل أقول لو أجيب أن من يرتكب من أهل هذا العصر مائة ذنب أعذر ممن ارتكب في ذلك العصر ذنبا واحدا أو قلت إن من استبصر في هذا العصر في دينه فشغل نفسه لمعرفة بصيرته حتى عرف من ذلك ما نجا به بتوفيق الله فيما سبق سعى له من الطلب أفضل من عشرة مستبصر كانوا في ذلك العصر لقلت حقا ولكان صدقا وإذا كان الحال على ما وصفت فيجب أن يكون مستبصرنا أفضل من مستبصرهم إذ كان البرهان قد قطع عذرهم والبيان قد أزاح عللهم بقرعه لأسماعهم صباحا ومساءا ومشاهدتهم إياه بأبصارهم ويزول معه أفهامهم حتى يسعى الساعي منا الدهر الطويل بقطع المسافة وتحول البلدان الناسعة بتذلل للرجال وتخضع لكل صاحب نوال ما أن يهلك ولم يدرك البغية وأما أن يمن الله عليه بالبصيرة بعد جهد جهيد وعناء شديد وتعب كديد مع تقية المستبصرين وخوف العارفين من إظهار ذلك للظالمين وكشفه للراغبين فأي ظلم أم أي جوار بين من ظلم تفضيل أولئك فيما ارتكبوه ودونخ أو كم بين من استبصر في دينه بصيرة تزول معه كل شك ويثبت معه كل يقين من بيان النبي (ص) المرسل وبرهان الكتاب المنزل وبين من يستبصر في دينه بأخبار متضادة وأقاويل مختلفة وبيان غير شاف وبرهان غير كاف حتى يسعى ويطلب ويميز وينظر ويعتبر ويختبر بسهر ليله وظمأ نهاره وتعب بدنه وتصاغر نفسه وتذلل قدره هل هذا الأجور من قايله وظلم ظاهر من موجبه حقيق على الله أن يوجب لمستبصري أهل هذا العصر ولا يبعد الله إلا من ظلم وقال بما لا يعلم وإن قالوا إن الله عز وجل قد قال في كتابه السابقون السابقون أولئك المقربون قلنا لهم قد قال الله عز وجل وصدق الله و الأمر في ذلك بين واضح والحكمة فيه مستقيمة وذلك أن السباق لا يجوز في الحكمة أن يقع في الإيمان إلا بين أهل العصر الحاضرين المشاهدين لندب الداعي لهم إلى السباق ومخل في الحكمة وفي العدل أن يسابق الله بين قوم خلقهم ومكنهم من أحوال الإجابة وبين قوم لم يخلقهم هذا ظاهر الفساد وبعيد من الرشاد بين المحال فظيع المقال لكنه عز وجل سابق بين الحاضرين من أهل عصر الرسول ولعمري إن من سبق منهم إلى الإيمان أفضل وأجل وأقرب منزلة وأعلى درجة ممن لحق من تقدمه فلا ينكر هذا ذوقهم ولكن المنكر قول من زعم أن الله سابق بين من خلق ومن لم يخلق فمن قال إن الصحابة قد سبقوا بالإيمان ويريد بذلك تقدمهم في عصرهم وتأخر عصرنا من عصرهم فيما قدم الله من خلقهم وآخر من خلقنا فذلك كلام صحيح وقول فصيح كما أن من تقدم أيضا من الأمم والأعصار التي كانت قبل الصحابة كانوا متقدمين على الصحابة بأعصارهم سابقا من أمر فمنهم على مؤمني الصحابة وتقدم خلقهم عليهم وليس في ذلك فضل لهم على من جاء بعدهم ومن قال إن الصحابة سبقونا بالإيمان بمعنى التسابق بيننا وبينهم إلى الإيمان فكان لهم بسبقهم ذلك الفضل علينا لأجل تأخرنا عنهم كان ذلك قولا محالا شنيعا لأن تأخرنا عن عصرهم من فعل الله لا من فعلنا والله لا يذمنا على أفعاله ولو كان لأهل عصر الصحابة علينا فضل في إيمانهم بتقدمهم علينا في الأعصار والخلق لوجب على هذه القضية أن يكون إيمان من تقدمهم من الأمم السالفة أفضل من إيمانهم بتقدمهم عليهم في الأعصار فلما كانوا يمنعون ذلك يوجبون الفضل لأمة محمد (ص) على من تقدمهم من الأمة كان إيجابهم تفاضل أوايل هذه الأمة على أواخرها فاسرا وهذا ما لا نطلقه نحن أيضا في مذهبنا لكنا نقول إن أهل كل عصر يتفاضلون بينهم ومن سبق منهم إلى الإيمان فهو أفضل ممن تأخر عنه ثم لحق بالسابق فيه من أهل عصره
(٢٦٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 263 264 265 266 267 268 269 270 271 272 273 ... » »»