إحقاق الحق (الأصل) - الشهيد نور الله التستري - الصفحة ٢٧٣
ومنهم من يلمزك في الصدقات اتهموا رسول الله (ص) وهم من أصحابه وقال الحميدي في الجمع بين الصحيحين في مسند أنس بن مالك في الحديث الحادي عشر من المتفق عليه إن أناسا من الأنصار قالوا يوم حنين حيث أفاء الله على رسوله من أموال هوازن ما أفاء وطفق رسول الله (ص) يعطي رجالا من قريش المائة من الإبل فقالوا يغفر الله الرسول (ص) يعطي قريشا ويتركنا وسيوفنا تقطر من دمائهم وقال الحميدي في هذا الحديث عن أنس أن الأنصار قالت إذا كانت الشدة فنحن ندعى وتعطى الغنايم غيرنا قال ابن شهاب فحدث ذلك رسول الله (ص) فعرفهم في حديث ذلك أنه فعل ذلك تالفا لمن أعطاه ثم يقول في رواية الزهري عن أنس أن النبي (ص) قال للأنصار إنكم ستجدون بعدي أثرة شديدة فاصبروا حتى تلقوا الله ورسوله على الحوض قال أنس فلم نصبر انتهى وقال الناصب خفضه الله أقول اتفق المفسرون على أن قوله تعالى ومنهم من يلمزك في الصدقات نزل في ذي الخويصرة الخارجي اسمه حرقوص بن زهير وهو أصل الخوارج قال لرسول الله (ص) أعدل فإنك لا تعدل فقال رسول الله (ص) لقد خبت وخسرت إن لم أعدل فقال عمر يا رسول الله (ص) ائذن لي أضرب عنقه فقال له رسول الله (ص) إنه من ضيضي قوم كذا وكذا ووصف الخوارج وهو ذو الثدية المشهور والغرض أن الآية لم ينزل في الأنصار نعم كان من شبان الأنصار وهذا القول فلما سأل؟؟؟
رسول الله عنهم تابوا واستغفروا فقبل رسول الله (ص) أعذارهم وأمثال هذا يكون من أهل العسكر ومن الشبان ولم يقل أحد من الحكماء وذوي الرأي شيئا مما ذكره وأما قول أنس فلم نصبر فهو شكاية منه من بعض الأنصار ولا يدل على أن الأنصار تركوا الصبر لأنهم صبروا على الأثر انتهى وأقول فيه ما فيه أما أولا فلأن نقل الناصب لشأن نزول الآية وأنه ذو الخويصرة ثم إظهار أن الغرض عدم نزول الآية إلى الأنصار مما لا طائل تحته فإن المصنف لم يقل إن الآية نزلت في الأنصار بل ذكر متصلا بنقل الآية مجمل شأن النزول بقوله اتهموا رسول الله (ص) وهم من أصحابه ولا ريب في أن ذو الخويصرة كان من أصحابه (ص) ثم نقل ما يوافق مضمون الآية من حديث الحميدي وهذا ظاهر جدا وأما ثانيا فلأن ما ذكره من اتفاق المفسرين على نزول الآية في ذي الخويصرة غير مسلم فقد روى الفاضل النيشابوري عن الكلبي أنها نزلت في شأن أبي الخواط وقد قال النبي (ص) فيه وفي أصحابه إنهم منافقون ثم قال وقيل هم المؤلفة قلوبهم انتهى والأصل حمل الآية على العموم ما لم يظهر مخصص قوي يصلح محصصا لعموم الكتاب وأيضا غرض المصنف طعن جماعة من الأصحاب كانوا يعيبون على النبي (ص) في الصدقات ولا يتوقف ذلك على كون الحديث الذي نقله عن الحميدي تفسيرا للآية حتى يصير مدلوله طعنا عليهم بل يكفي في ذلك كونها مروية عمن هو ثقة عند الخصم فالنزاع في أن الآية لم يكن نازلا في شأن الأنصار بل في شأن غيرهم لا يقدح في غرضه أصلا وأما ثالثا فلأن ما تكلفه من تخصيص لفظ الأنصار المذكور في الحديث بشبانهم وتأويل قول أنس فلم نصبر بأنه لم يرد نفسه مع ساير الأنصار بل أراد الشكاية عن بعض الأنصار من التخصيصات والتأويلات الباردة الماردة الفاردة عن الدليل التي لا يحل ارتكابها إلا لمن كان مفوضا في وضع الدين موكلا على أحكام القرآن المبين ولا ذنب على الناصب فإن هذا طريقة مسلوكة موروثة له من أسلافه فإنهم إذا راو قد استدل الشيعة بآية أو حديث على مطلوبهم فهم مع أنهم رووه أيضا قبيل ذلك في كتبهم و استعملوه في بعض مطالبهم يروونه حينئذ تارة بالتخصيص وتارة بالتعميم وتارة بالنسخ وتارة بالتأويل وأخرى بضعف الراوي إلى غير ذلك وكأنهم لم يسمعوا قوله تعالى قتل الخراصون الذين هم في غمرتهم ساهون والذين يكتمون ما أنزلناه من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون وأما رابعا فلأنه من أين علم هذا الناصب أن الأنصار صبروا على تلك الأثرة حتى يصير مصححا له في التأويل المذكور وكأنه ظن أن الشكاية عن الوقوع في الأثرة والاضطراب والقلق عندها ليس من أمارات عدم الصبر بل علاته ذلك أن يذبح الشخص نفسه أو يحرقها أو يتقرب من الغرب إلى الشرق مثلا بحيث لم يصل خبره إلى دياره وحيث لم يقع عن الأنصار شئ من هذه الثلاثة ونحوها فقد صبروا وفيه ما فيه فافهم قال المصنف رفع الله درجته وروى مسلم في الصحيح في حديث عايشة عن قصة الإفك قالت قام رسول الله (ص) على المنبر فاستعذر من عبد الله ابن أبي سلول قالت قال رسول الله (ص) على المنبر من يعذرني من رجل قد بلغ آذاه في أهل بيتي فوالله ما علمت على أهلي إلا خيرا ولقد ذكر رجلا ما علمت عليه إلا خيرا وما كان يدخل على أهلي إلا معي فقام سعد بن معاذ وقال اعذر منه يا رسول الله (ص) إن كان من الأوس ضربنا عنقه وإن كان من إخواننا من الخزرج أمرتنا فقبلنا أمرك قالت فقام سعد بن عبادة وهو سيد الخزرج وكان رجلا صالحا احتملته الحمية فقال لسعد بن معاذ كذبت لعمر الله لا تقتله ولا تقدر على ذلك فقام أسيد بن الحصين وهو ابن عم سعد بن معاذ وقال لسعد بن عبادة كذبت لعمر الله لنقتلنه فإنك منافق تجادل عن المنافقين فثار الجدال بين الأوس والخزرج حتى هموا أن يقتتلوا ورسول الله (ص) قائم على المنبر فلم يزل رسول الله (ص) يعظهم حتى سكتوا وسكت فلينظر العاقل من المقلدة في هذه الأحاديث المتفق على صحتها عندهم كيف قد بلغوا الغاية في تقبيح ذكر الأنصار وفضاحتهم ورداءة صحبتهم لنبيهم (ص) في حياته وقلة احترامهم له وترك الموافقة وكيف يحوجه الأمر إلى قطع الخطبة ومنعوه من التألم عن المنافق عبد الله بن أبي سلول ولم يتمكن من الانتصاف عن رجل واحد حيث كان لهم غرض فاسد في منعه وخالفوه واختلفوا عليه واقتصر على الامساك فكيف يكون حال أهله بعده مع هؤلاء القوم انتهى قال الناصب خفضه الله أقول ما ذكره من مجادلة الأنصار فسببه إنهم كانوا قومين قبل هجرة رسول الله (ص) وكان بينهم جدال عظيم حتى أنه وقع بينهم حروب كثيرة في الجاهلية منها حرب البغاث المشهور فما جمعهم رسول الله (ص) تركوا ما كانوا عليه من المنازعة والجدال وتآلفوا برسول الله (ص) وقد كان يبدوا عنهم آثار أعمال الجاهلية للعصبية المكنونة في الضماير والبشر لا يخلوا عن هذا ولكن كانوا متسارعين إلى أمر رسول الله (ص) وهذا الرجل المتعصب لا يذكر محاسنهم ومساعيهم وما بذلوا في سبيل الله تعالى من الأموال والأنفس وما أثنى الله تعالى عليهم في كتابه ويذكر هفواتهم في الأوقات القليلة وما ذكره لا يوجب أن يتركوا نص رسول الله (ص) بعد وفاته مع أن النص يكون مقيدا لهم في دفع بيعة أبي بكر وأقول ما ذكره من سبب مجادلة الأنصار أمر معلوم مشهور
(٢٧٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 268 269 270 271 272 273 274 275 276 277 278 ... » »»