إحقاق الحق (الأصل) - الشهيد نور الله التستري - الصفحة ٢٨٣
لفهم ما ذكرنا من الإشارة وأما قوله وهذا يصدق ما ذكرنا قبل أن عمر كان له هذا المنصب فمردود بأن ما ذكره قبل إنما أخذه من هذه القضية وههنا يجعلها دليلا عليه ولا دلالة لذلك إلا على منصب الفظاظة والجلافة كما عرفت وأما ما ذكره من أنه لو كان هذا إساءة أدب من عمر مع رسول الله (ص) لكان ينبغي أن يضرب عنقه إلى آخره فنقول نعم كان ينبغي ذلك عنده (ص) دائما لكنه كان يحترز عن تشنيع الناس له بأنه يقتل أصحابه كما رواه الناصب سابقا حيث قال فقد ثبت في الصحاح أن عمر قال لرسول الله (ص) دعني اضرب عنق عبد الله بن أبي سلول حيث ظهر نفاقه فقال لا يقال أن محمدا يقتل أصحابه الحديث أو كان يخاف الفتنة وعدم تمكن القوم له في ذلك كما يرشد إليه ما رواه المصنف سابقا عن صحيح مسلم في حديث عايشة من قصة الإفك قالت قام رسول الله (ص) على المنبر فقال من يعذرني من رجل قد بلغ أذاه في أهل بيتي فوالله ما علمت على أهلي إلا خيرا ولقد ذكر رجلا ما علمت عليه إلا خيرا وما كان يدخل على أهلي إلا معي فقام سعد بن معاذ وقال أعذر منه يا رسول الله (ص) إن كان من الأوس ضربنا عنقه وإن كان من إخواننا من الخزرج أمرتنا فقبلنا أمرك قالت فقام سعد بن عبادة وهو سيد الخزرج وكان رجلا صالحا احتملته الحمية فقل لسعد بن معاذ كذبت لعمر الله لنقتلنه فإنك منافق تجادل عن المنافقين فثار الجدال بين الأوس والخزرج حتى هموا أن يقتتلوا ورسول الله (ص) قائم على المنبر فلم يزل رسول الله (ص) يعظهم حتى سكتوا وسكت الحديث ويؤيد هذا أيضا ما مر من حديث اعدل فإنك لا تعدل وأما عدم شهرة عمر بالنفاق كشهرة عبد الله بن أبي سلول به فلعله لأجل إنه لم يبلغ في ترشح النفاق عنه مبلغه أو لأن الناس كانوا يهابونه ويخافون الطعن فيه كما علم من معالته مع النبي (ص) ومع آله وأهل بيته عليهم السلام بعده والحديث المشهور عن حذيفة يدل على أن عمر كان يخاف من أن يظهر حذيفة نفاقه على الناس وأما ما ذكر من أن فعل عمر موافق لمذهب الإمامية فتوهم باطل لأن فعل عمر فيما نحن فيه إنما هو مخالفة حكم النبي (ص) وضرب أبي هريرة من غير ذنب والإمامية يشنعون عليه فيها كما عرفت فكيف يكونون موافقين معه وكذا توهم موافقة قوله خلهم يعملوا لمذهب الإمامية فإن مجرد هذا القول لا يدل على وجوب جزاء الأعمال عند عمر حتى يكون موافقا لمقالة الإمامية وأما ما ذكره من أن الشهادة وحدها ليست كافية في النجاة من النار عند الإمامية فمسلم لكن الإمامية لم يفهموا من الحديث المذكور حكم النبي (ص) بكفاية الشهادة وحده في النجاة كما فهمه عمر حتى يظهر الموافقة بينه و بين الإمامية فيه وبالجملة أن سوة؟ الاستعداد الذاتي والاعوجاج الفطري لعمر قد وقع في الأول مخالفا للفطرة الصحيحة المستقيمة الحاصلة عناية من الله تعالى للإمامية وأئمتهم عليه السلام والموافقة إنما يكون نادرا اتفاقيا وأما ما ذكره من أن عمر كان أميرا مبجلا وزيرا لرسول الله (ص) ولم يعد ضرب عمر لأبي هريرة من إسائة الأدب كما يضرب الأمراء والمقربون للسلاطين ساير الجنود إلى آخره فهذه سنة هرقلية كسروية ينافي ما ذكره الناصب سابقا من أن الخلفاء لم يكونوا كالملوك الذين يتنافسون في الملك حاشاهم عن ذلك وكذا ينافي ما ذكره أصحاب الناصب في جواب ما قاله الشيعة من أنه ينبغي الإمامة لعلي (ع) لئلا يخرج سلطان محمد (ص) عن قعر بيته حيث أجابوا بأن هذه سنة هرقلية لا يجتمع النبوة والإمامة في بيت واحد وبالجملة مثل هذا الضرب لم يكن سنة النبي (ص) ولا أحد من خيار أصحابه فعل والناصب أشد من ذنب عمر ولعمري إنه لو اعتذر عن ذلك بأن عمر لم يضرب أبا هريرة إلا لأجل إنه كان مشهورا بالكذب بين الصحابة كما اتضح من روايات الحميدي فظنه كاذبا مفتريا في روايته ذلك عن رسول الله (ص) لكان أولى في حفظ حال عمر فتدبر وأما ما ذكره من أن ما وقع عن عمر من الاعتراض على النبي (ص) يوم الحديبية كانت شبهة طرت له فسأل رسول الله (ص) ثم سأل أبا بكر حتى ارتفع الشك ففيه أولا إنه على تقدير وقوع الشك له في ذلك كان ينبغي أن يسأل ذلك عن غيره من الصحابة كما سأل عن أبي بكر بعد ذلك فلو لم يقدروا على إزالة شكه لكان معذورا في الرجوع إلى النبي (ص) والسؤال عنه لكن لا على أسلوب الرد والإنكار الذي لا يخفى شناعته على أولي الأبصار وقوله (ص) في جواب عمر أنا رسول الله (ص) ولست أعصيه وهو ناصري صريح في تأذي النبي (ص) عن ذلك الخطاب الصادر عن ابن الخطاب وكفى به دليلا على عدوله عن طريق الصواب ومن العجب أن متصوفة الجمهور يقولون إن من شرايط المريد عدم الاعتراض على شيخه فيما يأتي ويذر ثم يجوزون مقابلة الصحابي للنبي (ص) بمثل هذا العذر ليغتفرونه عن عمر وأيضا من درجاة البصيرة على ما ذكره ابن قثم الحنبلي في شرح منازل السايرين أن يعلم المستبصر أن ما أخبر به الرسول (ص) صادر عن حقيقة صادقة لا يخاف متبعها فيما بعد مكروها بل يكون آمنا من عاقبة اتباعها إذ هي حق ومتبع الحق لا خوف عليه انتهى فعلم من إخلال عمر بهذه الدرجة في الانكار على النبي (ص) إنه لم يكن من أهل البصيرة والاستبصار وكفى بذلك سقوطه عن درجة الاعتبار وثانيا أنه لو كان غرضه مجرد دفع الشك والشبهة دون إساءة الأدب فلم لم يطمأن قلبه بجواب النبي (ص) واطمأن بجواب أبي بكر مع كونه عين ذلك الجواب وبهذا يعلم أن غرضه عن السؤال ثانيا عن أبي بكر إنما كان بث التشنيع على رسول الله (ص) وإظهار ورود اعتراضه عليه والاستظهار بموافقة أبي بكر معه في ذلك فلما رأى أن أبا بكر لم يوافقه فيه سكت وأما ما ذكره من أن الإنسان يعرضه مثل هذا فمسلم لكن النواصب يدعون انسلاخه عن دواعي الجهالات واتصافه بصفات الأنبياء والملائكة فلا جرم تستبعد مثل هذا عنه ولو اعترف الناصب بأنه على حد ما عرفه الإمامية من كونه جلفا جافا جاهلا متورطا في ارأة؟ الجاهلية لما اعترضوا عليه بمثل ذلك وراوه معذورا في صدور ما هو أشد من ذلك عنه وأما ما استشهد به من الآية الكريمة فلا يدل على جواز إسائة الأدب في السؤال عن نبي الله (ص) وهو ظاهر وغاية ما يدل عليه الآية كما ذكر في تفسير النيشابوري وقوع الظن من الرسل المذكورين فيها وحمله العلماء على حظور ما يشبه الوسوسة وحديث النفس من عالم البشرية لا على الظن الذي هو ترجيح أحد الجانبين على الآخر لأن الرسل أعرف الناس بالله تعالى وبان ميعاده مبرأ عن وصمة الاختلاف وقد يقال المراد ظن المرسل إليهم أن الرسل كذبوا فيما وعدوا من الظفر وعلى هذا لا دلالة في الآية على ما قصده الناصب أصلا فلا يتأتى له أن يقول إنه إذا وقع الشك للرسل في إنجاز وعده تعالى فإن وقع مثل ذلك لعمر كان معذورا بطريق الأولى على أن الكلام في أنه يبعد جدا عمن له أدنى معرفة بحال النبي (ص) أن يقع منه فيه مثل ما وقع
(٢٨٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 278 279 280 281 282 283 284 285 286 287 288 ... » »»