إحقاق الحق (الأصل) - الشهيد نور الله التستري - الصفحة ٤٦٥
أما ما ذكره الناصب من أن القاتل بذحل؟ الجاهلية حكمه أيضا حكم من قتل في الحرم مبتدأ في أنه داخل تحت القاتل غير قاتله فلم خصص الأول بالدخول تحت ذلك دون الثاني فساقط جدا لأن وجه تخصيص الأول بالذكر إنما كان لتوقف استلزام دليله لمطلوبه على ظهور أن المراد بالقتل في الحرم القتل قود إلا مبتدأ وعدم توقفه على بيان أن القاتل بذحل الجاهلية أيضا كذلك أولى وهذا ظاهر على أدنى محصل وقد خفي على الناصب لغباوته قال المصنف رفع الله درجته ز ذهبت الإمامية إلى أن في الأذنين الدية وقال مالك حكومة وقد خالف قول النبي (ص) في كتاب عمرو بن حزم وفي الأذنين الدية انتهى وقال الناصب خفضه الله أقول مذهب الشافعي أن في قتل الأذنين كمال الدية ولعل مالكا لم يصحح الحديث انتهى وأقول صحيفة ابن حزم مشهورة بين أهل السنة والشيعة لا يمكن لمالك إنكار صحته ويوافقها ما رواه علي بن حزم الأندلسي في كتاب المحلى من حديث مكحول في الأذنين الدية وقد روى أيضا في ذلك عمل كثير من الصحابة ثم قال وعهدنا بالمالكين يعظمون خلاف الصاحب إذا وافق تقليدهم وهم ههنا قد خالفوا أبا بكر وعمر وعلي بن أبي طالب وابن مسعود وزيد بن ثابت ونقضوا أصولهم انتهى قال المصنف رفع الله درجته ح ذهبت الإمامية إلى أنه إذا جنى على نفسه خطأ كانت هدرا وقال أحمد لو قطع يد نفسه كانت لورثته مطالبة العاقلة بديته وقد خالف الاجماع والعقل الدال على أصالة البراءة وإن الجناية لا يوجب أخذ مال للجاني انتهى وقال الناصب خفضه الله أقول مذهب الشافعي أنه لو جنى على نفسه عمدا أو خطأ فليس له مطالبة ويكون هدرا ولو صح ما ذهب إليه أحمد فلعله ذهب إلى ظاهر تغريم العاقلة في الخطأ سواء كان الجناية من الجاني أو غيره انتهى وأقول لا ظاهر لغرامة العاقلة في ذلك وإنما الظاهر بل اليقين أن الغرامة على جاهل أفتى بمثل ذلك مع ظهور بطلانه قال المصنف رفع الله درجته ط ذهبت الإمامية إلى أنه لا يجب الكفارة بقتل الذمي خلافا للأربعة وقد خالفوا العقل و النقل من أصالة البراءة وكتاب الله حيث قال وإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة انتهى وقال الناصب خفضه الله أقول مذهب الشافعي أنه يجب الكفارة بقتل كل معصوم الدم بإيمان أو أمان فيجب على من قتل صبيا أو مجنونا أو جنينا أو ذميا أو معاهدا أو عبدهما يجب على السيد بقتل عبده ولا يجب بقتل حربي ومرتد وقاطع الطريق وزان محصن وتارك الصلاة على من يهدران في حقه والدليل على أنه يجب الكفارة بقتل معصوم الدم إن الكفارة لتكفير الخطيئة بقتل من عصم الله دمه والذمي والمعاهد كذلك فيجب الكفارة بقتلهما والاستدلال بالآية غير صحيح لأن الآية أوجبت الكفارة في قتل المؤمن ولا يمنع الكفارة بقتل الذمي والمفهوم غير معمول به للدليل القايم على وجوب الكفارة في قتل معصوم الدم انتهى وأقول فيه نظر أما أولا فلأنه إن أراد بقوله الذمي والمعاهد معصوم الدم إن عصمة دمهما على حد عصمة دم المؤمن فهو ممنوع كيف وقد سبق وفاقا من الشافعي وأكثر الجمهور إن الذمي يقتل بالمؤمن والمؤمن لا يقتل بالذمي وإن أراد أنه معصوم الدم في الجملة فهذا لا يقتضي أن يكون وجوب الكفارة في قتله كوجوبها في قتل المؤمن وأما ثانيا فلأن ما ذكره من أن الآية أوجبت الكفارة بقتل المؤمن ولا تمنع الكفارة بقتل الذمي والمفهوم غير معمول به مردود بأن الآية مع قطع النظر عن العمل بالمفهوم تمنع عن الكفارة بقتل الذمي لأن قوله تعالى وهو مؤمن جملة حالية وقعت قيدا للحكم وتعليلا له فإذا كان وجوب الكفارة في الآية مقيدا معللا بإيمان المقتول وهذه العلة مفقودة في الذمي لم يكن الكفارة واجبة في قتله كما ادعاه المصنف قدس سره قال المصنف رفع الله درجته ى ذهبت الإمامية إلى أنه إذا قتل أسير في أيدي الكفار وهو مؤمن وجب فيه الدية والكفارة سواء قصده بعينه أو لم يقصده وقال أبو حنيفة لا ضمان عليه وقال الشافعي إن قصده بعينه فعليه الدية والكفارة دون الدية وقد خالفا قوله تعالى ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله و قوله (ع) في النفس مائة من الإبل انتهى وقال الناصب خفضه الله أقول مذهب الشافعي أنه يجب على من قتل مسلما في دار الحرب لظنه كافرا لزمه الكفارة وعلى من قتل مسلما ثم في ثياب ولم يعرفه ولا قصاص ولا دية في الصورتين والدليل عليه أن القاتل لم يقتل مسلما لقصد كونه مسلما لأنه كان في زي الكفار فهو تيقن إنه قتل كافرا فلا دية ويجب الكفارة لأنه قتل معصوم الدم في الواقع والآية واردة في شأن من قتل مسلما في دار الإسلام لأنها نزلت في عباس بن أبي ربيعة حين قتل حارث بن زيد بن أبي أنيسة في المدينة بزعم أنه كافر فإن الأصل في دار الإسلام أن ساكنه مسلم بخلاف دار الحرب فلا حجة له من الآية وأما الحديث ففي النفس التي تكون في دار الإسلام أو تكون في دار الكفر وعليه زي الكفار انتهى وأقول لا يخفى أن الآية عامة شاملة لكل مؤمن مقتول وما ذكره الناصب في شأن نزولها على تقدير تسليم صحته لا يدفع العموم لما تقرر في الأصول من أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب وكذا الكلام في الحديث المذكور وأما ما ذكره قبح الله وجهه في وجه ما ذهب إليه أبو حنيفة فليس بمتجه لأن فرض المسألة أن المقتول كان أسيرا في أيدي الكفار فكان رعاية لزي الكفار لازما له من غير اختيار فأين التقصير الموجب لكون دمه هدرا ويظهر من هذا الفتوى وأمثاله إن أبا حنيفة كان يفتي بمجرد استحسان طبعه من غير ركون إلى عقل ونقل بل ولا قياس والذي يوضح ذلك ما نقله عنه ابن حزم في هذا الباب حيث قال قال أبو حنيفة وأصحابه إذا كانت جماعة من أهل العدل في عسكر الخوارج وأهل البغي فقتل بعضهم بعضا أو أخذ بعضهم مال بعض عمدا فلا شئ في ذلك ولا قود ولا دية غلب أهل الجماعة والإمام العدل عليهم بعد ذلك أو لم يغلبوا ثم قال في رده ما لهذا القول جواب إلا أنه حكم إبليس ووالله ما ندري كيف انشرحت نفس مسلم لاعتقاد هذا القول المعاند لله تعالى ولرسوله (ع) وكيف انطلقت لسان مؤمن يدري أن الله تعالى أمر وناه بهذا القول السخيف ونسئل الله عافية شاملة كان أصحاب هذا القول لم يسمعوا ما أنزل الله تعالى من وجوب القصاص في النفوس والجراح ومن تحريم الأموال في القرآن على لسان رسول الله (ص) وهذا قول لا نعلم فيه لأبي حنيفة سلف إلا من صاحب ولا من تابع ونبر إلى الله تعالى من هذا القول انتهى قال المصنف رفع الله درجته يا ذهبت الإمامية إلى أن الحلبي إذا لم يكن لها زوج وأنكرت أن يكون حملها من زنا فإنها لا تحد وقال مالك عليها الحد وقد خالف العقل وهو أصالة البراءة وصحة تصرف المسلم وأصالة عدم الزنا والنقل وقوله (ع) ادرؤوا الحدود بالشبهات
(٤٦٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 460 461 462 463 464 465 466 467 468 469 470 ... » »»