إحقاق الحق (الأصل) - الشهيد نور الله التستري - الصفحة ٢٩٩
بشهادة عبد الله بن عمر وحده فربما يكون خطأ من مروان أو رأى بني صهيب أهلا للمصالح فأعطاهم من مالها وليس في فعل مروان دليل فإنه غير كثيرا من سنن رسول الله (ص) في أعماله وأحكامه وأما حديث البخاري فهو صحيح وهو يدل على أن فاطمة طلبت فدك على وجه الميراث وهذا يخالف رواية أنها سألها على وجه النحلة والهبة وبطل ما يذكره من دعوى فاطمة هبتها لأن الحديث الصحيح دل على أنها سألها ميراثا حيث قال أرسلت فاطمة إلى أبي بكر وسألت ميراثها من رسول الله (ص) ولا يعارض هذا الخبر الصحيح أخبار المؤرخين وأما ما ذكر من موجدة فاطمة على أبي بكر فقد ذكرنا وجهه فنرجوا من الله تعالى أن فاطمة إذا قدمت على رسول الله (ص) استرضاها رسول الله (ص) لأبي بكر وأخبرها بأن أبا بكر عمل بالسنة انتهى وأقول احتمال الخطأ في حكم مروان ليس بأظهر من احتماله في حكم أبي بكر لاستوائهما في الجهل بأحكام القرآن والسنة وتزيين الخلافة إياهما بل بل الخلافة في مروان كان أدوم وملكه أوسع وقد أعترف أبو بكر بأن له شيطانا يعتريه ويوقعه في الخطأ ولم يسمع من مروان اعترافه بمثله على أن استدلال المصنف في ذلك ليس بمجرد حكم مروان بشهادة ابن عمر وحده فيه ورضاءه به من غير أن يقول أن شهادتي منفردا ليس بمعتبر شرعا فاحضروا معي الشاهد الآخر حتى نشهد على الوجه المعتبر وأما ما ذكره من أنه رأى بني صهيب أهلا للمصالح فيه أن المعنى بالمصالح في عرف الشرع ما يصلح للمجاهدين من السلاح والمراكب ونحوهما ولم نسمع أنهم يعدون الدار والعقار والحجرات من جملة المصالح وأما ما ذكره من أن حديث البخاري يدل على أن فاطمة (ع) طلبت فدك على وجه الميراث وأنه يخالف رواية المصنف سابقا عن الواقدي وابن مردويه وصدر الأئمة أنه سأل ذلك على وجه النحلة والهبة آه ففيه أنه ليس فيما رواه المصنف هناك ما يدل على أنها (ع) سأل ذلك على وجه النحلة والهبة وإنما تضمن تلك الروايات أن النبي (ص) دفع ذلك إلى فاطمة إعلاما من الله تعالى بحق كونها من ذوي القربى مع أنه لا مخالفة بين دعواها لذلك بالنحلة وبين دعواها بالميراث إذ لا مناة فأبين لاستحقاقين كما توهمه الناصب فطلبها عليها السلم بالميراث لنص قوله تعالى يوصيكم الله في أولادكم الآية وطلبها بالنحلة لحصول البينة بالمعصوم أمير المؤمنين (ع) وأم أيمن زوجة زيد بن حارثة (رض) وتوضيح ذلك أن النبي (ص) قد نحل فدكا والعوالي لفاطمة (ع) كما دل عليه الروايات السابقة وغيرها وكانا في تصرفها (ع) إلى وفاة النبي (ص) فلما تقمص أبو بكر الخلافة أرسل إلى فدك وأختها وأخرج وكيل فاطمة (ع) عنهما وجعلهما حبوة وخالصة لنفسه فنازعته فاطمة (ع) في ذلك وقالت له إنهما مما أنحلهما رسول الله (ص) لي وإلى بيت فهو ميراث لي فلهذا ترى في بعض الروايات سؤال النحلة وفي بعضها سؤال الميراث ولا منافاة كما عرفت وقد صرح بذلك إمام الأشاعرة محمد بن عبد الكريم الشهرستاني في كتاب الملل والنحل في أوايل كتابه عند تعداد المخالفات الواقعة بعد النبي (ص) قال الخلاف السادس في أمر فدك والتوارث عن النبي صحيح ودعوى فاطمة (ع) وراثة تارة وتمليكها أخرى حتى دفعت عن ذلك بالرواية عن النبي (ص) نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة انتهى وأما ما رجاءه لرضاء رسول الله (ص) بآيل أبي بكر لفاطمة (ع) استرضاءها عنه فمن قبيل رجاء شفاعته (ص) لقتله ابنه الحسين (ع) وقد أنشد من عالم الغيب قبل زمان الإسلام فيه أترتجو أمة قتلت حسينا شفاعة جده يوم الحسنات قال المصنف رفع الله درجته وهذا الحديث قد اشتمل على أشياء ردية منها مخالفة النبي (ص) أمر الله تعالى في قوله وأنذر عشيرتك الأقربين فكيف لم ينذر فاطمة وعليا والعباس والحسن والحسين هذا الحكم ولا سمعه واحد من بني هاشم ولا من أزواجه ولا أحد من خلق الله تعالى وروى الحمدي في الجمع بين الصحيحين أن فاطمة والعباس أتيا أبا بكر بلتمسان ميراثهما من رسول الله (ص) وهما يطلبان أرضه من فدك وسهمه من خيبر وفيه أن أزواج النبي (ص) حين توفي رسول الله (ص) ولا يخفى أن هذه الرواية على تقدير صحتها ألا يدفع دعوى النحلة والتمايل أن يبعثن عثمان إلى أبي بكر يسألن ميراثهن انتهى وقال الناصب خفضه الله أقول من أعجب العجايب هذا الكلام وهذا الاستدلال فإن الانذار هو تبليغ أصول الشرايع فلو لم يبلغ رسول الله (ص) كل فرع من فروع الشريعة إلى كل واحد من الأمة لزم عدم الانذار وهذا من غرايب الكلام وكان هذا رجل نزل من شاهق جب لا يعرف الهر من البر وهو جديد العهد بالإسلام أو أخذه تعصب حتى أورد المورد الولي الحكيم أن جميع الأحكام يجب أن يروى عن رسول الله (ص) جميع الأنام وإلا لم يحصل الانذار أم يزعم أن جميع أحكام الشرع من جزئيات الفروع يجب أن يكون معلوما لجميع الصحابة أم يزعم أن أبا بكر ليس من أهل الرواية حتى يلقمه العلماء الحجر ويتقلبوه بالخشب والمدر وكل هذه أمور باطلة فإن هذا الحديث رواه أبو بكر فإنه سمع من رسول الله (ص) فروى وتقرر الحكم وعمل به ثم بعده عمل الناس به انتهى وأقول بل من أعجب العجايب شدة جهله المركب حمله على التعجب من ذلك وليس منه تعجب أما أولا فلأن تخصيص الانذار بتبليغ أصول الشرايع من جملة مخترعات جهله وقد صرح بتعميمه المفسرون عن آخرهم منهم الفاصل النيشابوري بتعا لفخر الدين الرازي حيث قال في أوايل تفسيره سورة البقرة أن الانذار التخويف من عقاب الله بالزجر عن المعاصي انتهى ومثله في تفسير القاضي البيضاوي وغيره وأما ثانيا فلأن الكلام في الانذار الخاص المتعلق في الآية بذوي القربى لا في الإنذارات المطلقة ومن البين أن النبي (ص) إذا لم يأتي بما أمر به من إنذار ذوي القربى مع قربه منهم ومخالطته صباحا ومساء معهم وذكره لرجل أجنبي عنهم لكان في ذلك إخلالا منه بموجب ما أمر به من الانذار وهذا جدا على من نشأ في شاهق الجبال ومع هذا خفى على الناصب المحتال الذي ربط الفضل بنفسه بألف حبال ولعمري أنه سمع الناصب الذي كفر هذا الدفع الذي ليس له عنه مفر لصار ربيع لذاته صفر وبهت كأنه التقم الحجر أو لطم عندما هجر ولو تأمل المصنف فيما تضمنته مقدماته الآخر من الهذيان لجعل دمه هدرا وأوجب رجمه بأل حجر ومدر قال المصنف رفع الله درجته ومنها نسبته هؤلاء إلى الجهل وقلة المعرفة بالأحكام ومع ملازمتهم لرسول الله (ص) ونزول الوحي في مساكنهم ويعلمون سره وجهره وقد روى الحافظ بن مردويه بإسناده إلى عايشة وذكرت كلام فاطمة لأبي بكر وقالت وآخره وأنتم تزعمون أن لا أرث لنا أفحكم الجاهلية تبغون أني لا أرث لي يا ابن أبي قحافة أفي كتاب الله أن ترث أباك ولا أرث أبي لقد جئت شيئا فريا فدونكها مرحولة مخطومة تلقاك يوم حشرك الله والغريم محمد والموعد القيمة وعند الساعة يخسر المبطلون انتهى وقال الناصب خفضه الله أقول لا يلزم من عدم علم طاعته بحكم من أحكام الدين جهلهم وقلة معرفتهم فإن أكثر الأحكام مما تقرر بعد رسول الله (ص) مع أن أبا بكر لما روى هذا الحديث سأل تصديقه من الصحابة فصدقوه وربما لم يسمعوا تلك الطائفة هذا الحديث أيدعي أن كل الفروع والأحاديث سمعه خواص رسول الله (ص) والإجماع أن أبا بكر كان من أكثر الناس ملازمة ومصاحبة
(٢٩٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 294 295 296 297 298 299 300 301 302 303 304 ... » »»