اتهموه بالضعف والوضع وإن كان كتبهم ومؤلفاتهم مشحونة بالنقل عنه وهكذا حال الكلبي فإن كتب القوم سيما تفاسيرهم مملؤة من رواياته وإذا رأوا أن الله تعالى نطق لسانه في بعض المواضع بحق يصير حجة لأهل الحق من الشيعة طعنوه بالكذب وإن كان ذلك بضرهم في مواضع أخر وبالجملة يبقى للإمامية ههنا اعتماد أسلاف أهل السنة على روايات الكلبي والبناء عليها في التفاسير والسير وطعن متأخريهم عليه محمول على ما لم ينبئك مثل خبير وكم من ثقة منهم مأمون عندهم قد تركوه ونسبوه إلى الوضع أو الضعف لاستدلال الخصم بروايته وكم من كتاب أنكروا نسبته إليهم أو غسلوه وأحرقوه إذا احتجت الشيعة عليهم بما فيه وذكره من أن المصنف لا يعرف اسم الكلبي وحسب أن اسمه هشام آه مردود بأن هذا الكلبي هو المفسر الذي له أسماء مختلفة ونعوت متعددة وقد ذكر السبحاوز في شرح الرسالة المنظومة للجرزي في أصول الحديث حيث قال في باب من له أسماء مختلفة ونعوت متعددة أن من أمثلته محمد بن السايب الكلبي المفسر هو أبو التصب الذي ورى عنه ابن إسحاق وهو حماد بن السايب الذي روى عنه أبو أسامة وهو أبو سعيد الذي روى عنه عطبة العوفي موهما أنه الخدري وهو أبو هشام الذي روى عنه القاسم بن الوليد انتهى فمع هذا الاختلاف الواقع عند أهل السنة جاز أن يكون عند المصنف في اسمه ونعته ما ذكره ولقد علم من كلام السخاوي أن الكلبي مفسر ثقة عندهم حيث ذكر أن جمعا كثيرا من أئمة حديثهم رووا عنه فتأمل وأما ما ذكر أن ذلك نشر للفاحشة فقد مر أن ليس مراد المصنف من ذلك نشر الفاحشة بل حشر الفساق والفواحش مع أمثالهم وتحذير الناس عن إدخالهم وحلهم في محالهم كما هو شأن علماء الرجال في ذكر كل من المقبولين والمجروحين على حيالهم وأما ما ذكره من أنه لا اعتماد على نقل صاحب المثالب إن أراد به عدم الاعتماد عليه من حيث نقله للمثالب فقد علمت أن هذا حاصل أحد البابين من كتب الرجال وإن أراد عدم الاعتماد إليه نظر إلى قدح ابن الجوزي فيه فقد مر ما فيه وإن أراد ما يدل عليه كلامه من اشتمال كل تصنيف على الغث والسمين فهو أفسد من الكل وأي دليل على تلك الكلية مع انتقاضها عنده بكتابي الصحاح الذين لا يوجد عنده فيهما معنى سوى السمين ولو سلم فمن أين علم أن النقل الذكور بخصوصه غث ضعيف ولم لا يحوز أن يكون سمينا وغيره غثا مهينا وأما ما ذكره من أنه لا ذليل ولا حجة في أخبار كتب المثالب فغير مسلم بل ما فيها من أخبار الأحاديث أيضا حجة كحجية ساير أحاد التواريخ والمغازي و السير إلا إذا علم خلافه بدليل أصح فلا يلتفت إليه وأما ما ذكره من أن كلامنا في الدلايل العقلية والشرعية فمردود بأن العلوم الشرعية قد يستمد من أخبار الناس وعاداتهم ومتعارفاتهم فمن هذه الجهة يكون شرعيا أولا نعني من الشرعي إلا المنسوب إلى الشرع ويكفي في حصول هذه النسبة اعتبار الشرع إياه ولعلم تقول أراد به أنه ليس دليلا عقليا ولا شرعيا يثبت به الزنا شرعا لأنه خبر واحد وإثبات الزنا يحتاج إلى شهود أربعة كما تقرر فنقول أن المصدر قدس سره لم يورد هذا ليثبت به الزنا حتى يكلف إحضار الشهود الأربعة على الوجه المرمى به عند القاضي بل قصد به مجرد الطعن والطعن والقدح يحصل بخبر الآحاد كما في مواقع الجرح والتعديل وكما ما ذكره من قبح نسبته الفاحشة إلى أنساب واحد أو اثنين من الصحابة فهذا إنما هو بحسب حسن ظنه بهم وإلا فهم ليسوا كما يزعم الناصب ويرى لما بينا من أنهم نكثوا عهد سيد الورى ورجعوا على أعقابهم قهقري فهم بخبث المولد أولى وأحرى وأما ما ذكره من شهادة رسول الله (ص) لهم بالجنة فأشهر الروايات عندهم في ذلك وأعمها حديث بشارة العشرة إلى الجنة وهو مردود من وجوه أما أولا فلأنه قد رواه الترمذي عن عبد الرحمن بن عوف ورواه ابن ماجة عن سعيد بن زيد كما صرح به المشكاة وكل منهما يزعم نفسه أحدا من العشرة فلا بد لدفع التهمة عنهما من دليل وأما ثانيا فلأن عثمان في زعمهم أيضا من العشرة ولو صح هذا الحديث لما أشرك في دمه طلحة والزبير وأكثر المهاجرين والأنصار كما مر وبالجملة يبعد منهم أن يستحلوا قتل أهل الجنة ويرضوا بقتلهم وأما ثالثا فلأنه لو صح لاحتج به عثمان على الصحابة وغيرهم يوم الدار ولقال أن رسول الله (ص) قال إني من أهل الجنة وأهل الجنة لا يفعلون شيئا من الظلم فيكون خروجكم علي وإلزامكم لي بخلع نفسي عن الخلافة ظلما وخلاعة وأما رابعا فلأنه يلزم أن يكون كلا من علي والخارجين عليه من طلحة وزبير في الجنة مع ما علم من الطرفين قهر خصمه وقتله وأما خامسا فلأن أمير المؤمنين كذب زبيرا في هذا الخبر لما أظهر زبير يوم الجمل أنه من العشرة المبشرة بالجنة قال له أمير المؤمنين من هؤلاء العشرة فعد زبير تسعة وهم أبو بكر وعمر وعثمان وطلحة والزبير وسعد بن وقاص وسعيد بن زيد وعبد الرحمن بن عوف وأبو عبيدة الجراح فقال له علي (ع) هذه تسعة فعد مرة ثانية ولم يتجاوز التسعة أيضا ثم أعاد علي (ع) عليه إنك ما عددت إلا تسعة فعد مرة ثالثة العشرة بكمالها وعد فيهم عليا فقال له (ع) إنك سمعت عن رسول الله (ص) إني من أهل الجنة قال زبير بلى فقال له علي (ع) أنا أشهد أني سمعت من رسول الله (ص) أنك من أهل النار وأما سادسا فلما مر في صحاح الأخبار من تردد عمر وسؤاله عن حذيفة بقوله هل ذكرني رسول الله (ص) في المنافقين فإنه لو كان هذا الحديث صحيحا لاطمئن به قلب عمر ولما احتاج إلى تفضيح نفسه بذلك السؤال وأما سابعا فلأن أبا بكر ندم حال النزع على إحراق فجاءة السلمي ولا وجه لندامة أهل الجنة عما فعلوه في الدنيا أو نقول إن كان إحراقه إياه كان على الحق فلا وجه لندامة أهل الجنة عن فعل الحق وإن كان على الباطل لزم أن يكون من أهل الجنة ولا أهلا للخلافة وأما ثامنا فلندامته أيضا على كشف بيت فاطمة (ع) كما مر والتقرير أيضا ما مر وأما تاسعا فلما روى من إظهار عمر أيضا الندامة عن الخلافة وقد مر لزوم مسه للآفة فهذه وجوه تسعة ضاحكة مستبشرة ألحقناها إلى روح تسعة من العشرة المبشرة فليقسموها بينهم على تفوت درجاتهم في الجنة ويتمنون أن يكونوا قد ماتوا في بطون أمهاتهم أجنة وليضحك أوليائهم قليلا وليبكوا كثيرا وأما ما ذكره آخر من من أن ولد الزنا لا يدخل الجنة فلا يقدح في دخول من يريد الناصب دخوله في الجنة لأنه قد صحح أنكحة الجاهلية كلها ونفى وجوب الزنا عن الدنيا فلا يدل ما ذكره المصنف إلا على ما تبراى بالقياس إلى أنكحة أهل الإسلام أنه فاحشة وزنا ولا ضير فيه على هؤلاء الصحابة في نفس الأمر فليجمع الناصب خاطره عما توجه إليه فإنه قد صحح أنساب خلفائه بما لا يزيد عليه قال
(٢٩٦)