إحقاق الحق (الأصل) - الشهيد نور الله التستري - الصفحة ٣٠٢
أبو بكر فقلت أنا ولي رسول الله (ص) وولى أبو بكر فرأيتماني كاذبا آثما غادرا خاينا والله يعلم أني لصادق بار تابع للحق فوليتها ثم جئت أنت وهذا وأنتما جمع وأمركما واحد فقلتما ادفعها إلينا فلينظر العاقل إلى هذا الحديث الذي في كتبهم الصحيحة كيف يجوز لأبي بكر أن يقول أنا ولي رسول الله (ص) وكذا لعمر مع أن رسول الله (ص) مات وقد جعلهم الله من جملة رعايا أسامة بن زيد وكيف استجاز عمر أن يعبر عن النبي (ص) بقوله للعباس يطلب ميراثك من ابن أخيك مع أن الله تعالى كان يخاطبه بصفاته مثل يا أيها الرسول يا أيها النبي يا أيها المدثر يا أيها المزمل ونادث غيره من الأنبياء بأسمائهم ولم يذكره باسمه إلا في أربعة مواطن شهد له فيها بالرسالة لضرورة تخصيصه وتعيينه بالاسم كقوله وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وما كان محمد أبا أحد من رجالكم و لكن رسول الله وخاتم النبيين برسول يأتي من بعده اسمه أحمد رسول الله والذين معوا؟ ثم أن الله تعالى قال لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا ثم عبر عمر عن ابنته (ص) مع عظم شأنها وشرف منزلتها بقوله لأمير المؤمنين (ع) ويطلب هذا ميراث امرأته ثم أنه وصف اعتقاد علي والعباس في حقه وحق أبي بكر بأنهما كاذبان آثمان غادران خائنان فإن كان اعتقاده فيهما حقا وكان قولهما صدقا لزم تطرق الذم إلى أبي بكر وعمر وأنهما لا يصلحان للخلافة وإن لم يكن كذلك لزم أن يكون قد قال عنهما بهتانا وزوران كان مصيبا لزم تطرق الذم إلى علي والعباس حيث اعتقدا في أبي بكر وعمر ما ليس فيهما فكيف استصلحوه للإمامة مع أن الله قد نزهه عن الكذب وقول الزور مع أن البخاري ومسلما ذكرا في صحيحهما أن قول عمر هذا لعلي والعباس كان بمحضر مالك ابن أوس وعثمان وعبد الرحمن بنعوف وزبير وسعد ولم يعتذر أمير المؤمنين والعباس عن هذا الاعتقاد الذي ذكره عمر ولا أحد من الحاضرين اعتذر لأبي بكر وعمر انتهى وقال الناصب خفضه الله تعالى أقول ما قول عمر فقال أبو بكر أنا ولي رسول الله (ص) فكل من نولي للخلافة فهو ولي رسول الله (ص) والمراد بالولي ههنا المتصرف في أموره بعده وهذا وصف الخليفة ولا يلزم أن يجعله رسول الله (ص) وليه كما قدمنا في معنى الخلافة وكذا قول عمر وأما جعل رسول الله لهما من عسكر أسامة لا يقتضي أن يجعلهما رعيته فمن أمره (ص) أن يذهب إلى عسكر في تحت راية لا يصير رعيته لذلك الأمير الذي هو صاحب الراية وكان أصحاب رسول الله (ص) يذهبون تحت الرايات في زمانه وبعده وذلك بأمره فكانوا رعية لرسول الله (ص) لا لصاحب الراية فإن صاحب الراية أيضا من الرعايا وهذا طعن في غاية السذاجة وأما قول عمر لعباس تطلب ميراثك من ابن أخيك فهذا على طريق محاورات العرب وهو يتضمن ذكر علة طلب الميراث فإن علة الإرث كونه ابن أخيه وليس فيه إساءة أدب قطعا ألا ترى أن عمر في صدر الحديث قال فلما توفي رسول الله (ص) فذكره بلقبه الشريف ثم ذكره في عين هذا الكلام بما يفيده علة طلب الميراث وليس فيه أصلا سوء أدب كما نقله أرباب المحاورات وعمر ما ذكره باسمه فلم يقل ثم جئت تطلب ميراث محمد حتى يرد ما يقول وتدل به من الأيات وكذا قوله لعلي وجاء هذا يطلب ميراث امرأته فهو ذكر علة الإرث والأولى ترك ذكر النساء بأسمائهن في محضر الرجال فاستعمل الأدب في ترك ذكر فاطمة لا أنه أساء الأدب ثم ما ذكره من أن اعتقاد علي والعباس فيهما إن كان حقا لزم تطرق الذم إلى أبي بكر وعمر وإن كان باطلا لزم تطرق الذم إلى علي والعباس فنقول هذا كلام أدخله هذا الكاذب في الحديث الصحيح من رواية البخاري فإن الصحيح من الرواية ما ذكره البخاري في صحيحه أن عمر بن الخطاب قال ثم توفي النبي (ص) فقال أبو بكر فإنا ولي رسول الله (ص) وأنتما فأقبل على علي والعباس تزعمان يذكران لأن أبا بكر فيها كما تقولان والله يعلم أنه فيه لصادق بار راشد تابع للحق ثم توفى الله أبا بكر فقلت أنا ولي رسول الله (ص) وأبي بكر فقبضه لسنتين من إمارتي لا عمل فيه بما عمل فيه رسول الله (ص) وأبو بكر والله يعلم أني فيه صادق بار راشد تابع للحق ثم جئتماني كلاكما الحديث هذا لفظ الحديث على ما نقله البخاري وليس فيه ما قال فرأيتماه كاذبا غادرا خائنا حتى يحتاج إلى الاعتذار ولو سلم أنه مروي فهذا كلام يفرضه الحاكم ويقوله على حسب الفرض والتقدير والزعم وأمثال هذه كثيرة في المحاورات أن الحاكم إذا حكم بما لا يرضى به الخصم يقول له تجسني ظالما ولست كذلك والمراد أن حكمي يقتضي أن يكون زعمك في هذا لأن الحكم لم يكن برضاك فهذا هو الظاهر المناسب بحالك ولم يرد حقيقة هذه النسبة ولهذا لم يعتذر علي ولا العباس ولا أحد من الحاضرين وأمثال هذه يعرفها أرباب المحاورات ولا يحملون هذا الكلام البتة على إرادة إثبات هذا الاعتقاد لهم ومن توغل في البغضاء والتعصب يحصل من كل ذرة جبلا انتهى وأقول قد دمرنا على ما قدره الناصب في معنى الخليفة سابقا وبينا أن استعمال الخليفة بالمعنى الذي ذكره خلف باطل وإنما يستعمل لغة وعرفا فيمن جعله غيره نايبا له في أموره يرشد إليه قوله تعالى إني جاعل في الأرض خليفة إني جاعلك للناس إماما هارون اخلفني في قومي واشتقاق الخليفة من مجئ واحد خلف آخر لا ينافي اعتبار الخصوصية المذكورة في تمام معناها وهذا كالكتاب فإنه مأخوذ من الكتب بمعنى الجمع لكن معناه لغة وعرفا ما يجمع نقوشا مخصوصة على وجه مخصوص على أن كلام المصنف قدس سره ليس في أن من لم يجعله الله ورسوله خليفة ليس بخليفة فإن هذا كلام يسلمه المصنف ههنا عن الخصم مما شاة معه وإنما كلامه في أن من كان بحال جعله النبي (ص) مرة ومرتين رعية وتبعا لعبد من عبيده كيف حصل له لياقة الخلافة وكيف جاز للقوم اختياره بالخلافة لولا أن غرضهم المكابرة والمعاندة مع أهل البيت (ع) وأما ما ذكره من أن جعل رسول الله (ص) أبا بكر من عسكر أسامة لا يقتضي جعله رعية آه ففيه أن الرعية من يجري عليه حكم غيره ممن فوقه و حكم صاحب العسكر جار على آحادهم ولا ينافي هذا أن يكون صاحب العسكر تابعا لمن فوقه ألا ترى أن السلطان إذا جعل البلاد اقطاعا لبعض أمرائه يقال لأهاليها أنهم رعاياه وإن صح أن يقل أيضا إنهم رعايا السلطان بالواسطة أو بواسطة أنه يمكنه التصرف فيهم بلا واسطة والعرف حاكم على ذلك وهو الفصيل ههنا فإن أبى فليرجع إليه ليعرفه سماجة إنكاره ويؤيد ذلك الحديث المشهور الذي استدل به الحنفية على أنه لا قطع في سرقة أحد الزوجين عن الآخر وهو قوله (ص) ألا كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته ثم قالوا فالأمير الذي على ناس راع ومسئول عن رعيته والرجل راع على أهل بيته وهو مسؤول عنهم والمرأة راعية على بيت بعلها وولدها وهي مسؤولة عنهم انتهى وأما قوله أن قول عمر لعباس تطلب ميراثك من ابن أخيك على طريق محاورات العرب
(٣٠٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 297 298 299 300 301 302 303 304 305 306 307 ... » »»