أن هذا الرجل ما يدعي أيدعي أن رسول الله (ص) لم يكن يشاور أبا بكر ولا عمر في الأمور فهذا أمر باطل ودعوى كاذبة مخالفة للمتواتر المعلوم لأن أبا بكر وعمر كانا وزيري رسول الله (ص) ولم يصدر رسول الله (ص) عن أمر إلا برأيهما ومن خالف هذا فهو كابر للمعلوم بالتواتر ولما هو جار مجرى الضروريات من الدين وما ذكر من أبي هاشم في جواز مخالفة رسول الله (ص) فهذا مذهب لم يقل به أهل السنة والجماعة والمذهب إنه لم يجز مخالفة رسول الله (ص) في حال حياته ولا بعد موته نعم يجوز أن يقال له فيما لا يكون بطريق الوحي افعل كذا ولا تفعل كذا على سبيل المشاورة لأن الله تعالى قال وشاورهم في الأمر والمشاورة لأجل أن يقال افعل ولا تفعل وإلا فما فايدة المشاورة كما كان يفعل عمر فإن وافق ذلك القول رأي النبي (ص) فذاك وإلا يجب الرجوع إلى أمره وموافقته وطاعته فيما أمر ونهى انتهى وأقول قد زاد الناصب خفضه الله ونقض في تقرير الواقعة ترويجا لغرضه الفاسد وتزيينا لمتاعه الكاسد فلنذكر تقريرها على وجه ذكر في تفسير النيشابوري من أهل السنة وعلى وجه نقلها علماء الإمامية حتى يتبين سريرة الحال وجلية المقال فنقول قال النيشابوري إن قريش أقبلت من الشام فيها تجارة عظيمة ومعهم أربعون راكبا منهم أبو سفيان وعمرو بن العاص وعمر بن هشام فأخبر جبرئيل (ع) رسول الله (ص) فأخبر المسلمين فأعجبهم تلقي العير لكثرة الخير وقلة القوم فلما خرجوا بلغ أهل مكة خبر خروجهم فنادى أبو جهل فوق الكعبة يا أهل مكة النجأ النجأ كل صعب وذلول عيركم أموالكم إن أصابها محمد لن تفلحوا أبدا بعده وقد رأت أخت العباس بن عبد المطلب رؤيا فقالت لأخيها إني رأيت عجبا رأيت كان ملكا نزل من السماء فأخذ صخرة من الجبل فرمى بها فلم يبق بيت من بيوت مكة إلا أصابها حجر من تلك الصخرة فحدث بها عباس فقال أبو جهل ما يرضى رجالكم أن ينبئوا حتى تنبأ نسائهم فخرج أبو جهل بجميع أهل مكة وهم النفير على ما قيل في المثل الساير لا في العير ولا في النفير فقيل له إن العير أخذت طريق الساحل ونجت فارجع بالناس إلى مكة فقال لا والله لا يكون ذلك أبدا حتى ننحر الجزور ونشرب الخمر ونقيم القنيات والمعازف ببدر فيتسامع جميع العرب بمخرجنا وأن محمدا لم يصب العير فمضى بهم إلى بدر ونزل جبرئيل (ع) وقال يا محمد إن الله وعدكم إحدى الطائفتين أما العير وأما قريش واستشار النبي (ص) أصحابه وقال ما تقولون إن القوم قد خرجوا من مكة على كل صعب وذلول فالعير أحب إليكم أم النفير قالوا فالعير أحب إلينا من لقاء العدو فتغير وجه رسول الله (ص) ثم رد عليهم فقال إن العير قد مضت على ساحل البحر وهذا أبو جهل قد أقبل فقالوا يا رسول الله عليك بالعير ودع العدو فقام عند غضب رسول الله (ص) أبو بكر وعمر واحسنا إلى الكلام ثم قام سعد بن عبادة فقال أنظر إلى أمرك وامض فوالله لو سرت إلى عدن ما تخلف عنك رجل من الأنصار ثم قال المقداد بن عمرو يا رسول الله (ص) امض لما أمرك الله فإنا معك حيث ما أحببت لا نقول لك كما قال بنو إسرائيل لموسى اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا فإنا معكما مقاتلون ما دامت عين منا تطرف فضحك رسول الله (ص) قال لتشيروا علي أيها الناس وهو يريد الأنصار لأنهم قالوا له حين بايعوه على العقبة إنا برأ من زمامك حتى تصل إلى ديارنا فإذا وصلت فأنت في زمامنا نمنعك مما نمنع منه أبنائنا ونسائنا فكان النبي (ص) يتخوف أن يكون الأنصار لا يرى عليهم نصرته إلا على عدو دهمه بالمدينة فقام سعد بن معاذ فقال كأنك تريدنا يا رسول الله (ص) قال أجل قال قد آمنا بك وصدقناك وشهدنا أن ما جئت به هو الحق وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة فامض يا رسول الله (ص) بما أمرت فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ما تخلف منا رجل واحد وما يكره أن يلقى عدونا إنا نصبر عند الحرب صبر عند اللقاء ولعل الله يريك بنا ما تقر به عينك فسر بنا على بركة الله فعرج رسول الله (ص) وبسطه قوله ثم قال سيروا على بركة الله فأبشروا فإن الله قد وعدني إحدى الطائفتين والله كأني أنظر إلى مصارع القوم انتهى وقال بعض فضلاء الإمامية في تفسيره لآيات الأحكام روى أن كرز بن الجابر الفهري غار على سرح المدينة حتى بلغ الصفراء فركب النبي (ص) وتبعه فسبق منه ورجع النبي (ص) إلى المدينة وأقام بها سنة وأقبل أبو سفيان من الشام في عير من قريش فيها لطيمة يصحبه أربعون راكبا من أشراف قريش منهم العمران بن العاص وابن هشام فأخبر جبرئيل (ع) النبي (ص) بذلك فخرج (ص) مع جمع من المهاجرين والأنصار وأخبرهم بكثرة المال وقلة العدو فلما سمع أبو سفيان ذلك استأجر صمصم بن عمرو فبعثه إلى مكة وصحبه الشيطان في أثناء طريقه في صورة سراقة بن جعثم فأتيا مكة وقال لهم الشيطان إن محمدا قد عرض لعيركم ولا غالب اليوم لكم من الناس وإني جار لكم فغضب أهل مكة وانتدبوا وتبادروا وآلوا على أنفسهم أن لا يستخلف على النفير أحد إلا هدمنا داره واستحييناه فخرج أبو جهل بجميع مكة وهم النفير فأخبر أن العير قد أخذت طريق الساحل فقيل له إن العير قد نجت فارجع الناس فقال لا والله لا كان ذلك حتى ننحر الجزور ونشرب الخمور ونقيم المعازف والقينات ببدر فيتسامع العرب بمخرجنا وأن محمدا لم يصب العير وإنا قد أغصصناه فمضى بهم إلى بدر وسبقت العير رسول الله (ص) فنزل جبرئيل (ع) وقال إن الله وعدكم إحدى الطائفتين فاستشار النبي (ص) أصحابه فاختاروا العير فتغير وجه رسول الله (ص) لذلك ثم رد عليهم فاختاروا ما اختاروه أولا فازداد غضب رسول الله (ص) فقام سعد بن عبادة فقال أنظر أمرك وامض لشأنك فوالله لو سرت بنا على عدن ما تخلف عنك رجل منا عصابة الأنصار وفي رواية لو استعرضت بنا هذا البحر لخضناه معك وما تخلف منا رجل واحد ولعل الله يريك منا ما تقر به عينك فسر بنا على بركة الله ثم قال المقداد بن عمرو والله لو أمرتنا أن نخوض جمر الغضا وشوك مدوس الهراس لخضنا معك ولا نقول كما قال بنو إسرائيل اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون بل بقول امض لما أمرك ربك فإنا معك مقاتلون ما دامت منا عين تطرف فذهب غيظ رسول الله (ص) فطرب وسر بذلك فقال سيروا على بركة الله وأبشروا بذلك فإن الله وعدني إحدى الطائفتين والله لكأني أنظر إلى مصارع القوم انتهى ولقد ظهر بذلك أن النبي (ص) كما طلب الموافقة من الأنصار طلبها من المهاجرين وأنه لابر في السر الذي ذكره الناصب في وجه إعراض النبي (ص) عن أبي بكر وعمر عند الاستشارة فإن الروايتان صريحتان في أنه (ص) استشار أولا عن جميع أصحابه
(٢٨٦)