إحقاق الحق (الأصل) - الشهيد نور الله التستري - الصفحة ٢٧٢
الاتمام وصيانة القاصرين أوجبنا الإقدام والله الموفق لنيل المرام وأما ما ذكره من القول بأن الذين ثبتوا مع رسول الله (ص) كانوا ثلاثمائة فمن جملة مفترياته أيضا ولعله قصد إيهام دخول أبي بكر فيهم وأمثال هذه التمحلات إنما يذهب على مثل الناصب الغبي فلا فايدة في ارتكابها عند مناظرة الخصم الذكي ومما يكذب هذا القول الحديث الثاني الذي رواه البخاري عن البراء فإن فيه تصريحا بأنه لم يكن معه حينئذ غير بني هاشم وأما قوله إنا لم ندع عصمة الصحابة عن الذنون إلى آخره فهو عين مقصود المصنف من أنهم كانوا مذنبين خاطئين غير صالحين لخلافة النبي (ص) وللرياسة والعامة في أمور الدين والدنيا وأما قوله قيل المراد من المؤمنين الذين أنزل الله عليهم السكينة هم الفارون فمع عدم ظهور ارتباطه بالمقصود وهو دفع طعن الفرار يتوجه عليه إنه كما قيل أيضا أن المراد بهم الذين ثبتوا مع رسول الله (ص) حين وقع الهرب وقد صرح بهما الفاضل النيشابوري في تفسيره فذكر أحد القولين دون الآخر نحو تلبيس لا يخفى على أن القول الثاني هو الظاهر فإن السكينة إنما يناسب من سكن مع النبي (ص) حال الخوف لا من فر ولم يسكن معه نسأل الله تعالى إنزال السكينة عنا الخوف والتقية ويوفقنا لإتمام هذا التاليف والإتيان بالبقية وأما ما تعجبه من أن الله تعالى قبل عذرهم وتاب عليهم وأن المطهر لا يرضى عنهم فمن أعجب العجب لأنه لا دلالة في ما نقله هذا المعجب المتعجب من قوله تعالى ثم يتوب الله من بعد ذلك على من يشاء الآية على وقوع قبول توبتهم فضلا عن قبول عذرهم ولو سلم دلالته على وقوع قبول توبتهم فلم يدل على وقوعه بالنسبة إلى جميعهم بل لمن يشاء منهم وهذا صادق فيما إذا شاء قبول توبة واحد منهم كما لا يخفى ولقد أطنبنا في هذا المقام لكثرة ما استعمله الناصب من الكذب والتمويه في الكلام وكان حقا علينا إفضاحه لدى الخاص والعام قال المصنف رفع الله درجته وقال الله تعالى وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما رووا أنهم إذا سمعوا بوصول تجارة تركوا الصلاة معه والحياء منه ومراقبة الله تعالى وكذا في اللهو ومن كان في زمانه (ص) معه بهذه المثابة كيف يستبعد منه مخالفته بعد موته وغيبته عنهم بالكلية انتهى وقال الناصب خفضه الله أقول ذكروا في شأن نزول الآية إن القوافل التي كانت تأتي بالطعام انقطعت عن المدينة وضاق أمر الناس فجاء القافلة والنبي (ص) كان يخطب وكانوا يضربون الطبل عند نزول القافلة فلما سمعوا صوت الطبل تسارع إليه فئام الناس وقام أكابر الصحابة معه فأنزل الله الآية في شأن من يذهب وترك رسول الله (ص) قائما وفي كل طائفة يكون عوام وخواص ولا يبعد هذا عن الإنسان وهذا لا يوجب أن يكفروا بعد رسول الله (ص) كما يدعيه هذا الرجل انتهى وأقول فيما ذكره كذب وتمويه من وجوه أما أولا فلأن ذلك الانفضاض لم يكن مخصوصا بأيام انقطاع الطعام بل لفظ التجارة في الآية الكريمة صريحة في خلافه لأن بيع الطعام لأجل القوة لا يسمى في العرف تجارة خصوصا إذا انقطع عنهم الطعام و ضاق عليهم الأمر في ذلك كما ذكره الناصب بل لو كان انفضاضهم لأجل ذلك لما كان لذمهم من الله تعالى وجه وأما ثانيا فلأن الذين كانوا ينفضون إلى القافلة يضربون الطبل لأهل القافلة كما يشعر به قول الناصب فلما سمعوا صوت الطبل إلى آخره وأما ثالثا فلأن التخصيص بفئام الناس من دون أكابر الصحابة من خواص تصرفاته الذي لا يدل عليه دليل ولا قرينة ضعيفة يدل على جميع ما ذكرنا ما رواه البخاري عن جابر قال بينما نحن نصلي مع النبي (ص) إذا قبل عير يحمل طعاما فالتفتوا إليها حتى ما بقي مع النبي (ص) إلا اثنى عشر رجلا فنزلت الآية وفي رواية أقبلت عير يوم الجمعة إلى آخره وفي رواية أخرى أن النبي كان يخطب إلى وما قاله؟؟؟
النيشابوري في تفسير الآية من أنهم كانوا إذا أقبلت العير استقبلوها بالطبل والتصفيق انتهى وبالجملة قد ظهر من رواية البخاري أنه لم يبق مع النبي (ص) في بعض الأوقات سوى اثنى عشر رجلا ولا ينافي أن أكابر أصحاب النبي (ص) لم يكونوا منحصرين في هذا العدد القليل ومثل هذا أن سلم أنه لا يصير علة موجبة لاختيار ما يؤدي إلى الكفر بعد رسول الله (ص) لكنه يصير علة مصححة مجوزة فيصير رافعا لاستبعاد الخصم وقوع المخالفة عنهم بعده صلى الله عليه وآله وهذا ما ادعاه المصنف قدس سره لا ما فهمه الناصب الجاهل المتجاهل والحاصل أنه إذا كان هذا حالهم وسوء دأبهم وعدم اعتنائهم بينهم وبسماع خطبة وصلاة الجمعة معه و خرجوا وهو يشاهدهم أو يعلم بهم لأجل تفرج على عير وسماع طبل ولهو فهل يبعد منهم أن يخالفوا أمره طلبا للملك والرياسة بعده فليعتبر العاقل ذلك فإن في ذلك عبرة لأولي الأبصار ولعمري أن بعض المشايخ والوعاظ لو كان مقبلا على أصحابه يعظهم ويخوفهم فسمعوا بلهو أو طبل لاستحيوا وهابوه أن يخرجوا من عنده وهو شاهدهم بل يستحيون أن يخرجوا لأجل أمر مباح وإن لم يكن في خروجهم ترك واجب فما ظنك بسيد المرسلين وسماع خطبته و صلاة الجمعة معه والخروج وهو يشاهدهم أو في الصلاة لأجل تفرج على عير وسماع لهو وعند التحقيق هذا أقبح من فرارهم من الزحف لأن الفرار وإن كان كبيرة لكن فيه بقاء نفس وأما هذه ففيه من قلة الحياء والجرأة على الله وعلى رسوله ما لا يمكن حده فهل يستبعد ممن هذا شأنه في حياة نبيه وهو يشاهده ميله بعده إلى الملك والرياسة وارتكاب إثم لذلك فهذا وأمثاله المذكورة في هذا الكتاب وغيره عذر للشيعة في سبهم بعض الصحابة الذين ثبت عندهم أنهم فعلوا مثل ذلك لكن أهل السنة مع نقلهم وتصحيحهم لها يغمضون العين عنها ويتأولونها بما لا يؤدي إلى طايل ولا يرجع إلى حاصل ومع هذا للشيعة أن يقولوا إن ما ذكرناه من المطاعن إن كان كافيا في جواز سبهم فلا لوم وإلا فغاية الأمر أن تكون مجتهدين مخطئين مثل بعض الصحابة والتابعين وبالجملة إذا جاز عندكم لطلحة والزبير وعائشة الاجتهاد في الخروج على إمام زمانهم اتفاقا وهو علي (ع) وقتلهم نحو ستة عشر ألفا من الأنصار والمهاجرين والتابعين وذهبتم إلى أن كل ذلك بالاجتهاد وهم غير مؤاخذين بل يثابون جاز لعلماء الشيعة الاجتهاد في سب بعض هؤلاء وغيرهم ممن اعتقدوا ضلاله لأمور رووها من طرق مخالفيهم وطرقهم بحيث أفادهم علما يقينيا في جواز سبهم فهؤلاء غير مأثومين وإن فرضنا أنهم مخطئون مع أن السب إنما هو دعاء والباري تعالى إن شاء لم يقبله وليس مثل سفك دماء الأنصار والمهاجرين وتابعيهم وأظهر نظير في ذلك أن معاوية وبنو أمية ولعنوا عليا وسبوه ثمانين سنة على المنابر ولم يقدح ذلك فيهم عندكم بل حازوا الأجر والثواب باجتهادهم فيه فلا لوم علينا في سب الذين رأينا منهم عداوته وغيرها من المطاعن بعضها في القرآن وبعضها في كتب أهل السنة منقولة مصححة أما حقايق الأمور فهي موكولة إلى الله تعالى قال المصنف رفع الله درجته وقال الله تعالى
(٢٧٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 267 268 269 270 271 272 273 274 275 276 277 ... » »»