إحقاق الحق (الأصل) - الشهيد نور الله التستري - الصفحة ٢٧١
البغوي أنه عنى بهم الغاصبين لخلافة النبي (ص) وميراثه والآكلين لمال الفدك ظلما وجورا على فاطمة (ع) وأما الذين منعوا الزكاة عن أبي بكر فلم يأكلوها بل أخرجوها ودفعوها إلى الفقراء كما مر وهذا مدجح آخر وأما الحديث الذي فيه ذكر الأمراء السوء في الأمة فهل يشمل بظاهره كل أمير سوء والتخصيص تحكم فيشمل الصحابة الغاصبين للخلافة الذي تفرع عليه كل سوء حتى قيل إن قتل الحسين (ع) من متفرعات غصب الخلافة عن أهل البيت (ع) ولو أغمضنا عن ذلك فلا أقل من أن يشمل الناكثين والقاسطين من الصحابة وهل كل شئ أسوء من البغي الصادر عنهم وهل يقصر هذا الطعن عن طعنهم في مانعي الزكاة من الأعراب وهل للتخصيص بغير البغاة من أمراء السوء وجه غير متابعة الهواء نعوذ بالله من الهوى وما يحمل عليه من الدعاوي الفاجرة وسوء المكابرة قال المصنف رفع الله درجته وقد تضمن الكتاب العزيز وقوع أكبر الكباير منهم وهو الفرار من الزحف فقال الله تعالى ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم لأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين وكانوا أكثر من عشرة آلاف نفر فلم يتخلف منه إلا سبعة أنفس علي بن أبي طالب (ع) والعباس والفضل ابنه وربيعة وأبو سفيان ابنا الحرث بن عبد المطلب وأسامة بن زيد وعبيدة بن أم أيمن وروى أيضا أيمن بن أم أيمن وأسلمه الباقون إلى الأعداء للقتل ولم يخشوا النار ولا العار وآثروا الحياة الدنيا الفانية على دار البقاء ولم يستحيوا من الله تعالى ولا من نبيهم وهو شاهدهم عيانا انتهى وقال الناصب خفضه الله أقول ذكر الله تعالى قصة حنين في كتابه العزيز وإن أصحاب رسول الله (ص) ولوا مدبرين وكان هذا قضاء الله تعالى في الحرب ليعلم أن رسول الله (ص) كان مؤيدا من الله لا من قوة العساكر وقد روى في صحيح البخاري عن البراء بن عازب أنه قال له رجل أفررتم يوم حنين قال لا والله ما ولى رسول الله (ص) ولكن خرج شبان أصحابه ليس عليهم كثير سلاح فلقوا قوما رماة لا يكاد يسقط لهم سهم فرشقوهم رشقا ما يكادون يخطئون فأقبلوا هناك إلى رسول الله (ص) ورسول الله (ص) على بغلته البيضاء وأبو سفيان بن الحرث يقودها فنزل واستنصر وقال أنا النبي (ص) لا كذب أنا ابن عبد المطلب قال البراء كنا إذا حمي البأس اتقينا به وإن الشجاع منا من يحاذي به يعني النبي (ص) ويعلم من هذا الحديث أن شبان الصحابة ولو في حنين وأما الباقون فقاموا وثبتوا لأن البراء نفى الفرار وقال لا والله وأيضا اختلفوا في العدد الذي وقفوا مع رسول الله (ص) فقيل كانوا ثلاثمائة رجل ولا خلاف في أن أبا بكر وقف معه ولم يفارق رسول الله (ص) في موقف من المواقف ثم إنا لم ندع عصمة الصحابة من الذنوب حتى يلزمنا براءتهم عن الفرار والإنسان لا يتخلوا من الذنوب وقد عفى الله عنهم على ما يقتضيه النص لأنه قال ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وأنزل جنودا لم تروها وعذب الذين كفروا وذلك جزاء الكافرين ثم يتوب الله من بعد ذلك على من يشاء والله غفور رحيم قيل المراد من المؤمنين الذين أنزل الله سكينته عليهم هم الفارون والعجب أن الله تعالى قبل عذرهم وتاب عليهم وابن المطهر لا يرضى عنهم انتهى وأقول لا يخفى أن هذا الناصب المحيل الذي انتصب نفسه لنصرة الأباطيل قد خان في نقل الرواية وبلغ في الخيانة أقصى الغاية حيث نقل عن صحيح البخاري بعض الرواية ثم أضاف إليه من كلامه وكلام غيره ما حمله إليه هواه واقتضاه ترويج دعواه ومع هذا بدل أيضا بعض الكلمات بغيره كما سنبينه وإنما ذكر ذلك البعض من جملة الرواية احتمالا منه في أنه إذا رأى الناظر الذي قد طالع الصحيح أحيانا إن ذلك البعض من جملة ما طرق سمعه ووجده مانوسا من تلك المطالعة يظن أن التهمة أيضا من ذلك فلا يرجع لتحقيق الحال إلى الأصل فلا يظهر خيانة الناصب عليه فلنذكر ههنا جميع ما رواه البخاري عن البراء في هذا الباب من كتابه ليظهر على الناظرين خيانة الناصب اللعين ويعدونه من زمرة الملاعين فنقول قال البخاري حديثا محمد بن كثير أبا سفيان عن أبي إسحاق قال سمعت البراء (رض) وجاءه رجل فقال يا أب عمارة أوليتم يوم حنين قال أما أنا فأشهد على النبي (ص) أنه لم يولي ولكن عجل سرعان القوم فرشقتهم هوازن وأبو سفيان بن الحرث أخذ برأس بغلة البيضاء يقول أنا النبي (ص) لا كذب أنا ابن عبد المطلب حدثني محمد بن بشار؟؟؟ شعبة عن أبي إسحاق قيل للبراء وأنا أسمع أوليتم مع النبي (ص) يوم حنين فقال أما النبي (ص) فلا كانوا رماة فقال النبي (ص) أنا النبي (ص) لا كذب أنا ابن عبد المطلب حدثني محمد بن بنا عند ربنا شعبة عن أبي إسحاق سمع البراء رسالة رجل من قيس أفررتم عن رسول الله (ص) يوم حنين فقال لكن رسول الله (ص) لم يفر كانت هوازن رماة وأنا لما حملنا عليهم انكشفوا فاكببنا على الغنايم فاستقبلنا بالسهام ولقد رأيت النبي (ص) على بغلته البيضاء وأن أبا سفيان أخذ بزمامها وهو يقول أنا النبي لا كذب أنا بن عبد المطلب قال إسرائيل وزهير نزل النبي عن بغلته انتهى وقد ظهر بذلك أن الخائن اللعين قد بدل لفظ سرعان القوم بشبان أصحابه ليخص الفرار بالشبان فيجعل شيخه أبا بكر خارجا عن عار الفرار وعليا داخلا في ذلك العار ولو فرض وجود لفظ شبان كذلك في رواية مسلم فنقول ليس المراد تخصيص الشبان والسرعان بذلك بل المراد أن إقدام السرعان والشبان وسبقتهم إلى الحرب بلا مبالاة أوجب وانكسارهم أوجب انكسار الباقي وهذا أمر معلوم من التواريخ المعتبرة و السير المعتمدة ثم زاد عدم كثرة السلاح ليكون عذرا آخر للقوم في فرارهم مضافا إلى ما قدمه من أن الفرار كان قضاءا لله إلى آخره وليلغوا عفو الله عنهم بعد ذلك ضرورة أنه إذا كانوا معذورين في الفرار لم يكن لعفوه تعالى عنهم معنى ثم زاد في وصف الرماة بأنه لا يكاد ليسقط لهم سهم وأنهم ما كادوا يخطئون تكميلا لعذر القوم والرد على الله في ذلك العفو وأما ما نسبه إلى البراء من قوله كنا إذا حمي البأس اتقينا به إلى آخره فكلام رواه القاضي عياض المالكي عن علي (ع) في باب شجاعة النبي (ص) من كتاب الشفاء قال قال كرم الله وجهه أنا كنا إذا حمي البأس ويروى إذا اشتد الناس يومئذ بأسا انتهى وقد أضافه الخائن إلى ما رواه قبل ذلك من كلام البراء في قصة حنين ليوقع في الأوهام أن البراء وساير القوم كانوا في ذلك اليوم اتقوا برسول الله ولم ينفصلوا عنه ولم يفروا ولعمري إنه لا يقدم إلى مثل الخيانة والتخليط إلا من حرم التوفيق واتخذ الشيطان خير رفيق وما لهذه التخاليط الناشئة عن متابعة الهواء والأكاذيب المنافية للحياء سوى السيف دواء ومن بلغ إلى هذه المرتبة من الخيانة والمجاهرة في الكذب فقد كفى خصمه مؤنته وأضاع بيده صولته ورعونته ولم يكن بنا حاجة بعد ظهور التخليط والتلبيس عن هذا الناصب الداخل في حزب إبليس مرارا أن يضيع أوقاتنا في رفع هفواته وإزالة ركيك شبهاته لكن الشروع ألزمنا
(٢٧١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 266 267 268 269 270 271 272 273 274 275 276 ... » »»