إحقاق الحق (الأصل) - الشهيد نور الله التستري - الصفحة ٤٧٣
إلى بلاد الكفر ويصير ملكا لهم فإذا رجع تلك الأموال بالغنيمة يحكم عليها بحكم الغنايم والآية لا يصير حجة عليه لأنه لا يقول إن ذلك المال مال المسلم حتى لا يكون حلالا بعد الغنيمة على الكافر إذا أسلم عليه بل يقول إنه صار ملكا للكفار وبدخولها في بلاد الكفر لارتفاع العصمة فلا حجة عليه من الآية والحديث وهذا ليس استباحة لمال المسلم حتى يطول عليه التشنيع ويصقع ويتحير ويمنع تقليده ويتعجب من حال من يقلده فإن هذه أمور اجتهادية ليست بخارجة عن قوانين الاجتهاد فإن أبا حنيفة لا يقول باستباحة مال المسلم بل الكلام في أن المال المنقول إلى دار الكفر هل يرتفع باستيلاء الكفار عليه العصمة عنه أو لم يرتفع فذهب الشافعي ومن تابعه بعدم ارتفاع العصمة لأن دخول المال إلى دار الكفر قهر لا يوجب ارتفاع العصمة عنه لأن الله تعالى لم يجعل للكافرين على المؤمنين سبيلا وذهب أبو حنيفة ومن تابعه إلى ارتفاع العصمة عنه بالدخول لأن مال المسلم معصوم بكونه في دار الإسلام فإذا استولى عليه الكافر ارتفع العصمة بالنقل وله على هذا المطلب دلايل قوية متقنة مذكورة في كتب مذهبه سيما في الهداية وأمثال هذا من باب الاجتهادات وإن فرضنا وقوع الخطأ منه في هذه المسألة فهو مجتهد والمجتهد لا يخلو عن الخطأ فكيف يحكم على استحالة تقليده ويزعق ويضطرب وكل هذا ليس إلا للجهل بمسالك الدين انتهى وأقول فيه نظر من وجوه الأول إن قياس المرتد إلى الكافر الأصلي في عدم كونه مكلفا بالفروع مع أن حكم الأصل ممنوع أيضا بما سبق في مباحث أصول الفقه مردود بأنه قياس مع الفارق لاختلافهما في كثير من الأحكام المذكورة في الفقه منها سقوط الذنب الذي على الكافر الأصلي بعد إسلامه بخلاف المرتد ولم يتفطن أبو حنيفة لهذا الفرق مع ظهوره من قوله تعالى قل للذين كفروا أن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف ولهذا قال الفاضل التفتازاني في تفسير سورة الأنفال من حاشيته على الكشاف أن في غاية الضعف ما احتج أبو حنيفة بقوله تعالى قل للذين كفروا أن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف على أن من عصى طول العمر ثم ارتد ثم أسلم لم يبق عليه ذنب لأن المراد الكفر الأصلي انتهى وأما ما أورده عله الجامد البليد القهستاني في شرح مختصر الوقاية بأنا لا نسلم أن المراد الكفر الأصلي لأن وضع الفعل للتجدد فالمعنى للذين حدث منهم الكفر كقوله تعالى ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فإن المعنى الذين وجد منهم الظلم على ما ذكره الزمخشري وغيره انتهى فساقط جدا أما أولا فلأن أبا حنيفة مستدل بالآية والفاضل التفتازاني مانع فما أورده البليد من المنع يكون منعا على المنع وهو خارج عن الآداب وأما ثانيا فلأنه إن أراد بالتجدد الوجود والحدوث كما يدل عليه قوله فالمعنى للذين حدث منهم الكفر إلى آخره فلا يجديه نفعا لأن الكفر الأصلي أيضا موجود حادث وإن أراد به الحدوث شيئا فشيئا فمع أن الكفر الأصلي والارتداد سيان في ذلك أيضا مردود بأن التجدد بهذا المعنى ليس بمعتبر في مفهوم الفعل وإنما يفهم ذلك في الفعل المضارع من خصوص الحدث واقتضاء المقام كما حقق في موضعه فظهر أنهم لو اتقوا الله تعالى ولم يحكموا بمال المسلم للكافر الجاحد والغاصب الفاسق إذ يقولون إن كراء الدور المغصوبة للغاصب حلال له لكان أولى بهم من التشريع في دين الله تعالى بآرائهم المنتنة التي لا تساوي رجيع كلب الثاني إن أصل ما نقله الناصب عن أبي حنيفة من أن الكفار إذا استولوا على المسلمين ونقلوا أموالهم إلى بلاد الكفر يملكون تلك الأموال مبني على قياس ذلك بما أجمع المسلمون عليه من أن المسلمين إذا غلبوا على الكفار وأخذوا أموالهم يملكونها ويبطله أن استيلاؤهم على أموال المسلمين وأخذها عدوان محض كما يدل عليه قوله تعالى لم يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا فلا يثبت الملك فيما أخذوه منا وبالجملة استيلاءهم علينا محظور ابتدأ وانتهاء والمحظور لا ينتهض سببا للملك كما مر تحقيقه الثالث إن ما قاله من أن لأبي حنيفة على هذا المطلب دلائل قوية متقنة مذكورة في كتب مذهبه سيما في الهداية إلى مدخول بأن أول ما فيه أنه لو كان له أدلة كذلك فالويل على إمامه الشافعي وأتباعه الذين خالفوا أبا حنيفة في ذلك مع ما له من الأدلة المتقنة على مطلوبه فالظاهر أن وصفه إياها بذلك قد وقع على حد ما اشتهر من وصف فخر الدين الرازي ملاحدة الموت بأن لهم برهانا قاطعا خوفا منهم فإن الناصب قد ألف هذا الجرح حين كان في ديار الحنفية مما وراء النهر بل بمشاركتهم وليس خوف الشافعية منهم هناك بأقل من من خوف الشيعة منهم فقط حكى في المشهور أن سلطان تلك الناحية فوض قضاء بعض القرى إلى رجل فقتله أهاليها بعد زمان قليل ولما اعترضوا عليهم بذلك أجابوا بأنه قد خرج شافعيا ثم ما أشار إليه من الأدلة المتعددة له على ذلك كذب صريح يظهر لمن تتبع كتبهم وإنما المذكور في الهداية وغيره دليل واحد أوهن من بيت العنكبوت وأضعف من شبهات ملاحدة الموت فلنذكره حتى يظهر حقيقة الحال ويتضح سريرة المقال فنقول قال في الهداية في باب استيلاء الكفار إذا غلبوا أي الكفار على أموالنا وأحرزوها بدارهم ملكوها وقال الشافعي لا يملكونها لأن الاستيلاء محظور ابتدأ وانتهاء والمحظور لا ينتهض دليلا للملك على ما عرف من قاعدة الخصم ولنا أن الاستيلاء ورد على مال مباح فينعقد سببا للملك دفعا لحاجة المكلف كاستيلائنا على أموالهم وهذا لأن العصمة تثبت على منافاة الدليل ضرورة تمكن المالك من الانتفاع وإذا زالت المكنة عاد مباحا كما كان غير أن الاستيلاء لا يتحقق إلا بالإحراز بالدار لأنه عبارة عن الاقتدار على المحل حالا ومالا والمحظور لغيره إذا صلح سببا لكرامة تفوق الملك وهو الثواب الأجل فما ظنك بالملك العاجل انتهى ووهنه ظاهر أما أولا فلأن كون ورود الاستيلاء فيما نحن فيه على مال مباح؟؟؟ قوله لأن العصمة يثبت على منافاة الدليل قلنا هذا لا يصلح دليلا لذلك لأن حاصله على ما في العناية والكفاية أن العصمة في المال لكل من يثبت له من المسلم والكافر إنما يثبت على خلاف الدليل فإن الدليل وهو قوله تعالى وهو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا يقتضي أن لا يكون المال معصوما للأخذ وإنما يثبت العصمة لمن خص هو به بسبب من الأسباب بشراء أو إرث أو غيرهما لضرورة تمكن المالك من الانتفاع به إذ لو لم يكن هو مخصوصا بالعصمة نازعه آخر في الانتفاع فإذا زالت المكنة بالاستيلاء عاد مباحا كما كان فصار بمنزلة الصيد والحشيش انتهى وفيه أن الآية إنما تقوم دليلا على أصالة الإباحة لو كان اللام في قوله تعالى خلق لكم للنفع ولم لا يجوز أن يكون للضرر كخلق السموم بأن يرغب العبد في التصرف فيها في التصرف بدون إذنه تعالى فيقع في ضرر العقاب ولو سلم فلا يدل
(٤٧٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 468 469 470 471 472 473 474 475 476 477 478 ... » »»