إحقاق الحق (الأصل) - الشهيد نور الله التستري - الصفحة ٤٦٨
كل واحد من الأربعة أنه زنى في زاوية من البيت غير الزوايا التي شهد بها أصحابه حد به استحسانا لا قياسا وقد خالف العقل لأن كل فعل يشهد به واحد مضاد لما شهد به أصحابه فلم يشهد الأربعة على فعل واحد وقال ذهب الإمامية أيضا لو شهدوا بزناء قديم لم يحد وقد خالف قوله تعالى الزانية والزاني فاجلدوا وقال ذهب الإمامية الإسلام شرط في الاحصان وهو خالف عموم قوله تعالى خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام والثيب بالثيب جلد مائة لا الرجم ورجم رسول الله (ص) يهوديين زنيا وقال ذهب الإمامية لا يرجم يهودي انتهى وقال الناصب خفضه الله أقول مذهب الشافعي إن الواحد من شهود الزنا إذا رجع فإن رجع قبل الرجم امتنع الرجم ويحد الراجع لا الثلاثة وإن رجع بعد القضاء والرجم لم يقتل الباقون ولم يحدوا ووجه ما ذهب إليه ذهب الإمامية أن الرجوع عن الشهادة كعدم الشهادة من الأصل فيحد الباقون وأما عدم إيجاب أبي حنيفة القود على الشاهد الراجع بعد الرجم فلأنه عنده ليس في حكم التعمد فلا يجب والقود بل في حكم شبه العمد وأما عدم إيجابه الحد على الشاهدين الذين شهدا بالزنا بالبصرة والشاهدين شهدا بالزنا بالكوفة فلأنهم أتوا بالشهداء الأربعة على أصل الفعل وإن اختلف المكان فسقط عنهم الحد وأما الشهود الذين شهدوا بالزنا كل واحد شهد بالزنا في زاوية من البيت فعند أبي حنيفة إن القياس عدم الحد لأنهم أتوا بالشهود بكمالهم ولكن يحدا استحسانا للاختلاف في الشهادة وأما ما ذكر إن كل فعل يشهد به واحد مضاد لما شهد به أصحابه فلم يشهد الأربعة بفعل واحد فالجواب من قبل أبي حنيفة إن الفعل واحد لأن الزناء والاختلاف في المكان وربما وقع لهم الغلط في تفسير المكان وهذا لا يوجب الغلط في الشهادة وأما ما ذكر إن أبا حنيفة يسقط الحد بالشهادة على زنا قديم فلعله عنده شبهة دارئة للحد وأما ما ذكر إن أبا حنيفة يسقط الحد من اليهود فلعله مبني على أن الكفار غير مكلف بالفروع وهذا على تقدير إن لم يرفعوا أمرهم على قضاة الإسلام انتهى وأقول لا يخفى أن ما ذكره أولا من أن الرجوع عن الشهادة كعدم الشهادة من الأصل غير مسلم وإنما يسلم ذلك في شهادة الراجع لا في شهادة الباقين الذين لم يرجعوا وثبتوا على شهادتهم وأما ما ذكره من أن الشاهد الراجع ليس عند أبي حنيفة في حكم العمد بل في حكم شبه العمد فمناف لما ذكر في تصوير المسألة من أن الشاهد الراجع قال إني تعمدت قتله فلا مجال لهذا التوجيه كما لا يخفى وأما ما ذكره من أن في الشاهدين بالزنا المختلفين في مكاني البصرة والكوفة أتوا بالشهداء الأربعة على أصل الفعل وإن اختلف المكان فسقط عنهم الحد فكلام ساقط جدا لأن الشهادة على أصل الفعل إن كان يكفي في تحقق شهادة الأربعة ودخولها تحت مدلول النص فقد وجب حد المشهود عليه مع أن أبا حنيفة لم يوجب حده أيضا وإن لم يكف ذلك في تحقق الشهادة المعتبرة في النص فوجب حد الشهود وبالجملة أن أحد الأمرين لازم لزوما لا سترة به وقد نفى أبو حنيفة كلا منهما فيكون خطأ وأما ما ذكره في مسألة الاختلاف في الزوايا من أنه يحد استحسانا للاختلاف في الشهادة ففيه أن مثل هذا الاختلاف المكاني حاصل فيما سبق من الاختلاف في البصرة والكوفة فلم لم يفصل أبو حنيفة هناك بإيجاب الحد استحسانا وعدمه قياسا بل قطع فيه بعدم وجوب الحد كما عرفت وهل هذا إلا تحكما ناشيا من عدم المبالاة بالعقل والنقل ولنعم ما قال الغزالي في أواخر كتاب المنحول في الأصول حيث قال وأما الفروج فإن أبا حنيفة مهد ذرايع اشهد أسقط الحد بها مثل الإجارة ونكاح الأمهات وزعم أنها دارئة للحد ومن يبغي البغاء بمؤمنة كيف يعجز عن استيجارها ثم يدقق نظره فيوجب الحد في مسألة شهود الزوايا زاعما أني تفطنت لدقيقة هي انزحافهم في زنية واحدة على الزوايا ثم قال لو شهد عليه أربعة عدول بالزنا فأقر مرة واحدة سقط الحد عنه ثم أوجب الحد في الوطي بالشبهة إذا صادف أجنبية في فراشه ظن أنها حليلته القديمة وأقل موجبات العقوبات ما تمحض تحريمها والذاهل المخطي لا يوصف فعله بالتحريم انتهى وأما ما ذكره من احتمال الغلط في تفسير الشهود للمكان فهو جار في الاختلاف في البصرة والكوفة مع تخلف حكمه فيه وأما ما ذكره من أن أبا حنيفة بنى إسقاط الحد من اليهود على أن الكافر غير مكلف بالفروع فقد مر مرارا أنه مهدوم وإذ قد دمرنا بحمد الله تعالى على أجوبة الناصب فلا بأس علينا في تذييله بما ذكره ابن حزم في إبطال ما قيل من أنه إذا رجع أحد الشهود يحدون جميعا حيث قال قال الله تعالى والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة وقال (ص) للقاذف البينة وإلا حد في ظهرك فصح يقينا لا مرية فيه بنص كلام الله تعالى وكلام رسوله (ص) أن الحد إنما هو على القاذف الرامي لا على الشهداء ولا على البينة وقد صح أن رسول الله (ص) قال إن دمائكم وأموالكم وأعراضكم وأبشاركم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا من شهركم هذا فبشر الشاهد حرام بيقين لا مرية فيه ولم يأت نص ولا قرآن ولا سنة صحيحة بجلد الشاهد في الزنا إذا لم يكن معه غيره وقد فرق القرآن والسنة بين الشاهد من البينة وبين القاذف الرامي فلا يحل البتة أن يكون لأحدهما حكم الآخر فهذا حكم القرآن والسنة الثابتة وأما الاجماع فإن الأمة كلها مجتمعة بلا خلاف من أحد على أن الشهود إذا شهدوا واحد بعد واحد فتموا عدد لا أربعة فإنه لا قذف وكذلك أجمعوا بلا خلاف من أحد منهم لو أن ألف عدل قذفوا امرأة ورجلا بالزنا مجتمعين أو متفرقين الحد عليهم كلهم حد القذف إن لم يأتوا بأربعة شهداء فإن جاؤوا بأربعة شهداء سقط الحد عن القذفة وأما المخالفون لنا في الجملة على الفرق بين حكم القاذف وبين حكم الشاهد وإن القاذف ليس شاهدا وإن الشاهد ليس قاذفا فقد صح الاجماع على هذا بلا شك وصح اليقين ببطلان قول من قال بأن يحد الشاهد والشاهدان والثلاثة إذا لم يتموا أربعة لأنهم ليسوا قذفة ولا لهم حكم القاذف وهذا هو الاجماع حقا الذي لا يجوز خلافه وأما طريق النظر فنقول وبالله التوفيق إنه لو كان ما قالوا لما صحت في الزنا شهادة أبدا لأنه كان الشاهد الواحد إذا شهد بالزنا صار قاذفا عليه الحد على أصلهم فإذ قد صار قاذفا فليس شاهدا فإذا شهد الثاني فكذلك أيضا يصير قاذفا وهذا فاسد كما ترى وخلاف للقرآن في إيجاب الحكم بالشهادة بالزنا وخلاف السنة الثابتة بوجوب قبول البينة في الزنا وخلاف الاجماع المتيقن بقبول الشهادة في الزنا وخلاف الحس والمشاهدة في أن الشاهد ليس قاذفا والقاذف ليس شاهدا وأيضا فنقول لهم أخبرونا عن الشاهد إذا شهد على آخر بالزنا وهو عدل ماذا هو الآن عندكم أشاهد أم قاذف أم لا شاهد ولا قاذف ولا سبيل إلى قسم
(٤٦٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 463 464 465 466 467 468 469 470 471 472 473 ... » »»