بقوله حسبنا كتاب الله لظهور أن معناه أن كتاب الله يكفي بعد موت النبي (ص) بل قوله حسبنا كتاب الله ينافي إظهاره ههنا الاحتياج إلى النبي (ص) لتدبير الأمة كما لا يخفى وما ما أتى به الناصب ههنا من عد جهالة عمر في ذلك من باب تجاهل العارف فهو أما من تجاهل العارف أو من جهله بتجاهل العارف إذ المعروف في مقام تجاهل العارف الاقتصار على مجرد إظهار الجهل بالمعلوم ولا تهديد العالم القايل بذلك المعلوم بالقتل وقطع الأيدي والأرجل والعزم على تقرير ذلك فيهم كما فعله عمر ولهذا ترى من تكلم في أسلوب هذا الباب وأنشد قوله شعر أيا شجر الخابور مالك مورقا كأنك لم تجزع على ابن طريف وأقول إنه تجاهل مع علمه بأن الشجر لم يجزع على ابن طريف ولم يأخذ فاسا أو منشارا يقطع به ذلك الشجر بتلك الجناية وأما ما ذكره من أن الاعتذار عن الخطأ صواب فصواب لكن الكلام في أن صدور مثل هذا الجهل والخطأ عمن زعم نفسه لايقا بخلافة النبي (ص) ليس بصواب قال المصنف رفع الله درجته وفي الجمع بين الصحيحين في مسند أبي هريرة قال كان رسول الله (ص) يرغب في قيام رمضان من غير أن يأمرهم فيه بعزيمة فيقول من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه فتوفي رسول الله (ص) والأمر على ذلك ثم كان الأمر على ذلك في خلافة أبي بكر وصدرا من خلافة عمر ثم روى الحميدي في الجمع بين الصحيحين عن أبي هريرة من المتفق على صحته عن عبد الرحمن عبد الباري قال خرجت مع عمر ليلا في رمضان إلى المسجد فإذا الناس أوزاع متفرقون يصلي الرجل لنفسه ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط فقال عمر لو جمعت هؤلاء على رأي واحد لكان أمثل ثم عزم فجمعهم على أبي بن كعب قال ثم خرجت معه ليلة أخرى والناس يصلون بصلاة قاريهم فقال عمر بدعة ونعمت البدعة والتي ينامون عنها أفضل من التي يقومون يريد آخر الليل وكان الناس يقومون أوله فلينظر العاقل وينتصف هل يحل لأحد أن يبتدع بدعة ويستحسنها وقد روى الحميدي في الجمع بين الصحيحين في مسند جابر بن عبد الله قال قال النبي (ص) كل بدعة ضلالة ويقول عمر إنها بدعة ونعمت البدعة ويأمر بها ويحث عليها وكيف استجاز لنفسه أن يأمر بما لم يأمر الله تعالى ولا نبيه أتراه أعلم منهما بمصالح العباد معاذ الله تعالى أو أن النبي (ص) كتمه نعوذ بالله منه أو أن المسلمين في زمان النبي (ص) وأبي بكر أهملوا وقد قال النبي (ص) من أحدث في ديننا ما ليس فيه فهو رد رواه الحميدي في الجمع بين الصحيحين في مسند أنس بن مالك قال كان رسول الله (ص) يصلي في رمضان فجئت فقمت إلى جنبه وجاء رجل آخر فقام أيضا حتى كنا رهطا فلما أحس النبي (ص) بنا خلفه جعل يتجوز في الصلاة ثم دخل رجل فصلى صلاة لا يصليها عندنا قال فقلنا له حين أصبحنا أفطنت لنا الليلة فقال نعم وذلك الذي حملني على الذي صنعت فإذا كان النبي (ص) امتنع أن يكون إماما في نافلة رمضان ومنع من الاجتماع فيها كيف جاز لعمر أن يخالفه ومع هذا يشهد على نفسه أنه بدعة قد ابتدعه ومع ذلك يستمر أكثر المسلمين عليه ويهملون ما فعله النبي (ص) وأبو بكر انتهى وقال الناصب خفضه الله أقول قد سبق هذه المباحثة وذكرنا من روايات الصحيح أن رسول الله (ص) صرح بأنه يخشى أن يفترض عليهم الجماعة في قيام رمضان فلا يطيقونه ولهذا ترك الجماعة وكان أولا يصلي بالجماعة ولما كان في زمن عمر ارتفع ذلك المحذور لانقطاع الوحي فجمع عمر في القيام وجمع الناس لئلا يفوت عنهم فضيلة القيام ووقع الاجماع على الجماعة وأيضا ذكرنا أن البدعة لفظ مشترك وقد يقال ويراد به ما يخالف أصول الشرع ومنه البدعة فضلالة وقد يقال ويراد به ما ابتدع في الشرع ويكون موافقا للأصول الصحيحة الدينية وبهذا المعنى قد يكون منذرا وقد يكون مباحا وما ذكر عمر أنها بدعة ونعمت البدعة فبهذا المعنى انتهى وأقول قد بينا سابقا أن روايات صحيحهم لا تدل على ما فهمه الناصب وأسلافه منها من أن النبي (ص) صلى التراويح جماعة وذكرنا أنه لو كفى انتفاء مخافة افتراض صلاة نافلة صلوها جماعة أحيانا لجاز في كل صلاة نافلة لانتفاء الخوف بعد انقطاع الوحي عن وجوب ساير النوافل وعن وجوب الاجتماع فيها وإن كان الخوف عن الايجاب حاصلا في المقامين بناء على ما سيجئ عن قريب في مسألة المتعة من أصل الناصب وهو ما حاصله أن لعمر أن يجتهد فيأمر وينهى لمصلحة رآها ولو كان مخالفا لنص القرآن والسنة فتذكر ما مر وانتظر ما سيجئ ثم ذكره ههنا من أن عمر جمعهم لئلا يفوت فضيلة القيام أول البحث وعين النزاع فإن كون فضيلة القيام في الجماعة موقوف على إثبات كون الجماعة مشروعة فيه وهل النزاع إلا فيه قال المصنف رفع الله درجته وروى الحميدي في الجمع بين الصحيحين عن أم سلمة وجابر قالا كنا في جيش فأتانا رسول الله (ص) قال إنه قد أذن لكم أن تستمتعوا فاستمتعنا يعني متعة النساء وفيه في مسند عبد الله بن مسعود قال كنا نغزو مع رسول الله (ص) ليس معنا النساء فقلنا ألا نستمني فنهانا عن ذلك ثم رخص لنا أن ننكح المرة بالثوب إلى أجل ثم قر عبد الله يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم وروى الحميدي في الجمع بين الصحيحين في مسند أبي موسى الأشعري عن إبراهيم بن أبي موسى أن أباه كان يفتي بالمتعة فقال له رويدك تنقص منا فإنك لا تدري ما أحدث أمير المؤمنين في النسك فلقيه بعد ذلك فسأله فقال عمر قد علمت أن النبي (ص) فعله وأصحابه ولكن كرهت أن يصلوا معرسين بين الأراك ثم يتزوجوا في الحج يقطر رؤوسهم وفي الجمع بين الصحيحين للحميدي في مسند عمر بن الحصين في متعة الحج وقد تقدم لعمران بن الحصين حديث في متعة النساء أيضا قال أنزلت آية المتعة في كتاب الله تعالى وفعلناها مع رسول الله (ص) ولم ينزل قران بحرمتها ولم ينه عنها حتى مات وقال رجل برأيه ما شاء قال البخاري ومسلم في صحيحيهما إنه عمر وهذا تصريح بأن عمر قد غير شرع الله تعالى وشريعة نبيه في المتعتين وعمل فيهما برأيه وقال الله تعالى فكرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم فإن كانت هذه الروايات صحيحة عندهم فقد ارتكب عمر كبيرة وإن كانت كاذبة فكيف يصححونها ويجعلونها من الصحاح انتهى وقال الناصب خفضه الله أقول قد سبق إن متعة النساء كانت على عهد رسول الله (ص) ثم أبيحت واختلف في أنه تقرر الأمر على الحرمة أو الإباحة والنص يقتضي الحرمة كما ذكرنا وأكثر العلماء على الحرمة وبعض الصحابة كانوا يقولون بالإباحة ولكن الأكثرون تابعوا رأي عمر وإليه ذهب الأئمة الأربعة وساير أصحاب الحديث ومن اعترض من الصحابي على عمر فإنه لم يبلغه أن الأمر تقرر على الحرمة فأي ذنب يتصور فيه لعمر حتى يقول إنه فعل كبيرة نعوذ بالله من هذا الاعتقاد ثم ما ذكر في متعة الحج فقد ذكر نهي عمر عن وإنه نهى عن المتعة لأن للإمام المجتهد أن يختار طريقا من الطرق المتعددة التي جوزها الشريعة والحج ينعقد بثلاثة طرق بالأفراد والقرآن والتمتع
(٢٨٨)