في سنة النبي (ص) وتكرر فعله عنه وعن أصحابه الكرام في السفر والمقام ومن جملة ذلك بيان النبي (ص) له ولعمار ذلك بأبلغ بيان كما عرفت وأما ما ذكره من أنه يمكن أن عمر قد فهم من الكتاب والسنة ما يدل على ترك الصلاة للجنب فنحن لا نمنع إمكانه منه لكن نقول إن من أمكن منه فهم مثل هذا المعنى الظاهر الفساد من الكتاب والسنة وبقاءه على ذلك الجهل المركب المورث للملام عدة من السنين والأعوام ملحق بالعوام الذين هم كالأنعام ويحرم عليه فتوى الأنام في الحلال والحرام وتقمص خلافة النبي (ص) ولو جوز مثل هذا الاجتهاد والاستنباط وجعل صاحبه معذورا لكان الاجتهاد لساير العوام مقدورا ولكان للملاحدة وأهل الجاهلية الجاحدة أن يقولوا إنا نفهم من القرآن والسنة خلاف ما أظهره النبي (ص) وقرره الصحابة الكرام ويخرج القرآن والسنة عن أن يكونا دليلا للمحقين وحجة على المبطلين ويتأمل وينصف أن فهم عمر من القرآن والسنة ترك الصلاة للجنب أقرب أو فهم الشيعة من الجبت والطاغوت المذكور فيهما ما فهموه منهما فلا يشنع عليهم بذلك وأما ما ذكره من أنه يمكن أن يعرض عمر نسيان للحكم فمردود بأن نسيان حكم ما هو في مرتبة ضروريات الدين بعد تكرره في مدة عشرين من السنين لا يتحقق إلا ممن اختل له الحواس وغلب عليه الوسواس واستولى عليه الأهواس فحقه سكناه المارستان ومعالجة نفسه بما يطفي المواد ويصلح الفساد وأما ذكر علم أمير المؤمنين فلم يقصد به المصنف أن يستدل منه على جهل عمر كما زعمه الناصب وإنما قصد به تذكير الجاهل المفتون بقوله تعالى هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون قال المصنف رفع الله درجته وروى مسلم في صحيحه بإسناده إلى سلمان بن ربيعة قال قال عمر بن الخطاب قسم رسول الله (ص) قسما فقلت والله يا رسول الله (ص) لغير هؤلاء كان أحق به منهم فقال إنهم خيروني بين أن يسئلوني بالفحش أو يبخلوني فلست بباخل وهذه معارضة لرسول الله وهو العارف بمصالح العباد ومن يستحق العطاء والمنع انتهى وقال الناصب خفضه الله تعالى أقول قد عرفت شأن عمر عند رسول الله (ص) في الأحاديث التي مرت وإنه كان له منصب ومقام بذكر أمثال هذه الأشياء عند رسول الله وهذا شأن الوزراء في المشاورات والمصالح ألا ترى جواب رسول الله (ص) يتضمن تصديق قول عمر حيث قال إنهم خيروني بين أن يسئلوني بالفحش أو يبخلوني والمراد أنه يعطيهم هذا من غير استحقاق لهم بل لتأليف قلوبهم وغيرهم أحق بالعطاء ولكن المصلحة هذا وأمثال هذا لا يعد من المطاعن انتهى وأقول قد بينا سابقا إن شأن عمر إنما كان الشين والشغب وإصدار ما جبل عليه من الغلظة وسوء الأدب وأما منصب إباحة الجرة له في مثل ذلك على رسول الله (ص) فإنما زينه له إبليس ونصبه فيه الناصب المنهمك في أعمال التمويه والتلبيس وأما توجيه ما صدر عن عمر من نسبته للنبي (ص) إلى ارتكاب خلاف الأولى والأحق بما موه به الناصب فإن كان متوجها مسموعا فلقد سلم ذو الخويصرة الخارجي عن استحقاق الذم والعقاب وخطابه للنبي (ص) عند قسمة أخرى بقوله اعدل فإنك لا تعدل ولكان غضب النبي (ص) عليه لذلك الخطاب خروجا عن الصواب عند النصاب قال المصنف رفع الله درجته وروى الحميدي في الجمع بين الصحيحين أن عمر لم يدر ما يحد شارب الخمر ورووا أنه غير سنة نبيه فيه انتهى وقال الناصب خفضه الله تعالى أقول ذكر العلماء أن حد الشارب للخمر لم يتعين في زمن رسول الله (ص) وكانوا إذا أتوا بشارب الخمر يضربونه بالنعال والجريد وأطراف الثوب ثم بعد وفاة رسول الله (ص) جمع أبو بكر من حضر ضرب شارب الخمر وقاسوه بأربعين جلدة فعينوا له ذلك وهذا كان بالاجتهاد فلا عجب أن عمل عمر فيه بالاجتهاد لأنه محل الاجتهاد انتهى وأقول ما ذكره من عدم تعيين حد الشارب في زمن رسول الله (ص) مردود بما رواه ابن حزم عن البخاري بإسناده على عمر بن الخطاب أنه قال إن رجلا على عهد رسول الله (ص) كان اسمه عبد الله وكان يلقب حمارا وكان رسول الله (ص) قد جلده في الشرب فأتي به يوما فجلد فقال رجل من القوم اللهم العنه ما أكثر ما يؤتى به فقال النبي (ص) وتلك سنته الحديث وروى بإسناده إلى أبي هريرة عن رسول الله (ص) اه قال من شرب الخمر فاجلدوه ثم إذا شرب في الرابعة ذكر كلمة معناها فاقتلوه الحديث وروى في معناه حديث آخر بإسناده إلى معاوية وحكم بصحتها أيضا فهل يبقى بعد ذلك مجال أن يعتذر عن جانب عمر مع حضوره لحد النبي (ص) شارب الخمر بالجلد ورواية ذلك بأنه لم يعين حد الشرب في زمن رسول الله (ص) فكان يزيد عمر أن يعين ذلك باجتهاده ثم كيف يعقل أن يقول النبي (ص) في عدة من الأحاديث اجلدوه فاجلدوه ثم اجلدوه ومع هذا لا يسئله أحد من الصحابة عن كمية الجلد وتعين الحد فظهر أن هذا العذر وأمثاله مما اخترعه الناصب وأصحابه صيانة لماء وجه عمر ودفعا للطعن عنه وإصلاحا لمآثر جهله ولن يصلح العطار ما أفسد الدهر قال المصنف رفع الله درجته وفيه إنه سأل أبا أوفى ما كان يقر رسول الله (ص) في صلاة العيد وسأل الواقدي الليثي ما كان يقر رسول الله (ص) في الأضحى والفطر وهذا من قلة معرفته بأظهر الأشياء التي هي الصلاة الجهرية انتهى وقال الناصب خفضه الله أقول قد كان عمر سأل هذا عن ابن أبي أوفى ليرى أنه يوافقه فيما قر رسول الله (ص) ويمكن أن يكون ناسيا له فأراد أن يذكره ولا شك أن عمر حضر في الأعياد عند رسول الله (ص) في الصلاة والإنسان قد يعرضه النسيان أو يريد زيادة التحقيق وأمثال هذا لا يعد من المطاعن انتهى وأقول إرائة عمر ظهور موافقة ابن أبي أوفى معه في ذلك لا أقل من أن يدل على شكه وتردده فيه ولهذا لم يقل المصنف أنه يدل على جهله بل قال يدل على قلة معرفته فإن من لا يزاول ولا يحاول معرفة الأمور يصدر مثل هذا السؤال المذموم المدحور و أما ما اعتذر به من أنه يمكن أن يكون ناسيا له ففيه أن غاية ما يجوز عن الرجل الذي أقام نفسه مقام الخلافة عن النبي (ص) نسيانه بعض آيات السور الطويلة المقررة في مثل هاتين الصلاتين والواجبتين لا نسيان أسامي السور المقروة فيهما نعم يسمع ذلك من عبدة عزى وهبل أو ممن نشأ في أرض فلاة أو على شاهق من الجبل قال المصنف رفع الله درجته وفي الجمع بين الصحيحين أن أبا موسى استأذن على عمر بن الخطاب ثلاثا فلم يأذن له فانصرف فقال عمر ما حملك على ما صنعت قال كنا نؤمر بهذا قال لتقيمن على هذا بينة أو لأفعلن بك فشهد له أبو سعيد الخدري بذلك عن النبي (ص) فقال عمر خفي علي هذا من أمر رسول الله (ص) الهاني عنه الصفق في الأسواق وهذا أمر ظاهر قد خفي عنه فكيف الخفي انتهى وقال الناصب خفضه الله أقول إن
(٢٩٢)