إحقاق الحق (الأصل) - الشهيد نور الله التستري - الصفحة ٢٧٦
فمسلم بل كان من خواص شيعة علي (ع) لكن نقل المصنف لتلك الرواية لا يدل على اعتقاده بصحتها حتى يلزم منه قدح على حذيفة في اعتقاده وإنما نقلها إلزاما للخصم العنيد كما مر من غير بعيد قال المصنف رفع الله درجته وروى الحميدي في الجمع بين الصحيحين من أفراد البخاري من مسند ابن عمر قال بعث رسول الله (ص) خالد بن الوليد إلى بني خزيمة فدعاهم إلى الإسلام فلم يحسنوا أن يقولوا أسلمنا فجعلوا يقولون صبانا فجعل خالد يقتل ويأسر ويدفع إلى كل واحد منا أسراء حتى إذا كان يوم أمرنا خالد أن يقتل منا كل واحد أسيره فقلت والله لا أقتل أسيري ولا يقتل رجل من أصحابي أسيره حتى قدمنا على رسول الله (ص) فذكرنا له فرفع يديه وقال اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد مرتين ولو كان ما فعله خالد صوابا لم يتبر الرسول منه وإذا كان خالد قد خالفه في حياته وخانه في أمره فكيف به وبغيره بعده انتهى وقال الناصب خفضه الله أقول قتل خالد لتلك الجماعة باجتهاد إنهم كفار ولم يسلموا فلما علم رسول الله (ص) حالهم وحكم بإسلامهم تبين خطأ خالد وهذا لا يوجب المخالفة أصلا لأن رسول الله (ص) لم ينهه عن قتلهم فقتلهم خالد وهذا لا يوجب مخالفته أصلا كما لا يخفى وأقول قد علم من كلام ابن عمر إنه مع من كان معه قد أنكروا على خالد في قتل ذلك القوم وأسرهم وأظهروا عليه خطأ ظنه في ذلك ومع هذا أصر على متابعة خطأه الذي حمله هواه وكيف لا يستحي الناصب من أن يسمي اجتهادا ذلك الهواء الميشوم الذي بطلانه ظهر أولا على مثل عبد الله بن عمر واتباعه آخرا بمجرد ذكر تلك الواقعة على النبي (ص) وأصحابه والنبي (ص) وإن لم ينه بقوله لا يقتلهم لكن تلي عليهم من نص القرآن ما هو عام في النهي عن قتل نفس بغير حق فتدبر وقال المصنف رفع الله درجته وروى أحمد بن حنبل في مسنده من عدة طرق أن رسول الله (ص) بعث ببراءة مع أبي بكر إلى أهل مكة فلما بلغ ذا الحليفة دعا عليا (ع) فقال له أدرك أبا بكر فحيثما لحقته فخذ الكتاب منه واذهب إلى مكة واقرأه عليهم قال فلحقته بالجحفة فأخذت الكتاب منه فرجع أبو بكر إلى النبي (ص) فقال يا رسول الله (ص) نزل في شئ قال لا ولكن جبرئيل جاءني فقال لا يؤدي عنك إلا أنت أو رجل منك ونحوه روى البخاري في صحيحه وفي الجمع بين الصحيحين والصحاح الستة عن أبي داود والترمذي عن عبد الله بن عباس أن النبي (ص) دعا أبا بكر وأمره أن ينادي في الموسم ببراءة ثم أردف عليا فبينا أبو بكر في بعض الطريق إذا سمع رغاء ناقة رسول الله (ص) العضباء فقام أبو بكر فزعا وظن أنه حدث أمر فدفع إليه علي كتاب رسول الله (ص) فيه أن عليا ينادي هؤلاء الكلمات فإنه لا يبلغ عني إلا رجل من أهل بيتي فانطلقا فقام علي (ع) أيام التشريق ينادي ذمة الله ورسوله برية من كل مشرك فسيحوا في الأرض أربعة أشهر ولا يحجن بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت بعد اليوم عريان ولا يدخل إلا نفس مؤمنة ورواه الثعلبي في تفسير براءة وروى فيه أن أبا بكر رجع إلى رسول الله (ص) فقال نزل في شئ قال لا ولكن لا يبلغ عني غيري أو رجل مني فمن لم يصلح لأداء آيات يسيرة يبلغها كيف يستحق التعظيم المفرط في الغاية وتقديمه على من عزله وكان هو المؤدي ولكن صدق الله العظيم فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور فلينظر العاقل في هذه القضية ويعلم أن الله تعالى لو لم يرد إظهار فضيلة مولانا أمير المؤمنين (ع) وإن أبا بكر ينبغي أن يتابعه لما رده عن طريقه بعد خروجه من المدينة على أعين الخلايق أو كان يمنعه من الخروج في أول الحال بحيث لا يعلم أحد انحطاط مرتبته لكن لم يأمره بالرد إلا بعد تورطه في السير أياما لأنه سبق في علمه تعالى تقصير أكثر الأمة بعد النبي (ص) ففعل في هذه القضية ما فعل ليكون حجة له تعالى عليهم يوم العرض بين يديه انتهى وقال الناصب خفضه الله تعالى قد ذكر هذا الرجل المكرر هذا الكلام مرة بعد أخرى وقد أجبناه فيما سبق ومن الغرايب أن هذا الرجل يدعي أن رسول الله (ص) رد أبا بكر من تلك السفرة وعزله من إمارة الحج وهذا من غاية جهله بالأخبار فإن من المتواتر كوجود أبي بكر وعمر ووجود الكعبة والحج إن أبا بكر حج بالناس في سنة تسع ولا ينكره إلا من كان حديث العهد بالإسلام أو مجادل جاهل مثل ابن المطهر ثم يترتب عليه أنه يريد أن يبايع أبو بكر عليا فيا معشر المسلمين هذا يستفاد من أي شئ أيستفاد من إرداف علي بقراءة سورة البراءة ولم يتحقق غير هذا وقد ذكرنا أن هذا الارداف كان لنبذ العهود مع الكفار وقد كان من دأب العرب أن لا يتولى نبذ العهد إلا صاحب العهد أو أحد من قومه وهل في هذا مظنة إرادة البيعة بل لأهل السنة والجماعة أن يعكسوا الكلام ويقولوا إنما بعث عليا خلف أبا بكر ليحضر معه في الحج ويقتدي به في الأعمال لأن أبا بكر كان أمير الحاج ويقرأ سورة البراءة المتضمنة لتبليغ القيام بمقام الوصاية ليعلم الناس أن أبا بكر خليفة وأن عليا هو الوصي انتهى وأقول أولا إن تكرار المصنف لهذه الرواية المشتملة على قضية البراءة في هذا المطلب من قبيل ما قيل هو المسك ما كررته يتضوع فإن الغرض من ذكره فيما سبق إنما كان الطعن على خصوص أبي بكر والغرض من ذكره في هذا المطلب الطعن على الصحابة الذين تفطنوا بما في هذه القضية ثم جعلوها منعكسة فإن في هذا المطلب إنما ذكره لأجل ذلك كما علم من عنوانه فلا تكرار حقيقة وقد أشار المصنف إلى ذلك في آخر كلامه بقوله لأنه سبق في علمه تعالى تقصير الأمة بعد النبي (ص) فافهم ثم ما ذكره من أن أبا بكر حج بالناس فقد ذكرنا في تكذيبه ما يضطر الفطن النصف إلى تصديقه فتذكروا أما ما ذكره من المصنف رتب على القضية المذكورة أنه تعالى ونبيه أراد أن يبايع أبو بكر عليا ثم استبعد استفادة ذلك من الحديث فمدفوع بأن المصنف إنما رتب على ذلك إرادة أنه ينبغي أن يتابعه بمعنى أن يكون علي (ع) متبوعا وأبو بكر تابعا مطيعا له لا أن يبايعه من البيعة بمعنى سفق اليد والناصب قد صحف المتابعة ليتأتى له الايراد على المصنف باستبعاد فهم ذلك من رواية تلك القضية وقد بينا لزوم المتابعة والمطاوعة من ذلك فيما سبق بأوضح بيان وسيشير إليه المصنف فيما ذكره متصلا بهذا من قضية خيبر في قوله وقصد بذلك إظهار فضله وحط منزلة الآخرين إلى آخره وبينا أيضا ثمة أن ما وجهه به من أن الارداف كان لمراعاة دأب العرب في نبذ العهود غير متجه فتوجه على أن المبايعة لازمة فيما نحن فيه للمتابعة غاية الأمر أن يكون فهمه عن ذلك خفيا لتوسط الواسطة في اللزوم وأما ما ذكره من أن لأهل السنة أن يعكسوا الكلام فمدفوع بأنه ليس لأهل السنة أن يعكسوا هذا الكلام وإنما لهم أن يعكسوا المرام وقد فعلوا ذلك وبالجملة العكس والقلب إنما يروج منهم لو صح أن أبا بكر
(٢٧٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 271 272 273 274 275 276 277 278 279 280 281 ... » »»