بصاحبه قم يا علي فإنك أنت قاتله إن وجدته فاقتله فإنك إن قتلته لم يقع بين أمتي اختلاف أبدا قال علي (ع) فأخذت السيف ودخلت المسجد فلم أره فرجعت إلى رسول الله (ص) فقلت له يا رسول الله (ص) ما رأيته فقال لي يا أبا الحسن إن أمة موسى افترقت إحدى وسبعين فرقة فرقة ناجية والباقون في النار وإن أمة عيسى افترقت اثنين وسبعين فرقة فرقة ناجية والباقون في النار وإن أمتي ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة فرقة ناجية والباقون في النار فقلت يا رسول الله (ص) وما الناجية فقال المتمسك بما أنت عليه وأصحابك فأنزل الله تعالى في ذلك الرجل ثاني عطفه يقول هذا أول من يظهر من أصحاب البدع والضلالات قال ابن عباس والله ما قتل ذلك الرجل إلا أمير المؤمنين (ع) يوم صفين ثم قال له تعالى في الدنيا خزي قال القتل ونذيقه يوم القيامة عذاب الحريق بقتاله علي بن أبي طالب يوم صفين فلينظر العاقل ما تضمنه هذا الحديث المشهور المنقول من طريق الجمهور من أبي بكر وعمر ولم يقبلا أمر النبي (ص) ولم يقبلا قوله واعتذرا بأنه يصلي ويسجد ولم يعلما أن النبي (ص) أعرف بما عليه منهما ولو لم يكن مستحقا للقتل لم يأمر الله تعالى نبيه بذلك وكيف ظهر إنكار النبي على أبي بكر بقوله لست بصاحبه وامتنع عمر من قتله ومع ذلك فإن النبي (ص) حكم بأنه لو قتل لم يقع بين أمتي اختلاف أبدا وكرر الأمر بقتله ثلاث مرات عقيب الانكار على الشيخين وحكم (ص) بأن أمته ستفترق ثلاثا وسبعين فرقة اثنان وسبعون منها في النار واصل هذا بقاء ذلك الرجل الذي أمر النبي (ص) الشيخين بقتله فلم يقتلاه فكيف يجوز للعامي تقليد من يخالف أمر الرسول (ص) انتهى وقال الناصب خفضه الله أقول الظاهر أن هذا الخبر موضوع ولا كل ما ذكر في كتب أهل السنة نحكم على صحته وإنما قلنا إن الظاهر أن هذا الخبر موضوع لوجوه الأول أنه من المنكرات غير مألوف من أمور الدين إن رسول الله (ص) يأمر بقتل من يمدحه الأصحاب أنه يصوم ويصلي ويتصدق وهذا من منكرات الدين ولم يرووا مثله الثاني أن رسول الله (ص) لو أراد قتله لم يكن يأمر أكابر الصحابة بهذا الأمر بل كان يأمر أحدا من الأصحاب فيقتله ومثل هذا الأمر منكر من أحوال رسول الله (ص) الثالث أن هذا الذي أمر رسول الله (ص) بقتله كما زعم الراوي كان ذلك الرجل الذي هو أصل الخوارج وهو الذي قتله علي بعد هذا وهو ذو الخويصرة الذي قال لرسول الله (ص) إعدل فإنك لا تعدل فسأل عمر أن يأذن له في ضرب عنقه فلم يأذن رسول الله (ص) ولو كان يريد قتله لكان يأذن عمر في قتله الرابع أن أصول الفرق المبتدعة أقوام شتى ولم يشتهر أن رجلا واحدا أصل هذه الجماعات و بالجملة هذا الحديث ظاهر عليه أنه من المنكرات انتهى وأقول المنكر هو الناصب الشقي الذي ينكر شهرة مثل هذا الحديث مع اعترافه بذلك بعيد ذلك من حيث لا يشعر كما سنبينه فنقول أما ما ذكره أولا من أنه غير مألوف من أمور الدين أن النبي (ص) يأمر بقتل من يمدحه الأصحاب فمردود بأن أمثال هذه ليس مما يتكرر ويتكثر حتى يصير مألوفا معتادا فعدم كونه مألوفا لا يقتضي عدم صحته وأما ما ذكره ثانيا من أنه (ص) لو أراد قتله لم يكن يأمر أكابر الصحابة بهذا الأمر فمدفوع بأنه (ص) أراد قتل ذلك الشيطان مع امتحان أكابر الصحابة في امتثال أمره بذلك كما يدل عليه صريح كلامه (ص) وإذ ذاك تعين الأمر عليهم لا على الأصاغر وأيضا إذا جاز أن يأمر عثمان في أيام خلافته عليا (ع) بحد وليد بن عقبة لشربه الخمر جاز للنبي (ص) أن يأمر أكابر أصحابه بقتل بعض الشياطين لكن إخوان الشياطين يريدون إغواء العوام بإلقاء هذه الوساوس والأوهام وما ما ذكره ثالثا من أن هذا الذي أمر رسول الله (ص) بقتله كان ذلك الرجل الذي هو أصل الخوارج وهو الذي قتله علي بعد هذا وهو ذو الخويصرة إلى آخره فشاهد عليه بأنه إنما علم هذا التفصيل من هذا الخبر وبان إنكاره لهذا الخبر أولا وعده من المنكرات منكر مثله وأما ما ذكره من أنه لو كان يريد قتله لكان يأذن عمر في قتله مدخول بأنه على تقدير تسليم أن يكون الرجل الذي نفى العدالة عن النبي (ص) والذي أمر النبي (ص) بقتله واحد أيجوز أن يكون عدم إذنه (ص) بقتله في تلك المرتبة لعدم إعلام الله تعالى لنبيه (ص) حينئذ بأنه أول من يظهر من أصحاب البدع والضلالات وأنه يجب قتله قبل وقوع ذلك منه وما ما ذكره من أن أصول الفرق المبتدعة أقوام شتى ولم يشتهر أن رجلا واحدا أصل هذه الجماعات فمردود بأنه لم يذكر في الخبر أن الرجل أصل جماعات أهل البدع بل ذكر فيه أنه أول من يظهر منهم ولا ريب في أن لكل طائفة من الحوادث أول وآخر مع أن إنكار كون الشخص الواحد أصل جميع الضلالات سيما خصوص الضلالات الواقعة لأمة نبينا (ص) منقوض بما ذكره صاحب الملل والنحل من أهل نحلة الناصب فإنه قال إن مصدر جميع الضلالات إبليس اللعين حيث استبدعه بالرأي في مقابلة النص واختار الهوى في معارضته الأمر وتشعبت عن شبهته المشهورة في تفضيل نفسه على آدم (ع) الشبهات الأخر فلم لا يجوز أن يكون مظهرها في الآخر واحدا أيضا اللهم إلا أن يدعي الناصب مشاركة نفسه معه لما قد ظهر منه في تأليفه هذا من الكذب والمراء والافتراء والوضع والتحريف والزيادة والنقصان والبغي والعدوان ما يعجز عنه الشيطان فضلا عن شياطين ما وراء النهر وخوارج نهروان والله المستعان قال المصنف رفع الله درجته وهذا كما روى مسلم في صحيحه والحميدي في مسند عبد الله بن العباس قال لما أحضر النبي (ص) وفي بيته رجال منهم عمر بن الخطاب فقال النبي (ص) هلموا أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا فقال عمر بن الخطاب إن النبي (ص) قد غلب عليه الوجع وإن الرجل ليهجر وعندكم القرآن حسبكم كتاب الله وفي رواية ابن عمر أن الرجل ليهجر قال الحميدي في الجمع بين الصحيحين فاختلف الحاضرون عند النبي (ص) فبعضهم يقول القول ما قاله عمر فلما أكثروا اللفظ والاختلاف قال النبي (ص) قوموا عني ولا ينبغي عندي التنازع وكان عبد الله بن عباس يبكي حتى تبل دموعه الحصى ويقول يوم الخميس وما يوم الخميس وكان يقول الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله (ص) وبين كتابه فلينظر العاقل إن ما تضمنه هذا الحديث من سوء أدب الجماعة في حق النبي (ص) وقد قال الله تعالى يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي (ص) ولا تجهروا له بالقول الآية ثم إنه (ع) لما أراد إرشادهم وحصول الألفة بينهم بحيث لا يقع بينهم العداوة والبغضاء منعه عمر عن ذلك وصده عنه ومع هذا لم يقتصر على مخالفته حتى شتمه وقال إنه يهذي والله تعالى يقول وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى وبالخصوص مثل هذا الكتاب المنافي للضلال وكيف يحسن مع عظمة رسول الله (ص) وأمر الله تعالى الخلق بتوقيره وتعظيمه وإطاعته في أوامره ونواهيه ويقول له بعض أتباعه إنه يهذي مقابلا في وجهه بذلك وفي الجمع بين الصحيحين من مسند جابر بن عبد الله قال دعى رسول الله (ص) بصحيفة عند موته فأراد أن يكتب لهم كتابا لا يضلون بعده أبدا فكثر اللفظ وتكلم عمر فرفضها رسول الله (ص) وكيف يسوغ لعمر منع رسول الله من كتابة ما يهتدون به إلى يوم القيامة فإن كان هذا الحديث صحيحا عن عمر وجب ترك القبول منه وإلا لم يجز استناده إليه وحرك عليهم التعويل على كتبهم هذه انتهى وقال الناصب خفضه الله أقول
(٢٨٠)