إحقاق الحق (الأصل) - الشهيد نور الله التستري - الصفحة ٢٩٤
عمر بما يشهد به العقول من أن المتولي لأمور الناس إذا تركهم بغير وصية يكون قد ضيع أمورهم وقد شهدوا على رسول الله (ص) أنه قبض ولم يستخلف وضيع الناس وأن عمر وافق ابنه ثم عدل عنه وقال الناصب خفضه الله أقول هذه الأخبار تدل على أن ابن عمر كان يزعم أن ترك الاستخلاف تضييع وهذا من اجتهاده ونبهه عمر أن هذا في الإسلام ليس بالتضييع لأن الله تعالى تكفل حفظ دينه وليس أمر الدين كأمر الملك لجتاح؟ إلى حافظ الحوزة والتوصية بالخلافة لا ترى أن رسول الله لم يستخلف فهل ضاع أمر أمته وهل ظهر خلل أو فساد في أصول الشرايع فالاستخلاف وعدم الاستخلاف بالنسبة إلى أهل الإسلام مساو لأنه إن استخلف الخليفة السابق فذلك حسن لأنه راعى أهل الإسلام بالتكفيل من الخليفة اللاحق وإن لم يستخلف فإن إجماع المسلمين يقوم مقام الاستخلاف وهذا معنى قول عمر استخلف فإن رسول الله (ص) لم يستخلف فأبو بكر استخلفه والمراد أن الاستخلاف وعدم الاستخلاف مساو بالنسبة إلى حفظ أهل الإسلام فإنه يقول نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون انتهى وأقول كفى للإمامية موافقة ابن عمر معهم زعما لأبيه في أن ترك الاستخلاف تضيع لأمر الأمة وما ذكره الناسب لا صلاح ذلك تمحلات لا يلتفت إليها إلا كوادن أهل السنة أما ما ذكر من أن الله تعالى تكفل حفظ دينه فمسلم لكن تكفله على وجه يقتضيه عالم الأسباب ودار التكليف بشرايط وأسباب منها تعيين النبي (ص) والإمام المنصوص عنه بإعلام الله تعالى كمن يصلح للنيابة في الرياسة بعده لأنهم أعلم بحال من يصلح لذلك وأما اختيار النبي (ص) بموجب حسن الظن من غير اقتران الوحي والإعلام به من الله تعالى فقد يقع فيه ما يقع فضلا عن اختيار الأمة الذين لا اطلاع لهم على بواطن الأمور ويؤيد هذا ما في تاريخ اليافعي عن نوادر أبي العيناء اللغوي أنه شكى إلى الوزير عبيد الله بن سليمان من الحال فقال أليس كتبنا إلى فلان في أمرك قال كتبت إلى رجل قد قصر من همته طول الفقر وذل الأسر ومعاناة الدهر فأخفق بغيتي وجانب طلبتي فقال عبد لله أنت اخترته فقال وما علي أيها الوزير في ذلك وقد اختار موسى قومه سبعين رجلا فما كان فيهم رشيد واختار النبي (ص) عبد الله بن أبي سرح كاتبا فرجع إلى المشركين مرتدا واختار علي بن أبي طالب أبا موسى الأشعري حاكما فحكم عليه انتهى وأمثال ذلك كثير وأما ما ذكره من أن أمر الدين ليس كأمر الملك ليحتاج إلى حافظ الحوزة فمردود بأن أمير الأمة والخلافة ليست رياسته في أمور الدين فقط كما يشعر به كلامه بل هو رياسته في أمور الدين والدنيا نيابة عن النبي (ص) كما صرح به الشارع الجديد للتجريد وغيره وأيضا ما ذكره مناف لما في المواقف وشرحه من الاحتياج إلى الإمام في إقامة الدين وحفظ حوزة الملة وأما ما ذكره من أن النبي (ص) لم يستخلف وما ضاع أمر أمته ولا ظهر خلل وفساد في أصول الشرايع فيه بعد التسليم أن النبي (ص) لم يستخف أن أول أصل وقع فيه الخلل و الفساد هو أمر الإمامة وذلك من وجوه منها أنهم احتالوا لبعض الأغراض في إخراجه من الأصول فتارة جاهروا بالباطل وصرحوا بأنه من الفروع وتارة استحيوا بعض الحيا ومجمجوا بأنه أشبه بالفروع من الأصول وكيف لا يكون رياسة الدين والدنيا خلافة عن الرسول من الأصول ومع ما صح عن النبي (ص) من أنه قال من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية ومن البين أن الجاهل بشئ من الفروع إذا مات لا يكون موته على الكفر والجاهلية وقد أنطق الله تعالى القاضي البيضاوي بالحق فقال في بحث الأخبار من كتاب المنهاج بأن مسألة الإمامة من أعظم مسائل أصول الدين و يدل عليه أيضا ما قاله الأستروشي من الحنفية في الكتاب المشهور بينهم بالفصول من تكفير من لا يقول بإمامة أبي بكر وبالجملة لو كان هذه المسألة من الفروع لكفى فيها ظن المجتهد أو تقليد الغير فلا يكون سبيل إلى تخطية المجتهد الذي ظن بطلان خلافة أبي بكر وفضلا عن تكفيره وقتله والحال أن فتواهم بل فعلهم بخلاف ذلك كما عرفت ومنها تجويز تفضيل المفضول فيها مع ما سبق من مخالفته للعقل والنقل ومنها أنهم فوضوءه إلى اختيار الأمة بل إلى اختيار الواحد والاثنين منهم وقد عرفت ما فيه على أن الخلل المحترز عنه في الدين لا ينحصر في الأصول بل الخلل في الفروع المهمة ونظام أمور الأمة أيضا من جملة الخلل المحترز عنه في الدين وقد وقع بسب الاختلال في ذلك كله أما في الأصول فظم وأما في الفروع فلما عرفت من جهل الخلفاء الثلاثة وخبطهم في الأحكام ولما ستعرف في مباحث الفقه من فضايح الفقهاء الأربعة السالكين لسبيلهم وقد روى عن أبي ذر (رض) في حملة حديث طويل أنه خاطب الأمة وقال لهم أيتها الأمة المتحيرة بعد نبيها لو قدمتهم من قدمه الله ورسوله وأخرتم ما أخره الله ورسوله (ص) لما عال ولى الله ولا طاش سهم في سبيل الله ولا اختلفت الأمة بعد نبيها إلا كان تأويلها عند أهل بيته فذوقوا بما كسبتم وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون انتهى وأما ما ذكره من أن إجماع المسلمين يقوم مقام الاستخلاف ففيه أنه لا دليل من القرآن والسنة على أن الاجماع يقوم مقام ذلك مع أن الاجماع لم ينعقد قط على أحد من الخفاء الثلاثة كما مر بل ولا على الأربعة لتخلف معاوية ومن تابعه عن علي (ع) أيضا فتأمل قال المصنف رفع الله درجته ونقل ابن عبد ربه في كتاب العقد أن معاوية قال لابن أبي الحصين ما الذي شئت أمر المسلمين وجماعتهم وفرق ملأهم وخالف بينهم فقال قتل عثمان قال ما صنعت شيئا قال فسير على إليك قال ما صنعت شيئا قال ما عندي غير هذا يا أمير المؤمنين فقال فأنا أخبرك أنه لم يشتت بين المسلمين ولا فرق أهواءهم إلا الشورى التي جعلها عمر في ستة ثم فسر معاوية ذلك وآخر الحديث فقال لم يكن من الستة رجل إلا رجاها لنفسه ورجاها لقومه وتطلعت إلى ذلك أنفسهم ولو أن عمر استخلف كما استخلف أبو بكر ما كان في ذلك الاختلاف انتهى وقال الناصب خفضه الله أقول قد كان عمر يقول لا أحمل أمر الخلافة حيا وميتا وكان هذا من اتقاء الله تعالى وكان يخاف أن يستخلف غير الأهل فيكون وزر فعله في رقبته وأيضا جعل الشورى لم يكن موجب الفتنة لأن الأمر تقرر على عثمان وهؤلاء الذين أدعى معاوية أنهم كانوا يريدون الأمر لأنفسهم لم يخرجوا على عثمان حتى يكون وقوع الفتنة من قبلهم يل يقول إنما شتت أمر المسلمين خروج الفئة الباغية بالاجتهاد والخطأ على علي (ع) وهو كان صاحب الحق فخرجوا وتشتت الأمر انتهى وأقول لو كان عمر صادقا في هذا التصرف البارد لما بالغ أولا في تقرير الخلافة على أبي بكر حتى قال صاحب المواقف أن خلافة أبي بكر كان باختيار عمر مع أن
(٢٩٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 289 290 291 292 293 294 295 296 297 298 299 ... » »»