إحقاق الحق (الأصل) - الشهيد نور الله التستري - الصفحة ٢٨٧
وأنه إنما تغير وجهه ورد عليهم لما رأى من إصرار أكابرهم على مخالفة رأيه (ص) لا لأن السؤال أولا كان عن الأنصار فقط وأنه (ص) أعرض عن أبي بكر وعمر عند مبادرتهما بالجواب لعدم تفطنهما بغرضه (ص) كما موه به الناصب وكذا ظهر فساد ما استدل به الناصب على دعواه الكاذبة بقوله ولهذا لما تكلم مقداد بن الأسود بالكلام الدال على الموافقة أعرض فإن الروايتان صريحتان أيضا في أنه لما قال مقداد ذلك ضحك رسول الله (ص) وفي البخاري عن الراوي أنه لما قال مقداد ذلك رأيت النبي (ص) أشرق وجهه وسره وأيضا ما اشتمل عليه الروايتان من إظهار سعد بن عبادة سيد الأنصار موافقة سيد الأنبياء (ص) قبل إظهار مقداد ذلك وقبل أن يستشيره (ص) من عموم الناس بقوله لتشيروا علي أيها الناس دليل على كذب ما ذكره من السر فإنه لما أجابه سيد الأنصار قبل ذلك بأظهار الموافقة لم يبق معه حاجة بعد ذلك إلى الاستشارة عن الاتباع وهو ظاهر ويتضح من هذا أن مراده (ص) بقوله لتشيروا علي أيها الناس عموم عوام الناس المجتمعين عليه صلوات الله عليه لأجل نهب العير لا خصوص الأنصار كما زعمه الراوي لتلك الرواية ولهذا لا ترى في رواية الإمامية عن ذلك عين ولا أثر والمتفق عليه بين الطائفتين أولى بالاعتبار وأما ما ذكره من حاصل الكلام فلا محل له أما أولا فلأنه أهمل فيه الشق الآخر من الترديد الذي أتى به وأما ثانيا فلأنا نختار هذا الشق؟؟؟
بعض ما ذكر فيه ونمنع بعضه الآخر فنقول مسلم إنه (ص) كان يشاور أبا بكر وعمر وغيرهما من الأصحاب ولم ينكره المصنف لكن نمنع إنهما كانا وزيري رسول الله (ص) وإنه لم يصدر رسول الله (ص) عن الأمر إلا برأيهما والسند ما صرح به في الرواية من إعراضه (ص) عنهما عند المشاورة بل نعتقد أن من ظن أن النبي (ص) لم يكن يصدر عن أمر إلا برأيهما كان على حد الكفر نعوذ بالله منه وكيف لا يكون كذلك مع ما تواتر من صدور الخبط والخطأ عنهما واعرافهما باعتراء الشيطان لهما ولو عرف الناصب قدر النبي (ص) ومرتبته عند الله تعالى لاستحى من الكذب عليه بمثل ذلك ولم ينصر الباطل بما هو أبطل منه والحمد لله على سلامتنا من عظيم ما ابتلوا به من المجاهرة بالباطل الذميم ومعارضة الحق بالكلام السخيف قال المصنف رفع الله درجته وفي الجمع بين الصحيحين قال قال النبي (ص) رأيتني دخلت الجنة فإذا أنا بالرميضاء امرأة أبي طلحة فسمعت حنقته فقلت من هذا فقال هذا بلال فرأيت قصرا بفنائه جارية فقلت لمن هذه فقالوا لعمر بن الخطاب فأردت أن أدخله فانظر إليه فذكرت غيرتك فوليت مدبرا فبكى عمر وقال عليك أغار يا رسول الله (ص) وكيف يجوز أن يرووا مثل هذا الخبر وأي عقل يدل على أن الرميضاء وبلالا يدخلان الجنة قبل النبي (ص) ثم قوله (ص) ذكرت غيرتك يعطي أن عمر كان يعتقد جواز وقوع الفاحشة من النبي (ص) في الجنة انتهى وقال الناصب خفضه الله أقول في هذا الفصل استدل بأشياء ينبغي أن يضحك عليه الضاحكون ويبكي عليه الباكون فإنه قال وأي عقل يدل على أن الرميضاء وبلالا لا يدخلان الجنة قبل النبي (ص) وهذا يدل على أنه لم يفرق بين النوم واليقظة ورؤيا النبي (ص) إنه دخل الجنة وكان فيه الرميضاء وبلالا أيوجب إنهما دخلا قبل النبي الجنة يوم القيامة في اليقظة وهذا غاية الجهل ومما ينبغي أن يتخذه الظرفاء ضحكة ثم قال إن ما ذكر رسول الله إنه ذكر غيرة عمر يدل على اعتقاد عمر لجواز وقوع الفاحشة عن النبي (ص) في الجنة وهو يعلم أن الجنة لا يكون فيه الفاحشة وهذا أمر من أمور الرؤيا وهل يثبت به شئ وقد اتفق أن رسول الله (ص) ذكر غيرة عمر في الرؤيا ثم حكاه له ومن كان من هل الرؤيا يعلم أنه يتفق الآراء والخيالات للرائي مما شاهده وعلمه في اليقظة ثم إن عمر أجاب بأن أغار عليك يا رسول الله ولم لا يجعل هذا جوابا لدفع اعتقاد جواز الفاحشة وبالجملة ذهب التعصب بهذا الرجل مذهبا عجيبا حتى الحق بالجهال وأهل المضاحك نعوذ بالله من سوء التعصب والجدال في الباطل انتهى وأقول هذا الحديث مما رواه الحميدي وغيره كابن حجر في صواعقه في فضايل عمر فلو لم يكن ما تضمنه من المنام مطابقا للوجود لم يكن فيه فضيلة وأيضا منامات الأنبياء كلها صادقة كما أخبر عنه أحسن القصص وروى في المشكاة من المتفق عليه عن عايشة قالت أول ما بدى به رسول الله (ص) من الوحي الرؤيا الصادقة في النوم وكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح انتهى وهل من كان رؤيا في بدو النبوة صادقة يمكن أن يكون في أثنائها وحين نبوته كاذبة ومحتملا وروى مسلم في صحيحه من عدة طرق أن الرؤيا من ستة وأربعين جزءا من النبوة وروى مسلم أيضا وغيره عن النبي (ص) أنه قال من رآني في المنام فقد رآني فإن الشيطان لا يتمثل بي فإذا تضمن الحديث المذكور أن النبي (ص) رأى نفسه في المنام على الوجه المذكور لزم صدقه وإذا صدق ذلك لزم صدق ما رآه مقارنا لذلك من دخول الرميضاء وبلال قبله في الجنة واعتقاد عمر في شأنه (ص) ما لا يليق بجنابه لما تقرر واشتهر أن النوم لا يكون نصفه صادقا ونصفه كاذبا فما ذكره الناصب من أنه لا يثبت شئ بالمنام من قبيل أضغاث الأحلام فليضحك قليلا وليبك كثيرا قال المصنف رفع الله درجته وفي الجمع بين الصحيحين أن عمر قال يوم مات رسول الله (ص) والله ما مات محمد حتى يكون آخرنا وفيه عن عايشة من أفراد البخاري أن رسول الله (ص) مات وأبو بكر بالسفح يعني بالعالية فقام عمر يقول والله ما مات رسول الله (ص) وقال عمر ما كان يقع في نفسي إلا ذاك وليبعثنه الله فليقطعن أيدي قوم وأرجلهم فجاء أبو بكر فكشف عن وجه رسول الله (ص) وعرفه إنه مات وقد روى الحميدي في الجمع بين الصحيحين اعتذار عمر عن ذلك من أفراد البخاري عن أنس أنه سمع خطبة عمر بن الخطاب الأخيرة حين جلس على منبر رسول الله (ص) وذلك في الغد من يوم توفي رسول الله (ص) فشهد وأبو بكر صامت لا يتكلم وقال عمر أما بعد فإني قلت لكم أمس مقالة ما كانت في كتاب أنزله الله ولا في عهد عهده إلي رسول الله (ص) ولكنني أرجو أن يعيش حتى يدبرنا وهذا اعتراف منه صريح بأنه تعمد قول ما ليس في الكتاب ولا في سنة النبي (ص) وأنه كان مخطيا فيه ثم اعتذر بأنه رجى أن يعيش النبي (ص) في زمانه ويدبره وكل هذا اضطراب انتهى وقال الناصب خفضه الله أقول قد سبق الجواب عن هذا الاعتراض وإن عمر اعتراه حالة مدهشة لموت رسول الله (ص) أغفله عن جواز الموت فإن المحب المفرط التايه لا يجوز موت حبيبه ويضطرب وينكر موته وهذا باب من تجاهل العارف لفرط الدهشة ثم لما سكن اضطرابه اعتذر بما اعتذر واعترف بأنه خطأ في عدم جواز الموت والاعتذار عن الخطأ صواب عند أولي الألباب انتهى وأقول قد أسبقنا ما في جوابه من الخلل و بينا أن نسبة المحبة المفرطة المدهشة إلى عمر الداعية له إلى أن لا يجوز الموت للنبي (ص) ينافي ما سبق من تجويزه الهذيان عليه (ص) بل تجويزه الموت عليه عند منع الكتاب
(٢٨٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 282 283 284 285 286 287 288 289 290 291 292 ... » »»