إحقاق الحق (الأصل) - الشهيد نور الله التستري - الصفحة ٢٨٩
فكان عمر أن يختار القرآن والأفراد وينهى عن المتعة لمصلحة رآها وهذا لا ينافي كونه جايزا فإن المباح قد يصير منهيا عنه لتضمنه أمرا مكروها وللإمام النهي عنه وأيضا يحتمل أن عمر سمع من رسول الله (ص) شيئا في المتعة بما سمع هو بنفسه لأن الدليل عنده يقيني وأمثال هذا لا يعد من الكباير كما عده هذا الرجل واسأ الأدب انتهى وأقول قد مر أنه اضطرب كلام الجمهور ورواياتهم في نسخ متعة النساء وإن الأصل عدم النسخ سيما تكرره كما نقل عن الشافعي سابقا و قد بينا ذلك سابقا بما لا نزيد عليه فليراجعه وأما ما ذكره من أن الأكثرين تابعوا رأي عمر ففيه أن هذه التابعية إنما كان على حد تابعيتهم له في بدع التراويح والأذان والطلاق والعول وغيرها طمعا في جاهه أو لأجل إنه كان فظا غليظا مهيبا فهابوه وسكتوا عن مخالفته في القول كما روى عن ابن عباس في العول وأما ما ذكره من أن من اعترض من الصحابة على عمر فإنه لم يبلغه أن الأمر تقرر على الحرمة فمردود بأنه لا يمكن عادة أن يخفي مثل هذا الأمر الذي يعم بها البلوى على جماعة من أكابر الصحابة في برهة من زمان النبي (ص) وسنين من زمن ولاية أبي بكر وعمر ولو كان منع عمر عن ذلك لأجل أنه بلغ إليه إن أمر النبي (ص) تقرر على الحرمة لما أتى في النهي عن ذلك بعبارة صريحة في أنه هو الناهي والمعاقب بل قل نهى عنهما النبي (ص) في آخر عهده أو نحو ذلك مما يدل على أن الناهي هو النبي (ص) مع أن هذه الأسلوب أقوى في المنع والزجر كما لا يخفى فظهر أن الذنب العظيم قد وقع في ذلك عن عمر وأن ما ذكره الناصب في توجيه ذلك عذرا أشد من الذنب وأما ما ذكره في الاعتذار عن منع عمر لمتعة الحج من أن للإمام المجتهد أن يختار طريقا من الطرق المتعددة التي جوزها الشريعة إلى آخرها فعلى تقدير تسليم إمامته واجتهاده مع وفور جهله إنما يسلم له أن يختار طريقة من الطرق المتعددة في الشريعة لأجل العمل والفتوى بأنه أحب وأفضل وأما المنع والنهي عن بعض تلك الطرق الثابت في الشريعة فحا شا وكلا أن يكون له ذلك وكيف يسمح ذو عقل ودين بأن يجوز في دين الله تعالى تشريع مثل ذلك وأن يصير المجتهد محرما محللا من دون الله تعالى ومن دون نص عنه تعالى وعن نبيه (ص) فيه وأما ما ذكره من أن المباح قد يصير منهيا عنه فمسلم لكن بنص من الله ورسوله لا بمجرد رأي المجتهد واستحسان عقله وهوى نفسه وأما ما ذكره من احتمال أن عمر سمع عن رسول الله (ص) شيئا في المتعة إن أراد احتمال أنه سمع حل المتعة فمسلم لكن أنكره عمر وإن أراد احتمال حرمتها فهو مناف لنسبة التحريم إلى نفسه دون النبي (ص) كما عرفت فلا سبيل إلى هذا الاحتمال العليل ويوم التأويل ليل الليل كما قيل والله الهادي إلى سواء السبيل قال المصنف رفع الله درجته وروى مسلم في صحيحه بإسناده إلى أبي مسلم الأشعري قال ودخل عمر بن الخطاب على حفصة وأسماء عندها فقال حين رأى أسماء من هذه قالت أسماء بنت عميس قال عمر الحبشية هذه البحرية قال أسماء نعم فقال عمر سبقناكم بالهجرة نحن أحق برسول الله (ص) فغضبت وقال كذبت يا عمر كلا والله كنتم مع رسول الله (ص) يطعم جايعكم ويعط جاهلكم وكنا في دار وأرض البعداء البغضاء في الحبشة وذلك في الله وفي رسوله وأيم الله لا أطعم طعاما ولا أشرب شرابا حتى أذكر ما قلت لرسول الله (ص) ونحن كنا نؤذى ونخاف وسأذكر ذلك لرسول الله (ص) وأسئله فوالله ما أكذب ولا أرفع ولا أزيد على ذلك قلت فلما جاء رسول الله (ص) قالت يا نبي الله إن عمر قال كذا وكذا فقال رسول الله (ص) ليس بأحق لي منكم هو له ولأصحابه هجرة واحدة ولكم أنتم أهل السفينة هجرتان وهذا نص من النبي (ص) في تخطيته وتفضيل هجرة المرة على هجرته وإنها أحق برسول الله (ص) منه وليس لهذه المرة الخلافة فلا يكون له انتهى وقال الناصب خفضه الله تعالى أقول هذا الفصل أيضا ذكر فيه أمور عجيبة تدل على عدم فهمه معاني الأخبار فإن المراد بقول النبي (ص) ليس بأحق لي منكم تفضيل أهل الهجرتين على أهل الهجرة الواحدة لا تفضيل أسماء على عمر كما لا يخفى على كل من له أدنى معرفة ثم الاستدلال بأن المرة كانت أحق برسول الله (ص) ولم يكن لها الخلافة فلا تكون له من المضاحك فإن الأحقية بمعنى الأكثرية للسعي لأجل رسول الله (ص) بالهجرتين أي نسبته لها بالخلافة انتهى وأقول إثبات الأحقية ونفيها قد وقع في هذا الحديث على وجه العموم والتخصيص خلاف الأصل والأحقية بالنبي (ص) من ثمرات تفضيل أهل الهجرتين لا نفس تفضيل الهجرتين كما هجر به الناصب تبعا لإمامه فيلزم منه تفضيل أسماء على عمر وأحقيته برسول الله (ص) عنه لزوما لا سترة به كما ادعاه المصنف وكذا الكلام في قوله إن الأحقية بمعنى الأكثرية للسعي لأجل رسول الله (ص) إلى آخره فإن الأحقية المذكورة في الحديث من ثمرات أكثرية السعي ونتايجه لا إنه نفسه وبمعناه كما موه به الناصب وكل ذلك ظاهر لا يخفى وقال المصنف رفع الله درجته وروى ابن عبد ربه في كتاب العقد في حديث استعمال عمر بن الخطاب لعمرو بن العاص في بعض ولايته فقال عمرو بن العاص قبح الله زمانا عمل فيه عمر وبن العاص لعمر بن الخطاب والله إني أعرف الخطاب يحمل على رأسه حزمة من حطب وعلى ابنه مثلها وما ثمنها إلا تمرة لا تبلغ مضغته وهذا يدل على انحطاط مرتبته ومنزلة أبيه عند عمرو بن العاص فكيف استجازوا ترك بني هاشم وهم ملوك الجاهلية والإسلام انتهى وقال الناصب خفضه الله أقول قد علم الناس أن عمر كان من إشراف قريش من أولاد عدي بن لوي وكان أمه مخزومية من صناديد قريش ولو طعن عليه عمرو بن العاص كان كطعنه على علي بن أبي طالب (ع) فلا يبعد منه الطعن على الخلفاء ثم إن العرب كانوا يعتادون ذكر مثالبهم فيما بينهم وليس فيه حجة على دناءة عمر وإن فرضنا صحته فهي من الدلايل على أنه أخذ الخلافة من جهة استحقاق الإسلام وفضيلته فيه لا من جهة النسب والحسب وهذا هو المدعى انتهى وأقول لو كفى في شرف الرجل على الاطلاق انتهاء نسبه إلى شريف في بعيد من المراتب لكان كل واحد من الآحاد الناس في زماننا سيما اذلا؟ اليهود المنتمين إلى بني إسرائيل من الأشراف وإنما شرف كل أهل بيت باستمرار عفتهم وغنائهم عن ارتكاب ردي الاكتساب ولا شرف للخياط والحطاب ولو كان ابن الخطاب وأما ما ذكره من أن أمه كانت مخزومية ففيه كلام لابن شهرآشوب ذكرناه في المجلس الحادي عشر من كتاب مجالس المؤمنين وأما ما ذكره من أن طعن عمرو بن العاص على عمر كطعنه على علي بن أبي طالب (ع) فكذب وافتراء لأن عمرو بن العاص مع عصيانه لعلي (ع) وموافقته لمعاوية في لعن علي (ع) لم يكن يطعن على حسب علي (ع) وجلالة قدره بل مدحه بأشعار مشهورة من جهتنا قوله هو البناء العظيم وفلك نوح وباب الله وانقطع الخطاب وأما قوله وإن فرضنا صحته فهي من الدلايل على أنه أخذ الخلافة من جهة الإسلام لا من جهة النسب والحسب ففيه أنه إنما يدل على ذلك لو اندفع ما مر من القول بأن قريشا أجمعوا في أخذ الخلافة له رغما لعلي (ع) كما أجمعوا أولا على
(٢٨٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 284 285 286 287 288 289 290 291 292 293 294 ... » »»