إحقاق الحق (الأصل) - الشهيد نور الله التستري - الصفحة ٤٧٠
بما لم يكن فيه شبهة فمن رد الحد بالشبهة فلا مخالفة فيه لكتاب الله تعالى ثم إن تعيين الشبهة أمر يرجع إلى الاجتهاد وأبو حنيفة مجتهد وحكم اجتهاده بأن الأمور المذكورة شبهة يمكن در الحد بها فلا اعتراض على انتهى وأقول فيه نظر أما أولا فلأن ما ذكره من إهمال المصنف رفع الله درجته بعض القيود في المسائل المذكورة وتحريف في بعضها كذب نشأ من عدم تقييده بالدين وانحرافه عن جادة الصدق واليقين ولو كان شئ من ذلك لأظهره الناصب وأبرق به وارعد وملك به رقاب الحنفية يرشد إلى ما ذكرناه قول الناصب ههنا وقد ذكرها أئمة الشافعية في كتبهم واعترضوا عليها إلى آخره إذ الظاهر من ذلك عدم تلك القيود أو عدم تأثيرها في دفع الاعتراض عنهم فوجودها وعدمها سواء وإلا لكان اعتراضات الشافعية مدفوعة عنهم أيضا وكذا يرشد إليه ما سيذكره بعد ذلك من أن أكثر تلك المسائل يرجع إلى شئ واحد وهو أن في كل واحد مما لم يوجب أبو حنيفة القطع شبهة دارئة للحد إلى آخره فإن هذا الرجوع يدل على عدم القيود الدافعة للاعتراض وإنما الدافع لها التمسك بأن الحدود تدرأ بالشبهات فلا لوم على المصنف قدس سره لو ترك بعض القيود المستدركة القاصرة عن دفع التشنيع والاعتراض وأما ثانيا فلتوجه المنع على صحة ما ذكره من الحديث ولهذا قد اختلفوا في أن الحدود تدرأ بالشبهات قال ابن حزم ذهب أصحابنا إلى أن الحدود لا تحل أن تدرأ بشبهة ولا أن يقام بشبهة وإنما هو الحق لله تعالى ولا مزيد فإن لم يثبت الحد لم يحل أن يقام بشبهة لقول رسول الله (ص) إن دمائكم وأموالكم وأعراضكم وأبشاركم عليكم حرام وإذا ثبت الحد لم يحل أن يدرأ بشبهة لقول الله تعالى تلك حدود الله فلا تعتدوها وما تمسك به المخالف في ذلك من طرق ليس فيها نقل عن النبي (ص) ولا كلمة وإنما هي عن بعض الصحابة من طرق كلها لا خير فيها هذا ما قصدنا ذكره من كلامه وقد فصل في بيان ضعف تلك الطرق بما لا يسعه المقام ثم لا شبهة في أن ما سماه أبو حنيفة شبهة دارئة للحد في بعض تلك المسائل محض اشتباه وجهل له بمعنى الشبهة بحيث لا يكاد أن يقع مثله عن كوادن العوام فضلا عمن يدعي الوصول إلى درجة استنباط الأحكام فمع وجود ذلك الخلاف الذي لا يمكن لأبي حنيفة التفصي عنه ووقوعه في مثل ذلك الاشتباه الذي لا يليق بأرباب الانتباه كيف يندفع عنه الاعتراض ولا يكون مذهبه حقيقا بالاعتراض وبالجملة من حكم اجتهاده بأن الأمور المذكورة شبهة يحكم عليه بأنه لم يبلغ درجة الاجتهاد وهو معترض في ادعائه ذلك من الله تعالى ورسوله وساير العباد ثم أي شبهة واشتباه يتصور في سارقية من سرق المصحف ونحو سيما إذا كانت عليه حلية فضة تزن مائتي درهم أو أكثر أو أقل قال ابن حزم احتج من لم ير القطع فيه بأن للسارق فيه حق التعليم لأنه ليس له منعه عمن احتاج قال فلما كان له فيه حق كان كمن سرق من بيت المال وقال الفضة تبع لأنها تدخل في بيعه كما تدخل الجلد والدفتان وهذا كلام في غاية الفساد والبطلان لأن حق المتعلم في التلقين فقط لا في مصحف الناس إذ لم يوجبه قرآن ولا سنة ولا إجماع وأما فرض الناس تعليم بعضهم بعضا القرآن تدريسا وتحفيظا وهكذا كان جميع الصحابة (رض) في عهد رسول الله بلا خلاف من أحد أنه لم يكن هناك مصحف وإنما كانوا يتلقونه بعضهم ويقرئه بعضهم بعضا فمن احتاج منهم أن يقيد ما حفظ في كتب الأديم واللحا؟ والألواح والأكتاف فبطل قولهم إن للسارق حقا في المصحف وصح أن لصاحب المصحف منعه من كل أحد وأما مسألة سرقة أحد الزوجين من الآخر فقد احتجوا فيه بما رواه ابن حزم بإسناده إلى ابن عمر عن النبي (ص) أنه قال كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته فالأمير الذي على ناس راع وهو مسؤول عن رعيته والرجل راع على أهل بيته وهو مسؤول عنهم والمرة راعية على بيت بعلها وولدها وهي مسؤولة عنهم والعبد راع على مال سيده وهو مسؤول ألا كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته وروى روايات أخر في معنى ذلك ثم قال وكل هذا لا حجة لهم فيه أصلا وأما الخبر المذكور فحق واجب لا يحل تعديه وهو أعظم حجة عليهم لأنه (ع) أخبر أن كل من ذكرنا راع فيما ذكروا أنهم مسؤولون عما استرجعوا من ذلك فإذ هم مسؤولون عن ذلك فبيقين يدري كل مسلم أنهم لم يبح لهم السرقة والخيانة فيما استرعوه وأسلم إليهم وأنهم في ذلك كالأجنبيين ولا بد فهذا حكم هذا الخبر على الحقيقة وأيضا فإنهم لا يختلفون إن على من ذكرنا في الخيانة ما على الأجنبيين من إلزام رد ما ؟؟؟ ضمانه وهم أهل قياس بزعمهم فهلا قاسوا ما اختلف فيه من السرقة والقطع فيها على ما اتفق عليه من حكم الخيانة ولكنهم قد قلنا إنهم لا النصوص اتبعوا ولا القياس أحسنوا وأيضا ليس في هذا الخبر دليلا أصلا على ترك القطع في السرقة هذا وما مسألة من سرق من ذي رحم محرم فاستدلوا في إسقاط القطع عن الأبوين في مال الولد إذا سرقه بقوله (ع) أنت ومالك لأبيك قالوا إنما أخذ ماله وقالوا لو قتل ابنه لم يقتل به ولو زنا بأمة ابنه لم يحد لذلك فكذلك إذا سرق من ماله قالوا وفرض عليه أن يعف أباه إذا احتاج إلى الناس فله في ماله حق بذلك وقالوا له في ماله أحق إذا احتاج إليه وكلف الإنفاق عليه وقالوا قال الله تعالى وبالوالدين إحسانا وقال تعالى أن أشكر لي ولوالديك قال تعالى ولا تقل لهما أف ولا تنهرهما إلى قوله تعالى كما ربياني صغيرا فليس قطع أيديهما فيما أخذ من ما له رحمة فهذا كل ما شغبوا به في ذلك لا حجة لهم فيه بل هو عليهم كما نبينه إن شاء الله تعالى وأما ما ذكروا من القرآن فحق إلا أنه لا يدل على ما ادعوا من إسقاط القطع فيما سرقوا من مال الولد ولا على إسقاط الجلد والرجم والتغريب إذا زنا بجارية الولد ولا على إسقاط القود إذا قذف الولد ولا على إسقاط المحاربة إذا أخذ الطريق عليه أما قوله تعالى وبالوالدين إحسانا فإن الله تعالى أوجب الاحسان إليهما كما أوجبه علينا أيضا لغيرنا قال الله تعالى وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل فإن كانت مقدمة الآية حجة لوجوب الاحسان إلى الأبوين في إسقاط القطع عنهما إذا سرقا من مال الولد فهي حجة أيضا في إسقاط القطع عن كل ذي قربى وعن ابن السبيل وعن الجار الجنب والصاحب بالجنب إذا سرقوا من أموالنا وهذا ما لا يقولون فظهر تناقضهم وبطل احتجاجهم بالآية وأيضا فالأمر بالإحسان ليس فيه منع من إقامة الحدود بل إقامتها عليهم من الاحسان إليهم بنص القرآن لقول الله تعالى إن الله يأمر بالعدل والإحسان وقد أمرنا بإقامة الحدود فإقامتها على من أقيمت عليه إحسان إليه وإنها تكفير لمن أقيمت عليه وهم لا يختلفون في أن إماما لو كان له أب وأم فسرقا فإن فرضنا عليه إقامة القطع عليهما فبطل تمويههم بالآية جملة وصح أنها حجة عليهم وأما قوله تعالى أن أشكر لي ولوالديك فحق
(٤٧٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 465 466 467 468 469 470 471 472 473 474 475 ... » »»