إحقاق الحق (الأصل) - الشهيد نور الله التستري - الصفحة ٣٠٠
لرسول الله (ص) ولا يمكن أن يدعي فيه بأنه سمع من رسول الله (ص) كل الأحكام بل كثير من الأحكام كان يسأل عن غيره وأما ما ذكر من حديث ابن مردويه من كلام فاطمة فلم يصح في الصحاح انتهى وأقول ما ذكره ههنا كما أتى به قبيل ذلك كلها تمحلات وتمويهات ظاهرة قد عدل فيها عن جانب المصنف الواضح إلى ناحية أخرى تأنفا عن قبول الالزام وذلك لما ذكرنا أن الكلام في حكم ميراث النبي (ص) وكان ذلك متعلقا بورثته وهم محتاجون إلى معرفته وإذا جهلوا الأحكام الضرورية المتعلقة بهم المختصة بشأنهم مع علم أجنبي عنهم به لزم جهلهم بغيره من الأحكام بطريق أولى ولم يدع المصنف ههنا أنه يجيب علم ورثته من أهل البيت (ع) بكل أحاديث النبي (ص) وأحكامه حتى يتوجه ما ذكره الناصب مع أن الحق المطابق للواقع هو أنهم (ع) عالمون بجميع أحكام الشريعة مطالعون للوح المحفوظ كما اعترف به ابن حجر العسقلاني في شرح صحيح البخاري وقال السيد الشريف الجرجاني في شرح اللااقف أن الجفر والجامعة كتابان لعلي (ع) ذكر فيهما على طريقة علم الحروف الحوادث التي تحدث إلى انقراض العالم وكانت الأئمة المعروفون من أولاده يعرفونهما ويحكمون بهما وفي كتاب قبول العهد الذي كتبه علي بن موسى الرضا (ع) إلى المأمون أنك قد عرفت من حقوقنا ما لم يعرفه آبائك فقبلت منك عهدك إلا أن الجفر والجامعة يدلان على أنه لا يتم انتهى وروى ثقة الإسلام الطبرسي في كتاب الاحتجاج عن الصادق (ع) أنه قال علمنا غابر ومزبور ونكث لي القلوب ونقر في الأسماع وأن عندنا الجفر الأحمر والجفر الأبيض ومصحف فاطمة ففيه ما يكون من حادث وعندنا الجامعة فيها جميع ما يحتاج الناس فسئل عن تفسير هذا الكلام فقال (ع) إما الغابر فالعلم بما يكون وأما المزبور فالعلم بما كان وأما النكث في القلوب فهو الالهام وأما النقر في الأسماع فحديث الملائكة نسمع كلامهم ولا نرى أشخاصهم وأما الجفر الأحمر فوعاء فيه سلاح الرسول لن يخرج حتى يقوم قائمنا أهل البيت وأما الجفر الأبيض فوعاء فيه توراة موسى وإنجيل عيسى وزبور داود وكتب الله الأولى وأما مصحف فاطمة (ع) ففيه ما يكون من حادث وأسماء من يملك إلى أن يقوم الساعة وأما الجامعة فهو كتاب طوله سبعون ذراعا أملا رسول الله (ص) وخط علي بن أبي طالب فيه والله جميع ما يحتاج الناس إليه إلى يوم القيمة حتى أن فيه ادش الخدش ونصف الجلدة انتهى وأما ما ذكره من أن حديث ابن مردويه لم يصح في الصحاح فمردود بما مر من أن الصحيح لا ينحصر فيما صحح في كتب الصحاح المشهورة كيف وقد ذكرنا سابقا إن ابن الصلاح قال في مقدمته لإصلاح الحديث أن جملة ما في كتاب الصحيح للبخاري بإسقاط المكررة أربعة آلاف حديث مع أنه روى عنه أنه كان يقول احفظ مائة ألف حديث صحيح ومائتي ألف حديث غير صحيح وكذا صحيح مسلم مع تداخل أكثر ما فيهما فكفى للمصنف سندا بابن مردويه فإنه من أعاظم حفاظ أهل السنة وممن أثنوا عليه وأشاروا ببنان التعظيم إليه قال المصنف رفع الله درجته ومنها أنه يلزم عدم شفقة النبي (ص) على أهله وأقاربه وخواصه فلا يعلمهم أنه لا يستحقون ميزانه ويعرف أبا بكر وحده من الأباعد حتى يطلبوا ما لا يستحقون ويظلمون حقوق جميع المسلمين مع أنه عظيم الشفقة على الأباعد حتى قال الله في حقه فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا ولا تذهب نفسك عليهم حسرات انتهى وقال الناصب خفضه الله أقول أحكام الشرع يعلم من كتاب الله وسنة نبيه وإجماع المسلمين والقياس الجلي فهذه الأصول الأربعة يعطى الأحكام والسنة يعلم من روايات الصحابة ولا كل من الصحابة يروون جميع الأحكام بل كل طايفة من الأحكام رواها بعض الأصحاب والشفقة والرحمة يقتضي تمهيد أحكام الشرع كما مهد رسول الله (ص) لأمته ولا فرق في الشفقة بتبليغ الأحكام بالنسبة إلى رسول الله (ص) بين القريب ولا بعيد فلا يلزم من عدم ذكر حكم من الأحكام لأقاربه عدم شفقته عليهم سيما ما يتعلق بحال بعد موته لأنه ذكره للخليفة بعده وهو كان يعلم أن سيلغه فما ترك شيئا من الشفقة والرحمة انتهى وأقول كلامه هذا أيضا يشتمل على نظير ما أسبقه من التمحل والتمويه والانحراف عن المقصد لأن عدم الفرق في الشفقة إنما يسلم في تبليغ الأحكام الشاملة لساير الأنام لا بالنسبة إلى الحكم الخاص المختص بطايفة مخصوصة ضرورة أنه لا شفقة في أن يقول النبي (ص) حكم الجبيرة مثلا للصحيح الذي لا يحتاج إلى معرفتها حين الخطاب ولا يقول ذلك لمن يحتاج إليه ويحضر مجلسه الشريف ويريد كسر موضع الوضوء أو الغسل وأما ما ذكره من أنه (ص) ذكره للخليفة بعده وهو كان يعلم أن الخليفة سيبلغه مردود بأنه كيف يكون النبي (ص) معذورا بذلك ولا يكون تاركا للشفقة على ورثته وأهل بيته بل على أبي بكر وعمر مع ما وقع بينهم في ذلك من الفتنة العظيمة والفساد الكبير الذي عجز عن بيانها لسان التقرير منها رد شهادة علي (ع) مع جلالة قدره ومنها إيذاء فاطمة (ع) وغضبها على أبي بكر وعمر بحيث لم تتكلم معهما إلى أن ماتت ساخطة عليهما وأوصت إلى علي أن يدفنها ليلا حتى لا يحضر أبي بكر وعمر جنازتها عليها السلام إلى غير ذلك من مفاسد المشيدة النطاق الممتدة الرواق فهل كان النبي (ص) يعلم أن أبا بكر سيبلغ ذلك في الحكم إلى ورثته ولم يعلم أنهم لا يصدقون أبا بكر في ذلك الخبر الواحد المتهم ويتأذون ويضطربون ويقع بينهم السوء والبغضاء حتى يدعوه الشفقة على يشافههم أيضا بإعلام ذلك لهم وهل مثل ذلك على تقدير وقوعه عنه صلوات الله عليه إلا تبليس وتعمية حاشاه عن ذلك لا والله لو كان ذلك لبينه لهم رسول الله (ص) المأمور بالبيان من ربه وما كان ربك نسيا وبالله التوفيق انتهى قال المصنف رفع الله درجته ومنها أن أبا بكر حلف أن لا يغير ما كان على عهد رسول الله (ص) وقد روى الحميدي في الجمع بين الصحيحين وكان أبو بكر يقسم خمس النبي (ص) غير أنه لم يكن يعطي قرابة رسول الله (ص) كما كان رسول الله (ص) يعطيهم وهذا تغيير ما أنه حلف أن لا يغير فلم لا غير مع فاطمة (ع) ويقضي فيها بعض حقوق نبينا (ص) وروى الحميدي في الجمع بي الصحيحين قال كتب عبد الله بن عباس إلى نجدة بن عامر الخدري في جواب كتابه وكتب تسألني عن الخمس لمن هو وأنا نقول هو لنا وأبى علينا قومك في ذلك انتهى وقال الناصب خفضه الله تعالى أقول لم يثبت في الصحاح أن أبا بكر غير الخمس بل عمل فيه ما عمل رسول الله (ص) كما رواه البخاري في صحيحه وإن ذكر في الصحاح أنه غير الخمس فيعارضه هذا الحديث فلا يعتبر حكمه وهذا الحديث الرذي حلف فيه أبو بكر حج وهو مؤكد بالحلف وهو من قوله وذلك الحديث رووا عنه وهذا من أسباب الترجيح لأن الحلف بالفعل إذا كان قابلا به أرجح من رواية الفعل كما ذكر في التراجيح انتهى وأقول الجمع بين الصحيحين أيضا من الصحاح بل جمع بين اثنين من الصحاح وقد سلم الناصب صحة ما فيه من أول الكتاب إلى ههنا فلاوجه للأشعار بانكسار صحته ههنا وأما ما ذكره من ترجيح الحديث الذي فيه حلف فإني أحلف بالأيمان
(٣٠٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 295 296 297 298 299 300 301 302 303 304 305 ... » »»