عن عمر من ذلك الشك الملوم الميشوم الذي لم يزل عنه بالتأمل حتى احتاج إلى السؤال على وجه الشغب الخارج عن الأدب عن النبي (ص) ثم عن أبي بكر حتى يزول عقله وأما ما ذكر من أن طلب رفع الشك بأي عبارة كانت لا يكون ترك الأدب فكلام صادر عن عين المكابرة والاعتياد بسوء الأدب في المناظرة فقد تقرر في آداب التعليم والتعلم أن من آداب المتعلم أن لا ينكر على المعلم ولا يأتمر عليه ولا يشير عليه بخلاف رأيه فيرى أنه أعلم بالصواب بل ينقاد إليه في امروه كلها ويلقي إليه زمام أمره رأسا ويذعن لنصحه ويتحرى رضاه وإن خالف رأي نفسه وأن يبجله في خطابه وجوابه في غيبته وحضوره ولا يخاطبه بتاء الخطاب وكافة ولا يناديه من بعد بل يقول يا سيدي ويا أستاذي وما أشبه ذلك ويخاطبه بصيغ الجمع تعظيما نحو ما تقولون في كذا وما رأيكم في كذا وقلتم رضى الله عنكم أو تقبل الله منكم إلى غير ذلك ولا يخفى أن عمر أهمل أكثر هذه الآداب التي سن للمتعلم الاتيان بها مع المعلمين وصوبه الناصب في الاخلال بذلك وقال إن ذلك لا يكون خارجا عن الآداب قال المصنف رفع الله درجته وفي الجمع بين الصحيحين في مسند عايشة من المتفق على صحته أن رسول الله (ص) اعتم بالعشاء حتى ناداه عمر الصلاة نام النساء والصبيان فخرج وقال ما كان لكم أن تبرزوا رسول الله (ص) على الصلاة وذلك حين صاع عمر بن الخطاب وقد قال الله تعالى لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي (ص) ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون فجعل ذلك محبطا للعمل وقال الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليه لكان خيرا لهم انتهى وقال الناصب خفضه الله تعالى أقول ما ذكر من رفع الصوت فوق صوت النبي (ص) فإنه وارد في غير الصلاة وأما الصلاة وإنهاء النبي (ص) برفع الصوت والإعلام فلا بأس به وإلا لم يكن يجوز للبلال ولساير المؤذنين أن يرفعوا أصواتهم بالأذان وقد صح أن بلال كان إذا فرغ من الأذان ينادي عند حجرة رسول الله (ص) الصلاة الصلاة والعجب أنه يجعل هذا من باب رفع الصوت فوق صوت النبي (ص) فبلال على هذا التقدير وساير المؤذنين كان أعمالهم محبطا لأنهم ينادون الصلاة الصلاة وهذا من غرايب الاعتراضات الدالة على جهله وعناده انتهى وأقول جميع ما ذكره ههنا تمحلات خارجة عن المبحث فإن كلام المصنف في رفع الصوت بما كان خارجا عن الأذان سيما ما يتضمن تعريض النبي (ص) بكسالته وتساهله في أمر الصلاة وهو قول عمر صريحا على باب النبي (ص) نام النساء والصبيان فإن هذه العبارة الملعونة ليست جزءا للأذان ولا للإقامة ولم يسمع ارتكاب أحد من مؤذني الإسلام لمثل هذا الكلام المتضمن للملام في إعلام أحد من العوام فضلا عن النبي (ص) المؤيد بأن عينه ينام وقلبه لا ينام ولهذا تأذى النبي (ص) عن استماع ذلك الكلام المشتمل على التعرض والملام وقال معترضا ما كان لكم أن تبرزوا رسول الله (ص) على الصلاة ولم يقل ما لكم أن تؤذنوا صايحا علي فظهر أن جواب الناصب الغبي من غرايب الأجوبة التي لا ارتباط لها أصلا بالسؤال ويستدل منه على عجزه عن رفع الإشكال أو قصور عن فهم المقال كما لا يخفى على من تأمل أدنى تأمل في حقيقة الحال والذي يدل على أن الآية عامة ما رواه الشيخ شهاب الدين أحمد بن محمد القسطلاني الشافعي أن أبا جعفر منصور الدوانيقي ناظر مالكا في مسجد رسول الله (ص) فقال له مالك يا أمير المؤمنين لا ترفع صوتك في هذا المسجد فإن الله عز وجل أدب قوما فقال لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي (ص) الآية وإن حرمته ميتا كحرمته حيا فاستكان لها أبو جعفر انتهى ثم قال وإذا كان رفع الأصوات فوق صوته موجبا لحبوط الأعمال فما الظن برفع الآراء ونتائج الأفكار على سنته وما جاء به انتهى قال المصنف رفع الله درجته وفي الجمع بين الصحيحين للحميدي في مسند عبد الله بن عمر بن الخطاب إنه لما توفي عبد الله بن أبي سلول جاء ابنه عبد الله بن عبد الله إلى رسول الله (ص) فقام رسول الله (ص) ليصلي عليه فقام عمر فأخذ بثوب رسول الله (ص) فقال يا رسول الله (ص) أتصلي عليه وقد نهاك ربك أن تصلي عليه فقال رسول الله (ص) إنما خيرني الله تعالى فقال استغفر لهم أولا تستغفر لهم أن تستغفر لهم سبعين مرة وسأزيد على السبعين قال إنه منافق فصلى عليه وهذا رد على النبي انتهى وقال الناصب خفضه الله أقول غير الحديث عن صورته والصواب من رواية الصحاح أن عمر قال لرسول الله (ص) أتصلي عليه وهو قال يوم كذا وكذا وفعل كذا وكذا وطفق يعد مثالبه وما ظهر عليه من نفاقه فقال رسول الله (ص) دعني فإنا مأمور أو مخير فصلى عليه فأنزل الله تعالى تصديقا لفعل عمر ونهيه عن الصلاة عليه قوله تعالى ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره الآية وهذا من مناقب عمر حيث وافقه الله تعالى في فعله وأنزل على تصديق قوله القرآن وهذا الرجل يذكر هذه المنقبة العظيمة من مثالبه ومطاعنه وهذا أيضا يدل على ما ذكرنا أن عمر كان جريا في المشاورات وكان رسول الله (ص) أعطاه هذا المقام انتهى وأقول إن المصنف لم يغير صورة الحديث وإنما الذي نقله الناصب صورة حديث آخر في هذا المعنى ولو سلم فقد جوز الجمهور نقل الحديث بالمعنى فلا يكون خارجا عن صوب الصواب مع أن فيما رواه الناصب زيادة لفظ يدل على زيادة تضجر النبي (ص) عن مقالة عمر وهو قوله دعني فافهم على أن مبالغة عمر في ذلك المنع إنما كان رغما للأنصار وازراء عليهم لا لأجل عزة الدين وإذلال المنافقين وأما ما ذكره من أن الله تعالى وافق عمر في ذلك وأنزل على تصديقه القرآن إلى آخره ففيه أن الأمر في جواز الصلاة على المنافقين لم يكن مبهما من عند الله تعالى مختلفا فيه لأجله بين النبي (ص) وعمر حتى يقال إن الله تعالى رجح قول عمر وأنزل القرآن على تصديقه وموافقته وتكذيب النبي (ص) ومخالفته كما يشعر به كلام الناصب خذله الله تعالى و العجب أن الناصب لا يعد من مطاعن عمر مخالفته الصريحة لأمر الله تعالى في منع النبي (ص) عما كان مأمورا به ويعد موافقة النسخ له اتفاقا من مناقبه مع قيام احتمال أن الله تعالى لما علم فظاظة عمر وسوء أدبه وجرأته على الله تعالى ورسوله وأنه يؤذي النبي (ص) بعد ذلك أيضا إذا صلى على منافق آخر اقتضى حكمته تعالى وعنايته إلى النبي (ص) دفع شر عمر وإساءته في الأدب عنه (ص) بنسخ ذلك الحكم والله أعلم ويؤيد هذا ما سبق في تفضيح قول إن الرجل ليهجر من اعترافه في هذا المقام بما نقله عنه صاحب جامع الأصول من قوله فعجبت بعد من جرأتي على رسول الله (ص) انتهى قال المصنف رفع الله درجته وفي الجمع بين الصحيحين من مسند عايشة قالت كان أزواج رسول الله (ص) يخرجن ليلا إلى ليل قبل المضانع فخرجت سودة بنت زمعة فرآها عمر وهو في المجلس فقال عرفتك يا سودة فنزل آية الحجاب عقيب ذلك وهو يدل على سوء أدب عمر حيث كسف ستر زوجة النبي (ص) ودل عليها أعين الناس وأخجلها وما قصدت بخروجها ليلا إلا الاستتار عن الناس وصيانة نفسها وأي ضرورة له إلى تخجيلها حتى أوجب ذلك نزول الآية الحجاب انتهى وقال الناصب خفضه الله أقول هذا يدل على كمال غيرة عمر وشدة اهتمامه في حفظ ستر أزواج النبي (ص)
(٢٨٤)