إحقاق الحق (الأصل) - الشهيد نور الله التستري - الصفحة ٤٧٩
في نقل الأقوال وخصوص بناها من إطلاقها وتقييدها خطأ غير مغفور عند الله تعالى وإن أراد به السؤال عن المجتهد فهب أن يكون الأخذ عنه علما بالحكم والحكم بما استفيد عنه حكما بما أنزل الله تعالى لكن أبا حنيفة لم يقتصر على تجويز قضاء السائل عن المجتهد في الأحكام بل جوز قضاء السايل عن بعض المقلدين المطلعين على ظواهر أقوال المجتهدين وقضاء المقلد الذي كان بنفسه مطلعا على ذلك وشناعة لزوم الحكم بغير ما أنزل الله متوجها في هذين القسمين كما لا يخفى قال المصنف رفع الله درجته ب ذهبت الإمامية إلى أنه لا يجوز أن يتولى المرأة القضاء وقال أبو حنيفة يجوز وقد خالف قوله (ع) أخروهن من حيث أخرهن الله تعالى ومن ولاها القضاء قدمها وأخر الرجال ولأن سماع صوتها حرام ولأنه يخاف منه الافتتان وهو يمنع القضاء انتهى وقال الناصب خفضه الله أقول مذهب الشافعي أنه لا يجوز قضاء المرأة ووجه ما ذهب إليه أبو حنيفة إن صح أن الغرض من القضاء تنفيذ الأحكام وهذا يحصل من النساء والتأخير الذي في الحديث محمول على تنزيل رتبتهن عن رتبة الرجل في ساير الأحوال والمحذور من سماع الصوت مدفوع بالجواز عند الضرورة عنده انتهى وأقول إذا اعترف الناصب بأن التأخير الذي في الحديث محمول على تنزيل رتبتهن عن رتبة الرجل في ساير الأحوال فقد اعترف بعدم جواز القضاء لهن لأن من جملة الأحوال ارتكاب منصب القضاء ولا ريب في أن رتبة القاضي أعلى من رتبة غيره من الرعية فيلزم من تفويض القضاء إليها أعلا رتبتها عن رتبة غيرها من الرجال ولعله لو استدل على ذلك بقوله تعالى يا ليتها كانت القاضية لكان أولى فافهم وأما ما ذكره من أن المحذور من سماع الصوت مدفوع بالجواز عند الضرورة عنده ففيه أن أبا حنيفة حكم بجواز ذلك مطلقا ولم يقيده بحال الضرورة فالتوجيه بالتقييد المذكور توجيه بما لا يرضى به صاحبه كما لا يخفى قال المصنف رفع الله درجته ج وقال أبو حنيفة إذا أخطأ القاضي فحكم بما يخالف الكتاب والسنة لم ينقض حكمه وقد خالف قوله تعالى ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون وقال (ع) من أدخل في ديننا ما ليس منه فهو رد وقال (ع) ردوا الجهات إلى السنن وهذه جهالة مع أن أبا حنيفة ناقض قوله لأنه قال لو حكم بجواز بيع ما ترك التسمية على ذبحه عامدا نقض حكمه لأنه حكم بجواز بيع الميتة انتهى وقال الناصب خفضه الله أقول مذهب الشافعي إن القاضي إذا حكم ثم بان له الخطأ فيه فله حالان أحدهما أن يتبين له أنه خالف قطعيا كنص كتاب أو سنة متواترة أو إجماع أو ظنا محكما بخبر الواحد أو بالقياس الجلي فيلزمه النقض الثاني أن يتبين له بقياس خفي رآه أرجح مما حكم فيحكم فيما يحدث بعد ذلك به ولا ينقض ما حكم به أولا وما ينقض به قضاء نفسه ينقض به قضاء غيره وما لا فلا يتبع قضاء غيره وإنما ينقضه إذا رفع إليه ووجه ما ذهب إليه أبو حنيفة أن الحكم عنده لا يقبل النقض وهذا بعيد جدا انتهى وأقول اعتراف الناصب المتعسف المتعنت بأن ما ذهب إليه أبو حنيفة ههنا بعيد جدا بعيد منه جدا قال المصنف رفع الله درجته د ذهبت الإمامية إلى أن للقاضي أن يحكم بعلمه وقال الفقهاء لا يقضي بعلمه إلا أن أبا حنيفة قال إن علم بذلك في موضع ولايته قبل التولية أو بعدها حكم وإن علم في غير موضع ولايته قبل التولية أو بعدها لم يقض وقد خالفوا بذلك قول الله تعالى فاحكم بين الناس بالحق وقوله فإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط ولأن الشهادة يثمر الظن والعلم يقيني فيكون العمل به أولى وأيضا يلزم إما فسق الحاكم أو إيقاف الأحكام لأن الرجل إذا طلق زوجته ثلاثا بحضرة الحاكم ثم جحد الطلاق كان القول قوله مع يمينه فإن حكم بغير علمه واستحلف الزوج وسلمها إليه فسق لأنها عليه حرام وإن لم يحكم وقف الحكم وهكذا إذا أعتق أو غصب بحضرته ثم جحد ولأنه لو شهد عنده عدلان بخلاف ما يعلمه أن عمل بها كان حكما بالباطل وأن عمل بما يعلمه ثبت المطلوب انتهى وقال الناصب خفضه الله أقول مذهب الشافعي أنه يجوز للقاضي أن يقضي بعلمه في غير حدود الله تعالى لأنها مبنية على المسامحة والدر بالشبهات سواء كان في المال أو القصاص أو النكاح أو الطلاق وسواء كان علمه في زمان ولايته و مكانها أو في غيرهما وفي لو أقر رجل في مجلسه فقضى بالخروج فهو قضاء بالإقرار لا بالعلم ولو أقر عنده سرا فهو قضاء بالعلم ولا يجوز للقاضي أن يقضي بخلاف علمه وإن شهد الشهود به ولا يعلمه فظهر أن ما نسب إلى الفقهاء من عدم جواز القضاء بالعلم باطل وافتراء وأما ما استدل به على جواز القضاء بالعلم من الوجوه فكلها مختلة المقدمات ولكن لما كان من باب إقامة الدليل على غير محل النزاع ليس لنا التعرض لها وهو ظاهر على المتأمل وأقول قال بعض المتأخرين من أصحاب الشافعي أن للشافعي في هذه المسألة قولان ففي أحدهما وهو اختيار المزني واختيار حجة الإسلام في خلاصة المختصر أنه يقضى به وبه قال أبو حنيفة في الأموال خاصة ووجه هذا القول إنه لما جاز للقاضي أن يحكم بشهادة الشهود وهو من قولهم على ظن وتخمين فلا يجوز بما رآه أو سمعه وهو منه على علم ويقين كان أولى القول الثاني وهو مذهب ابن أبي ليلى واختيار حجة الإسلام في الوجيز أنه يجوز لا يقضي بعلمه لأنه يتعرض للتهمة إلى آخره وحينئذ نقول إن نظر المصنف ههنا إلى القول الثاني الذي اختاره حجة الإسلام مذهبه فلا افتراء وإن لم يصدق فعليه بالوجيز أو العزيز ثم غاية ما يلزم من كون مذهب الشافعي ما ذكره أن لا يكون نسبة المصنف للفتوى إلى جميع الفقهاء صحيحا لا أن يكون نسبة ذلك إلى من عدا الشافعي أيضا غير صحيح فيبقى الاعتراض على غير الشافعي منهم وارد كما لا يخفى ثم فيما ذكره من أن الحدود مبنية على المسامحة محل بحث والدر بالشبهات فيها لا يدل على ذلك فتأمل ثم لا يخفى أن المصنف لم يتعرض لما يختص بمذهب أبي حنيفة من الفساد لظهور فساده وذلك لأن العلم لا يختلف باختلاف الزمان والمكان فلا يختلف الحكم فتأمل قال المصنف رفع الله درجته ه‍ ذهبت الإمامية إلى أن حكم الحاكم تبع لشهادة الشاهدين فإن كانا صادقين كان حكمه صحيحا ظاهرا أو باطنا أبو حنيفة إن حكم بعقد أو رفعه أو فسخه وقع حكمه صحيحا باطنا وظاهرا فمنه في إثبات العقد إذا ادعى زوجية امرأة فأنكرت فأقام شاهدين شهدا بالزوجية حكم بها له وحلت له باطنا وظاهر وإن كان لها زوج بانت منه بذلك وحرمت عليه وحلت للمحكوم له ومنه في رفع العقد إذا ادعت إن زوجها طلقها ثلاثا وأقامت شاهدين فحكم بذلك بانت منه باطنا وظاهرا وحلت لكل واحد من الشاهدين أن يتزوج بها وإن كانا يشهدان
(٤٧٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 470 471 472 473 474 475 476 477 478 479 480 » »»