إحقاق الحق (الأصل) - الشهيد نور الله التستري - الصفحة ٢٦٧
منزلته شريفا عند الله فوثب علينا بعده تيم وعدي وبنو أمية فأنت تهدي بهداهم وتقصد بقصدهم فصرنا بحمد الله فيكم أهل البيت بمنزلة قوم موسى في آل فرعون يذبحون أبناءهم ويستحيون نساءهم وصار سيدنا منكم بعد نبينا بمنزلة هارون من موسى حيث يقول يا بن أم القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني فلم يجمع بعد رسول الله (ص) شمل ولم يسهل وعث وغايتنا الجنة وغايتكم النار فقال لها عمرو بن العاص أيتها العجوزة الضالة اقصدي من قولك وقضي من طرفك قالت من أنت قال أنا عمر بن العاص قالت يا بن النابغة اربع على ضلعك واعفي لسان نفسك ما أنت من قريش في لباب حسبها ولا صحيح نسبها ولقد ادعاك خمسة من قريش كلهم يزعم أنك ابنه ولطا لما رأيت أمك يأم مني بمكة تكسب الخطيئة وتتزن الدراهم من كل عبد عاهر هايج وتسافح عبيدنا فأنت بهم أليق وهم بك أشبه منك يقرع بينهم والأخبار في ذلك أكثر من أن يحصى ووقايعه الردية أشهر والله تعالى أعلم انتهى وقال الناصب خفضه الله أقول قد ذكرنا إن هذه الحكايات والأخبار التي لم يصح بها رواية ولم يقم بصحتها برهان ترك ذكرها أولى وأليق سيما أنها متضمنة لنشر الفواحش وعظام هذه الجماعة رميمة ولم يبق لهم آثار ولم يكن أحد يدعي حقيتهم ولا إمامتهم حتى يكون متعلقا بأمر من أمور الدين ولينصف المنصف إن ترك نشر الفواحش والإقدام به أولى سيما لطايفة محت الدهور آثارهم وجرت الرياح على إمكان ديارهم وأقول قد بينا مرارا إن المصنف لم ينقل رواية إلا من كتب أهل السنة وما روي ههنا عن أروى بنت الحرث فقد رواها ابن عبد ربة من أكابر أهل السنة والجماعة في الجزء الأول من كتاب العقد وما ذكره الناصب من المواعظ الباردة والنصايح الغير الواردة إنما نشأ عن عجزه من الجواب وإلا ففي نشر قبايح الفساق والكشف عن فضايح أهل النفاق استيصال لأهل الارتياب وردع لهم عن متابعة هؤلاء الأذناب ويتوقع في ذلك نيل الثواب قال المصنف رفع الله درجته المطلب الخامس فيما رواه الجمهور في حق الصحابة روى الحميدي في الجمع بين الصحيحين في مسند سهل بن سعد في الحديث الثامن والعشرين من المتفق عليه قال سمعت رسول الله (ص) يقول أنا فرطكم على الحوض ومن ورد شرب ومن شرب لم يظمأ أبدا وليردن علي أقوام أعرفهم ويعرفونني ثم يحال بيني وبينهم قال أبو حازم فسمع النعمان بن أبي عباس وأنا أحدثهم هذا الحديث فقال هكذا سمعت سهلا يقول قال فقلت نعم قال أنا أشهد على أبي سعيد الخدري لسمعته يزيد على اللفظ المذكور فيقول إنهم من أمتي فيقال إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك فأقول سحقا لمن بدل بعدي انتهى وقال الناصب خفضه الله أقول شرع من ههنا في مطاعن الصحابة (رض) ونحن نذكر قبل الشروع فيما ذكر شمة من مناقب الصحابة إن شاء الله فنقول مذهب عامة العلماء أنه يجب تعظيم الصحابة كلهم والكف عن القدح فيهم لأن الله تعالى عظمهم وأثنى عليهم في غير موضع من كتابه كقوله تعالى والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار وقوله يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه نورهم يسعى بين أيديهم وقوله والذين آمنوا معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا وقوله لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة إلى غير ذلك من الآيات الدالة على عظم قدرهم وكرامتهم عند الله والرسول قد أحبهم وأثنى عليهم في أحاديث كثيرة منها قوله (ص) خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ومنها قوله (ص) لا تسبوا أصحابي فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا يضيفه ومنها قوله أصحابي لا تتخذوهم غرضا بعدي فمن أحبهم فيحبني أحبهم ومن أبغضهم فيبغضني أبغضهم ومن آذاهم فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله فيوشك أن يأخذه إلى غير ذلك من الأحاديث المشهورة في الكتب الصحاح منها ما روي في الصحاح عن أبي بردة قال رفع يعني النبي (ص) رأسه إلى السماء وكان كثيرا ما يرفع رأسه إلى السماء فقال النجوم آمنة السماء فإذا ذهب النجوم أتى السماء ما توعدون وأنا آمنة أصحابي فإذا ذهبت أنا أتى أصحابي ما توعدون وأصحابي آمنة لأمتي فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما توعدون وفيها عن عبد الله بن عمر بن الخطاب قال قال رسول الله (ص) أكرموا أصحابي فإنهم خياركم ثم الذين يلونهم ثم يظهر الكذب حتى أن الرجل ليحلف ولا يستحلف ويشهد ولا يستشهد إلا من سره بحبوحة الجنة فيلزم الجماعة فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد الحديث وعن جابر بن عبد الله عن النبي (ص) قال لا يمس النار مسلما رآني ورأى من رآني وعن عبد الله بن معقل قال قال رسول الله (ص) الله في أصحابي لا تتخذوهم غرضا فمن أحبهم فيحبني أحبهم ومن أبغضهم فيبغضني أبغضهم ومن آذاهم فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله تعالى فيوشك أن يأخذه وعن أنس بن مالك قال قال رسول الله (ص) مثل أصحابي في أمتي كالملح في الطعام ولا يصلح الطعام إلا بالملح وعن بريدة عن أبيه قال قال رسول الله (ص) ما من أحد من أصحابي يموت بأرض إلا بعث قايدا ونورا لهم يوم القيامة والأخبار في هذا الباب كثيرة لا يحصى ثم إن من تأمل سيرتهم وقف على مآثرهم وجدهم في الدين وبذلهم أموالهم وأنفسهم في نصرة الله ورسوله ثم يتخالجه شك في عظم شأنهم وبرأتهم عما ينسب إليهم المبطلون من المطاعن ومنعه ذلك عن الطعن فيهم رأى ذلك مجانبا للإيمان ونحن إن شاء الله نذكر كل ما طعن به هذا الرجل الضال ونجيب عنه على ما اعتدنا إن شاء الله فنقول ما روي من الجمع بين الصحيحين أن رسول الله (ص) قال لا تدري ما أحدثوا بعدك فاتفق العلماء إن هذا في أهل الردة الذين ارتدوا بعد وفاة رسول الله (ص) وهم كانوا أصحابه في حياته ثم ارتدوا بعده ويدل عليه الأحاديث والأخبار التي سيذكر بعد هذا ولا شك أن هذا لم يرد في ساير جميع أصحاب محمد بالإجماع لأن فيهم من لم يتغير ولم يبدل بعده بلا خلاف فهو من أهل النحاة بلا نزاع فإن أريد به من بدل بعض التبديل ولم يبلغ الارتداد فليس في الأصحاب إلا من بدل بعض التبديل فرجع الوعيد إلى الأكثر فلزم أن لا يهتدي لمحمد إلا نفر معدود في كل عصر من الأعصار وهذا ينافي ما ذكره رسول الله (ص) من كثرة أمته يوم القيامة وأنه يباهي بهم الأمم كما ورد في صحاح الأحاديث وأن أريد به التبديل إلى حد الكفر فهو عين المدعى فلزم من هذه المقدمات أن هذا الحديث وأمثاله في هذا الباب واردة في شأن أهل الردة كما قاله العلماء انتهى وأقول لا فايدة في ذكر الناصب لما فصله من الآيات إذ ليس منها جميع الصحابة كما سنبينه وإنما تدل على بعض منهم فلا دلالة فيها على خصوص بعض الصحابة الذين وقع النزاع فيهم على التعيين وعلى تقدير دلالة بعضها على بعضهم فقد وقع منهم بعد النبي (ص) ما صار سببا لإحباط ما صدر عنهم من سوابق الأعمال ودل على ارتدادهم ورجوعهم قهقري كما ينادي عليه ما ذكر المصنف ههنا من حديث الحوض وما سينقله من البخاري وغيره والشيعة إنما يطعن على بعضهم من أجل ما صدر عنهم من المخالفة ثانيا لا لوقوع بعض الأعمال الحسنة سابقا مثلا رضاء الله تعالى عن أهل بيعة الرضوان إنما وقع لبيعتهم مع النبي (ص) على الموت وتعاهدهم لذلك فإذا خلوا بذلك ونكثوا العهد انتفى الرضا كما قال الله تعالى ومن نكث فإنما ينكث على نفسه الآية وبالجملة رضاء الله تعالى عن أحد في فعل خاص لا يستدعي رضاءه عن فاعله دائما كما زعمه الناصب وأصحابه على أن الآية الأولى غير شاملة لأبي بكر وعمر لأنهما ليسا من المهاجرين الأولين كما زعمه الناصب بل المهاجرين الأولون هم الذين هاجروا الهجرة الأولى وهي هجرة إلى رسول الله (ص) في حصاره بمكة حين حاصرت قريش بني هاشم مع رسول الله (ص) في شعب عبد المطلب أربع سنين والأمة مجمعة على أن أبا بكر وعمر لم يكونا معهم في ذلك الموطن فكيف يدعون بالباطل لهما إنهما من المهاجرين الأولين
(٢٦٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 262 263 264 265 266 267 268 269 270 271 272 ... » »»