إحقاق الحق (الأصل) - الشهيد نور الله التستري - الصفحة ٤٧٢
ولا حد فيه وإن أسكر وقد خالف قول النبي (ص) إن من العنب خمرا وإن من التمر خمرا وإن من العسل خمرا وإن من البر خمرا وإن من الشعير خمرا وقال (ع) كل مسكر حرام وقال كل مسكر خمر وكل خمر حرام انتهى وقال الناصب خفضه الله أقول مذهب الشافعي أنه إذا اجتمعت الحدود يستوفى كل واحد على الترتيب ولا يجزي القتل عن الكل ووجه ما ذهب إليه أبو حنيفة أن القتل يستجمع جميع العقوبات فيحصل فيه الكل ولا مخالفة للآيات لأن الآيات تدل على وجوب الاستيفاء فمن أسقط وجوب الاستيفاء فهو مخالف للآية ومن أوجب الاستيفاء واختار الطريق في الاستيفاء فلا يكون محالفا للآيات وأبو حنيفة يجعل القتل طريقا في وجوب الاستيفاء فلا يخالف الآيات وأما ما ذكر من مذهب أبي حنيفة في الخمر فمذهبه أن الحرام بالنص هو الخمر والخمر هو المتخذ من العنب المشتد المسكر المزبد فهذا حقيقة الخمر عنده فما لم يزبد لا يكون خمرا ولا يحصل الاسكار قط بدون الازباد فالنزاع في حقيقة الخمر أنها ماذا وأما مذهبه في المثلث فإن عصير العنب عنده إذا طبخ حتى ذهب ثلثاه فهو مباح ما لم يبلغ حد الاسكار والدليل عليه عنده أنه شربه بعض الصحابة على غير حد السكر عنده السكر حرام لا المسكر وليس النزاع بيننا وبينه إلا في أن السكر حرام أو المسكر حرام فذهب أبو حنيفة إلى أن الخمر بعينه حرام بلا نزاع للنص وغير الخمر ما لم يبلغ حد الاسكار فهو مباح ولم يثبت عنده الأحاديث الدالة على خلاف هذا انتهى وأقول فقه المقام أنه إذا اجتمع على المكلف حدان فصاعدا فإن أمكن الجمع بينهما من غير منافاة كما لو زنى غير متحصن وقذف تخير المستوفي في البدأة وكذا لو سرق معها وإن تنافت بأن كان فيها قتل أو نفي وجب البداة بما لا يفوت جمعا بين الحقوق الواجب تحصيلها فيبدأ بالجلد قبل الرجم والقتل وبالقطع قبل القتل وهكذا وقد دل على وجوب مراعاة ذلك أيضا روايات كثيرة من طريق أهل البيت عليهم السلام وأما ما ذكره الناصب من الجواب فإنما نشأ من جهله بمعنى الاستيفاء واستيفائه كل سخيف من المعاني والأقوال وقد شنع ابن حزم أيضا على هذا المقال حيث قال وروي عن أبي حنيفة أنه لو زنى بامرأة ثم قتلها سقط عنه حد الزاني فما سمع بأعجب من هذه البلية أن يكون يزني فيلزمه الحد فإذا أضاف كبيرة إلى الزنا كبيرة القتل للنفس التي حرم الله تعالى سقط عنه حد الزاني ونبرأ إلى الله تعالى من ذلك ونحمده على السلامة منها كثيرا وبه نستعين انتهى ونظير هذا الفتوى من أبي حنيفة ما نقله ابن حزم عنه في هذا المقام من أنه قال من زنى بامرأة ثم تزوجها سقط الحد عنه وكذلك إذا زنى بأمة ثم اشتراها فتأمل وأما ما ذكره الناصب من أن حقيقة الخمر عند أبي حنيفة هو المتخذ من العنب إلى آخره فلا دليل عليه من الشرع ولا من اللغة بل حقيقة الخمر ما يخامر العقل بالسكر وهو أعم من العنبي وغيره ومن المشتد المزبد أو غيره وما ذكره من أنه لا يحصل الاسكار قط بل بدون الازباد كذب صريح حسما لمادة الفساد كما حرم الخلوة بالأجنبية لإفضائها إليه فتقييد إباحة المثلث بما إذا لم يبلغ شربه حد الاكثار المفضي إلى الاسكار فاسد لا يصلحه العطار وأما ما استدل به على إباحته من أنه شربه بعض الصحابة إلى غير حد السكر لا يصلح دليلا لأن من الصحابة من شرب الخمر الصريح إلى حد السكر كما رواه الزمخشري في كتاب ربيع الأبرار حيث قال أنزل الله تعالى في الخمر ثلاث آيات يسئلونك عن الخمر والميسر فكان المسلمون بين شارب وتارك إلى أن شربها رجل ودخل في صلاته فهجر فنزلت يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى فشربها من شربها من المسلمين حتى شربها عمر فأخذ لحى بعير فشج رأس عبد الرحمن بن عوف ثم قعد ينوح على قتلى بدر بشعر الأسود بن يعفر شعر وكأين بالقليب قليب بدر من الشرى المكلل بالسنام أيوعدنا ابن كبشة أن سنحيى وكيف حياة اهداء وهام أيعجز أن يرد الموت عني وينشرني إذا بليت عظامي ألا من مبلغ الرحمن عني بأني تارك شهر الصيام فقل لله يمنعني شرابي وقل لله يمنعني طعامي فبلغ ذلك رسول الله (ص) فخرج مغضبا يجر رداءه فرفع شيئا كان في يده ليضربه فقال أعوذ بالله من غضب الله وغضب رسول الله (ص) فأنزل الله تعالى إنما يريد الشيطان إلى قوله فهل أنتم منتهون فقال عمر انتهينا انتهى كلامه وأما ما ذكره من أنه ليس النزاع بيننا وبين أبي حنيفة إلا في أن السكر حرام أو المسكر حرام إلى آخره مدخول بما أوضحناه من تحريم قليل الخمر الذي لا يبلغ حد الاسكار حسما لمادة الفساد فافهم ولا يذهب عليك أن الناصب أغمض عن التعرض لما ذكره المصنف من أن أبا حنيفة ذهب إلى أن ما عمل من غير هاتين الشجرتين الكرم والنخل مثل العسل والشعير والحنطة والذرة كله مباح ولا حد فيه وإن أسكر وكأنه وفاق عن سكرته وتفطن بأن هذا مما لا يمكن دفع الفساد عنه كما أنه لا يمكن لأبي حنيفة بيان الفرق بين ما أخذ من الشجرتين وبين ما أخذ من غيرهما فتأمل قال المصنف رفع الله درجته كد وقال أبو حنيفة إذا تلف أهل الردة أموالا وأنفسا لم يضمنوا وهو خلاف قوله تعالى النفس بالنفس فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم وقال إن المشركين وقال إن المشركين إذا قهروا المسلمين وأخذوا أموالهم ملكوها بالقهر فإن عاد المسلمون غنموها فإن وجد صاحب العين عينه قبل القسمة أخذها بغير شئ وإن وجدها بعد القسمة أخذها بالقيمة ولو أسلم الكافر على تلك العين كان أحق بها من صاحبها وقد خالف قول الله تعالى ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وقول (ع) لا يحل مال امرء مسلم إلا عن طيب نفس منه وهل يحل لأحد أن يقلد من يستبيح أموال المسلمين على المشركين بالقهر ويجعلها ملكا لهم ويصيرون بواسطة القتال المحرم عليهم مالكين وأحق بالملك من أربابه المسلمين مع أن المسلم لا يملك مال المسلم بالقهر والغلبة فكيف يملكه الكافر فإنه حينئذ يكون أكرم على الله تعالى من المسلم حيث ملكه أموال المسلمين إذا قاتلهم ولم يجعل ذلك المسلم فليتق الله من يؤمن بالله و اليوم الآخر أن يجعل مثل هذا القايل واسطة بينه وبين الله تعالى ويحتج به عليه في الآخرة ويعتذر عند الله تعالى بأني قلدت مثل هذا الرجل في هذا الفتوى المعلوم بطلانها لكل أحد انتهى وقال الناصب خفضه الله أقول مذهب الشافعي أن المرتد يلزمه ضمان ما أتلف ووجه ما ذهب إليه أبو حنيفة أنه كالكافر الأصلي لشمول حكم الكفر له فلا يضمن والآية ليست بحجة عليه لأنها واردة في شأن المسلمين المسلمين الملتزمين لأحكام الشرع والكفار ليسوا كذلك وحقيقة المسألة الثانية عند أبي حنيفة أن الكفار إذا نقلوا أموال المسلمين إلى بلاد الكفر يملكون تلك الأموال لأن العصمة ارتفعت عن تلك الأموال بالنقل
(٤٧٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 467 468 469 470 471 472 473 474 475 476 477 ... » »»