إحقاق الحق (الأصل) - الشهيد نور الله التستري - الصفحة ٢٩١
أما سمعت رسول الله (ص) يقول رفع القلم عن ثلاثة عن النايم حتى يستيقظ وعن المجنون حتى يبرأ وتعقل وعن الطفل حتى يحتلم فدر عمر عنها الرجم وذكر أحمد بن حنبل عن سعيد بن المسيب قال كان عمر يتعوذ من معضلة ليس لها أبو الحسن يعني عليا (ع) انتهى وقال الناصب خفضه الله تعالى أقول قد سبق جواب هذا وإنه من الأحكام التي حكم بها إمام فذكره عالم بالمسألة فرجع وليس في هذا طعن ولا شك أن الخلفاء كانوا يستمدون من العلماء وسيما علي (ع) انتهى وأقول قد مر وهن الجواب وإحاطة الطعن لمن ضل عن الصواب وأما قوله إن الخلفاء يستمدون من العلماء ففيه أن هذا شأن خلفاء الجهل والجور لا المؤيدين من عند الله اللايقين بخلافة النبي (ص) من عترته المعصومين وأهل بيته الطاهرين المطالعين للوح المحفوظ كما اعترف به ابن حجر في شرح البخاري ثم أين وقوع الاستمداد في ذلك عن عمر في هذه المسألة مع أن الرواية صريحة في أنه استبد فيها برأيه السقيم فكلفه غيره إلى الصراط المستقيم قال المصنف رفع الله درجته وفي الجمع بين الصحيحين للحميدي من عدة طرق منها في مسند ابن عباس قال كان الطلاق على عهد رسول الله (ص) وأبي بكر وسنين من خلافة عمر الثلاث واحدة فقال عمر بن الخطاب إن الناس قد استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة فلو أمضيناه عليهم فأمضاه عليهم فلينظر العاقل هل كان يجوز لعمر مخالفة الله ورسوله حيث جعلا الثلاث واحدة ويجعلها هو ثلاثا انتهى وقال الناصب خفضه الله أقول لم يجعل عمر الثلاث غير واحدة بل أمرهم بالطلاق السني والطلاق السني أن لا يوقع الثلاث مرة واحدة وقد اعتذر عمر عن هذا بأن الناس يستعجلون في أمر الطلاق ويطلقون الثلاث دفعة واحدة وهذا هو الطلاق البدعي ولم يحكم بأن الثلاث لا يقع دفعة واحدة وأن ليس له في الوقوع حكم الواحدة ولا يفهم هذا من الحديث والحاصل أنه يجعل الواحدة في الحديث صفة للطلقة ونحن نجعلها صفة للدفعة فمعنى الحديث وكان الطلاق في عهد رسول الله (ص) يقع الثلاث دفعة واحدة وهو الطلاق البدعي والناس لم يكونوا يمتنعون من هذه البدعة و يوقعون الثلاث دفعة فنهى عمر عن هذه البدعة انتهى وأقول ولا خفاء في أنه إذا قال عمر إن الناس قد استعجلوا وكان معناه على ما ذكره الناصب أنهم يطلقون الثلاث دفعة ثم قال أمضينا عليهم كان معناه لضرورة رجع ضمير المنفصل إلى ما استعجلوا فيه إمضاء الطلقات الثلاث دفعة واحدة عليهم بثلاث طلقات لا إمضاء الثلاث واحدة لا إمضاء الطلاق السني فلا وجه لقوله بل أمرهم بالطلاق السني وهو أن لا توقع الثلاث مرة وكذا قوله ولم يحكم بأن الثلاث لا يقع دفعة إلى آخره وثانيا إن قوله والطلاق السني أن لا يقع الثلاث مرة واحدة مخالف لما ذكره النووي في أول كتاب الطلاق من كتاب الروضة حيث قال لم يزل العلماء يصفون الطلاق بالبدعة والسنة وفي معناها اصطلاحان إحداهما السني ما لا يحرم إيقاعه والبدعي ما يحرم وعلى هذا فلا قسم سواهما والثاني هو المتداول إن السني طلاق مدخول بها ليست بحامل ولا صغيرة ولا يائسة والبدعي طلاق مدخول بها في حيض أو نفاس أو طهر جامعها فيه ولم يبين حملها وعلى هذا يستمر ما اشتهر في الذهب إن غير الممسوسة لا سنة ولا بدعة في طلاقها وكذا من في معناهما وعلى هذا الطلاق سني بدعي وغيرهما انتهى وصرح بعد ذلك بفصل بأنه لا بدعة في جميع الطلقات الثلاث لكن الأفضل تفريقهن على الأقراء والأشهر إن لم تكن ذات أقراء ليتمكن من الرجعة أو التجديد إن ندم انتهى فكيف يقول الناصب إن الطلاق البدعي هو إطلاق الثلاث دفعة واحدة وثالثا إنه إن أراد بقوله وكان الطلاق في عهد رسول الله (ص) يقع الثلاث دفعة واحدة وهذا هو الطلاق البدعي إنهم كانوا يأتون بها دفعة واحدة وإن لم يكونوا يعتبرونها إلا واحدة فهذا ليس ببدعة ولا بمناف للطلاق السني وغاية الأمر أن يكون اثنان منها لغوا فلا يصح اضرابه عن ذلك بقوله بل أمرهم بالطلاق السني وإن أراد إنهم كانوا يطلقون الثلاث دفعة واحدة ويعتبرونها ثلاثا فمسلم أن هذا بدعة بل حرام صريح وإن لم يكن يسمى طلاقا بدعيا كما عرفت لكن يتوجه إنه كيف جاز جريان هذا الحرام بين الأنام في زمن النبي (ص) وزمان أبي بكر من غير أن يمنعهم النبي (ص) وأبو بكر أو من غير أن يمتنعوا بالمنع ويستمروا عليه حتى يمتنعوا بمنع عمر وهل لهذا التخاليط والتناقض دواء ومعارضة الحمد الله تعالى على السلامة منها وهل يحصى ما في كلامه من التخليط والتكلف إلا بكلفة قال المصنف رفع الله درجته وروى الحميدي في الجمع بين الصحيحين في مسند عمار بن ياسر قال إن رجلا أتى عمر فقال إني أجنبت فلم أجد ماء فقال لا تصل فقال عمار ألا تذكر يا أمير المؤمنين إذ أنا وأنت في سرية فأجنبنا فلم نجد ماء فأما أنت فلم تصل وأما أنا فتمعكت بالتراب وصليت فقال رسول الله (ص) إنما كفاك أن تضرب بيديك الأرض ثم تنفخ ثم تمسح بهما وجهك وكفيك فقال عمر إتق الله يا عمار فقال إن شئت لم أحدث به فقال عمر نوليك ما توليت وهذا يدل على عدم معرفة عمر بظاهر الأحكام وقد رود به القرآن في قوله تعالى فلم تجدوا ماء فتيمموا في موضعين و مع ذلك فإنه عاشر النبي (ص) والصحابة مدة حياة النبي (ص) ومدة أبي بكر أيضا وخفى عنه هذا الحكم الظاهر للعوام أفلا يفرق العاقل بين هذا وبين من قال في حقه رسول الله (ص) أقضاكم علي وقال الله تعالى ومن عنده علم الكتاب وتعيها أذن واعية وقال هو سلوني عن طرق السماء فإني أخبر بها من طرق الأرض سلوني قبل أن تفقدوني والله لو ثنيت لي الوسادة لحكمت بين أهل التوراة بتوراتهم وبين أهل الإنجيل بإنجيلهم وبين أهل الزبور بزبورهم وبين أهل الفرقان بفرقانهم انتهى وقال الناصب خفضه الله تعالى أقول ظاهر آيات القرآن ليس بنص في كيفية تيمم الجنب وهذا أمر يعلم من السنة لأن كيفية تيمم الجنب لا يفهم من النص ولهذا تمعك عمار في التراب ولو كان النص يدل بصريحه على كيفية تيمم الجنب لم يقع لعمار التمعك في التراب ويمكن أن يكون عمر قد فهم من الكتاب والسنة ما يدل على ترك الصلاة للجنب لعدم صريح النص على هذا كما يعلم من التفاسير ويمكن أن يعرضه نسيان للحكم ولا ندعي عصمته من الخطأ وأما ما ذكر من علم أمير المؤمنين فلا نزاع لأحد فيه وكمال علمه لا يدل على جهل غيره انتهى وأقول أكثر النصوص الواردة في تكليف الأنام مما لم يبين فيها الكميات والكيفيات و الشرايط والأحكام فإن من ضروريات الدين الصلوات الخمس اليومية ولم يبين في القرآن أعدادها وكيفياتها أصلا وإنما بين ذلك السنة المطهرة قولا أو فعلا وهكذا الحال في التيمم الذي هو من ضروريات الدين لكونه بدلا عن الوضوء أو الغسل اللذين هما من شرايط الصلاة فيتوجه الملامة على عمر بأنه مع دعواه خلافته عن النبي (ص) لم يعلم في مدة عشرين سنة أو أكثر هذا الحكم الذي عم به بلوى الأنام وصار من ضروريات دين الإسلام مع تكرر بيانه
(٢٩١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 286 287 288 289 290 291 292 293 294 295 296 ... » »»