إحقاق الحق (الأصل) - الشهيد نور الله التستري - الصفحة ٢٩٧
المصنف رفع الله درجته وروى البلاذري قال لما قتل الحسين (ع) كب عبد الله بن عمر إلى يزيد بن معاوية أما بعد فقد عظمت الرزية وجلت المصيبة وحدث في الإسلام حدث عظيم ولا يوم كيوم الحسين فكتب إليه يزيد أما بعد يا أحمق فإننا جئنا إلى بيوت مجددة وفرش ممهدة ووسايد منضدة فقاتلنا عنها فإن يكن الحق لنا فمم حقنا قاتلنا وإن كان الحق لغيرنا فأبوك أول من سن هذا وابتز به واستأثر بالحق على أهله انتهى وقال الناصب خفضه الله أقول تعصب هذا الرجل بل حد استدل بكلام يزيد حين اعترض عليه في قتل الحسين واسترضى بكلامه واستطابه لأنه تكلم بما يوافق مذهبه ولو كأنه شتم أبا بكر أو عمر لكان ابن المطهر يحل عليه دم الحسين (ع) وأي دليل في كلام ذلك المنحوس المنكوس المردود وكان في هذا المقام ينبغي أن يثني على ابن عمر حي شافه ذا سلطان ظالم بكلمة الحق انتهى وأقول كلام يزيد عليه من اللعنة ما يربو يزيد حجة على عمر وشهادته عليه مسموعة لأنه من أتباعه وأوليائه وممن حمله على أكتاف محمد عليهم السلام ولو حققت الأخبار والآثار المروية في هذا الباب لرأيتها لا تنقص ولا تزيد عما ذكره يزيد فهل أدل دليل من ذلك وهل من مزيد وأما قوله ولو أنه شتم أبا بكر أو عمر لكان ابن المطهر يحل عليه دم الحسين ففيه أن الناصب قد غفل عن أن يزيد قد شتم بذلك القول أبا بكر وعمر وعثمان جميعا بل جعلهم مثلة وفضيحة بين خلق الله تعالى وأما دم الحسين (ع) فلا يوازي به للحد ابن المطهر قتل أفاضل النس جميعا فضلا عن قتل ثلاثة من أجلاف العرب العادمين فضلا فما ظنك بشتمهم وإيلامهم في الخروج عن عهدة انتقامهم و إنما خرج عن عهدة بعض هذه الرزية واقعة مختار وأبو مسلم والتتار وعهدة الباقي على النار في دار القرار وأما ابن عمر فإنما ترك المصنف الثناء في ذلك عليه لعلمه بأنه إنما أتى بذلك خوفا على نفسه لا حميته وتوجعا على الحسين (ع) فإن يزيد كان بصدد قتل كل من الحسين وابن عمر فأراد ابن عمر أن يخوفه في ذلك عن الناس حتى لا يجترء بعد ذلك على مثله فأجابه بما ذكر وقد علم المصنف مقصود ابن عمر مما ظهر منه واشتهر من عداوته لأمير المؤمنين (ع) وتخلفه عن بيعته إلى غير ذلك فعسى أن يكون معذورا عند الناصب وأصحابه قال المصنف رفع الله درجته وروى الواقدي وغيره من نقل الأخبار عندهم وذكروه في أخبار الصحيحة أن النبي (ص) لما افتتح خيبرا اصطفى قرى من قرى اليهود فنزل جبريل بهذه الآية وآت ذا القربى حقه فقال محمد ومن ذوي القربى وما حقه قال فاطمة فدفع إليها فدك والعوالي فاستغلتها حتى توفى أبوها عليه الصلاة والسلم فلما بويع أبو بكر منعها وكلمته في ردها عليها وقالت إنهما لي فأبى دفعها إليها فقال أبو بكر قال فلا أمنعك ما دفع إليك أبوك فأراد أن يكتب لها كتابا فاستوقفه عمر بن الخطاب وقال إنها امرأة فطالبها بالبينة على ما ادعت فأمرها أبو بكر فجاءت بأم أيمن وأسماء بنت عميس مع علي (ع) فشهدوا بذلك فكتب لها أبو بكر فبلغ عمر فأخذ الصحيفة فمحاها فحلفت أن لا تكلمهما وماتت وهي ساخطة عليهما وجمع مأمون ألف نفس من الفقهاء وتناظروا وأدى بحثهم إلى رد فدك على العلويين من ولدها فردها عليهم وذكر أبو هلال العسكري في كتاب أخبار الأوايل أن أول من رد فدك على ورثة فاطمة (ع) عمر بن عبد العزيز وكان معاوية أقطعها لمروان بن الحكم وعمر بن عثمان ويزيد ابنه ثلاثا ثم غصبت فردها عليهم السفاح ثم غصبت فردها عليهم المأمون ثم قال عن أبي هلال غصبت فردها عليهم الواثق ثم غصبت فردها عليهم المستنصر المعتمد ثم غصبت فردها المعتضد ثم غصبت فردها الراضي مع أن أبا بكر أعطى جابر بن عبد الله ادعاها على رسول الله (ص) من غير بينة وحضر جابر بن عبد الله وذكر أن النبي (ص) وعده أن يحوله ثلت حيثات من مال البحرين فأعطاه ذلك ولم يطالبه البينة مع أن العدة لا يجب الوفاء بها والهبة للولد مع التصرف توجب التمليك فأقل المراتب أنه كان يجري فاطمة مجراهما وقد روى سند للحفاظ بن مردويه بأسناده إلى أبي سعيد قال لما نزلت وآت ذي القربى حقه دعى رسول الله (ص) فاطمة (ع) فأعطاها فدك وقد روى صدر الأئمة أخطب خوارزم موفق ابن أحمد المكي قال ولما سمعت في المعاديد بإسنادي عن أبن عباس قال قال رسول الله (ص) يا علي أن الله زوجك فاطمة وجعل صداقها الأرض فمن مشي عليها مبغضا لها مشى حراما انتهى وقال الناصب خفضه الله تعالى أقول قد قدمنا في حقيقة خبر فدك ما هو الصحيح وأن أبا بكر عمل فيه ما عمل رسول الله (ص) وكان رسول الله (ص) يطعم أهله منها ثم ينفق ما يفضل في السلاح والكراغ فاستن أبو بكر سنة رسول الله (ص) في فدك ثم عمر عمل بفدك ما عمل به أبو بكر إلا أنه رد سهم رسول الله (ص) من بني النضير إلى عباس وعلي واختصما فيه كما ذكرنا من صحيح البخاري ولو كان عمر مانعا من إعطاء فدك بفاطمة كيف لم يرد علي (ع) الصدقات بالمدينة في زمان خلافته وأما دعوى فاطمة فلم يصح في الصحاح ويذكرونها نقلة الأخبار ن أرباب التواريخ ومجرد نقلهم لا يصير سببا للقدح في الخلفاء وإن صح فقد ذكرنا وجهه انتهى وأقول قد بينا نحن ثمة أن صحيحه سقيم وحصر الصحيح فيما ظنه غير مستقيم وإن أبا بكر وعمر ما فعلوا بفدك ما زعم أنه فعل بها رسول الله (ص) بل نقلنا عن تاريخ الخلفاء الجلال الدين السيوطي إنهما جعلاه حبوة وخالصته لأنفسهما وأما قوله لو كان عمر مانعا من إعطاء فدك لفاطمة كيف لم يدها علي (ع) في زمان خلافته فالجواب عنه ما قد مرت الإشارة إليه من أنه (ص) لما رأى اعتقاد الجمهور بحسن سيرة الشيخين وإنهما كانا على الحق لم يتمكن من الإقدام على ما يدل على فساد إمامتهما لما في ذلك من الشهادة بالظلم والجور منهما وإنهما كانا غير مستحقين لمقامهما وكيف يتمكن من نقض أحكامهم وتغيير سنتهم وإظهار خلافهم على الجماعة التي يظنون أنهم كانوا مصيبين في جميع ما فعلوه وتركوه وأن إمامته (ع) مبينة على إمامتهم فإن فسدت فسدت إمامته وقد روى أنه نهاهم عن صلاة التراويح التي أبدعها عمر فامتنعوا ورفعوا أصواتهم قايلين واعمراه واعمراه حتى تركهم في خوضهم يلعبون والحاصل أن أمر الخلافة ما وصل إليه إلا بالاسم دون المعنى وقد كان (ع) منازعا معارضا مغصصا طول أيام ولايته وكيف يأمن في ولايته الخلاف على المتقدمين عليه وكل من بايعه وجمهورهم شيعة أعدائه ومن يرى أنهم مضوا على أعدل الأمور وأفضلها وأن غاية أمر من بعدهم أن يتبع آثارهم ويقتضي
(٢٩٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 292 293 294 295 296 297 298 299 300 301 302 ... » »»