إحقاق الحق (الأصل) - الشهيد نور الله التستري - الصفحة ٤٥٧
المسألة التي ادعو علينا فيها التناقض فهي زوج وأم وأختان لأب وأختان لأم ومسألة أخرى ادعو فيها التناقض على بعضها دون بعض وهي زوج وأم و أختان لأم فقالوا في هذه المسألة أن كل هؤلاء ذو فرض مسمى لا يرث منهم أحد بغير الفرض المسمى في شئ من الفرايض وليس ههنا من يرث مرة بفرض مسمى فتقدموه ومرة ما بقي فتسقطوه أو تؤخروه وقالوا في الأولى الأخوات من الشقايق أو للأب فقط أو للأم فقط ممن قد يرث وقد لا يرث شيئا فمن أين لكم إسقاط بعض وإثبات بعض قال أبو محمد أما مسألة الزوج والأم والأختين للأم فلا تناقض فيها أصلا لأن الأختين للأب قد ترثان بفرض مسمى مرة وقد لا ترثان إلا ما بقي إن بقي شئ فلا يعطيان ما لم يأت به نص لهما ولا اتفاق وليس للأم ههنا إلا السدس لأن للميت أخت فوجب للزوج النصف بالنص و للأم السدس بالنص فذلك الثلثان وللأختين للأم الثلث بالنص و (أيضا) فهؤلاء كلهم مجمع على توريثهم في هذه الفريضة بلا خلاف من أحد ومختلف في حطهم فوجب توريثهم بالنص والإجماع وبطل حطهم بالدعوى المخالفة للنص وصح بالإجماع المتيقن أن الله تعالى لم يعط الأختين للأب في هذه الفريضة الثلثين ولا تصر لهما بغيره ولم يجمع لهما على شئ يعطيانه فإذ لا ميراث لهما بالنص وبالإجماع لا يجوز توريثهما أصلا وأما مسألة الزوج والأم والأختين للأم فإنها لا تلزم أبا سليمان ومن وافقه ممن يحط الأم إلى السدس بالاثنين من الإخوة وأما نحن ومن أخذ بقول ابن عباس في أن لا يحط إلى السدس إلا بثلثه فصاعدا من الإخوة فجوابنا فيها وبالله تعالى التوفيق بأن الزوج والأم يرثان بكل وجه وفي كل حال وأما الأختان للأم فقد ترثان وقد لا ترثان فلا يجوز منع من نحن على يقين من أن الله تعالى أوجب له الميراث في حال وأبدا لا يجوز توريث من قد يرث وقد لا يرث إلا بعد توريث من نحن على يقين من وجوب توريثه وبعد استيفائه ما نص الله تعالى عليه فإن فضل عنه شئ أخذه الذي قد لا يرث وإن لم يفضل منه شئ لم يكن له شئ إذ ليس في وسع المكلف إلا هذا أو مخالفة القرآن بالدعوى بلا برهان فللزوج النصف بالقرآن وللأم الثلث بالقرآن فلم يبق إلا السدس فليس للإخوة للأم غيره إذ لم يبق لهم سواه وبالله تعالى التوفيق قال (المص) رفع الله درجته وذهبت الإمامية إلى جواز الوصية للوارث وخالف فيه الفقهاء الأربعة وقد خالفوا كتاب الله حيث قال كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين وهو نص في الباب ولأنه نوع من البر و الأقارب أولى به من الأباعد كما قال (ع) إبدأ بمن تعول وفيه صلة الرحم المأمور بها وقال تعالى فمن بدله بعد ما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه ولأن الوارث قال يستحق التفضيل إما بسبب شدة فاقته وفقره أو بسبب كثرة عياله دون غيره أو بسبب فضله وعلمه وقلة سعيه في الأمور الدنيوية فناسب العقل التفضيل ولا يمكن إلا بالوصية ولأنه كما جاز التفضيل حال الحياة كذا يجوز بعد الممات انتهى وقال الناصب خفضه الله أقول مذهب الشافعي أنه يصح الوصية للوارث بإجازة الورثة بعد موت الموصي ولا يصح بدونها وإن نقص عن الثلث ولو أجازوا في حياته أو أذنوا له في الوصية و أرادوا الرد بعد موته فلهم ذلك ولو أجازوا بعد الموت لرمت والدليل على عدم جواز الوصية للوارث (مط) ما روي في الصحاح عن أبي أمامة قال سمعت رسول الله يقول في خطبته عام حجة الوداع إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث الحديث وقد بين رسول الله (ص) في هذا الحديث دليل عدم الصحة (مط) وذلك أنه قال إن الله أعطى كل ذي حق حقه والمراد أن الله أعطى الورثة نصيبهم من الميراث فالوصية لغيرهم لأنهم أخذوا حقوقهم والثلث للتصدق وما استدل عليه من آية الوصية فإنها منسوخة بآية المواريث بالإجماع فلا يستدل به لأن الاجماع على عدم وجوب الوصية (مط) فضلا عن الوصية لمكان قرابته فالقياس يقتضي أن لا يدفع الزكاة إلا لعياله والحال إنه لا يجوز دفع الزكاة الفريضة للعيال وكذا باقي الوجوه العقلية انتهى وأقول ما روي في الصحاح سقيم لا يعتمد عليه كما مر بيانه مرارا وعلى تقدير تسليمه يمكن حمله على نفي وجوب الوصية الذي كان قبل نزول الفرايض أو على نفي الوصية (مط) بمعنى إمضائها وإن زادت عن الثلث كما يقتضيه إطلاق الآية وتخصيص الوارث بحسب الآية على الوصية له أن لولاه لاستفيد من الآية جواز الوصية له بجميع ما يملك الموصي وأما ما ذكره من نسخ الآية بآية المواريث فمردود بأن الشئ إنما ينسخ غيره إذا لم يمكن الجمع بينهما وهو هنا ممكن بحمل الإرث على ما زاد على الوصية أو ما زاد على الثلث كغيرها من الوصايا و (أيضا) الميراث عطية من الله والوصية عطية ممن حضره الموت فالوارث يجمع له بين الوصية والميراث بحكم الآيتين فلا منافاة ولظهور بطلان دعوى فسخ الآية بالإجماع ترى الفاضل التفتازاني اعتذر عن ذلك في حاشية الكشاف بارتكاب تأويل لا يخفى فساده (أيضا) ولو سلم النسخ فهو رافع للوجوب لا الجواز وذلك لأن مهية الواجب مركبة من جواز الفعل ومنع تركه ورفع المركب لا يستلزم رفع جميع أجزائه كما لا يخفى ولو أغمضنا عن ذلك وقدرنا حصول المنافاة بين الآيتين فهذه الآية يوجب الوصية للوالدين والأقربين ثم آية الميراث يخرج القريب الوارث ويبقى القريب الذي لا يكون وارثا داخلا في الآية وذلك لأن من الوالدين من لا يرث بسبب اختلاف الدين والرق والقتل ومن الأقارب من يسقط في حال ولا يسقط في حال ومنهم من يسقط في كل حال إذا كانوا ذوي رحم فآية الميراث مخصصة لهذه الآية لا نسخة لها وهو ظاهر ودعوى الاجماع ههنا كدعواهم الاجماع على خلافة أبي بكر وإنما ارتكب المتأخرون من الجمهور هذه التمحلات محافظة على فتوى أئمتهم فجعلوا القرآن والسنة تابعين لمذهبهم كما هو دأبهم حتى حكى عن بعضهم أنه لما قيل له أن ما قلدت به الإمام الفلاني في المسألة الفلانية رد على كتاب الله تعالى قال أيش أصنع إذا كان هذا هو المذهب فتأمل قال (المص) رفع الله درجته وذهبت الإمامية إلى أنه إذا أوصى لأقاربه يدفع إلى من يعرف بين الناس أنه قريبه وقال أبو حنيفة يعطى ذوي الرحم المحرم خاصة ولا يدخل فيه من ليس بمحرم كبني العم وقال مالك هذه وصية الموارث من الأقارب لا غير وقد خالفا العرف في ذلك من غير دليل انتهى وقال
(٤٥٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 452 453 454 455 456 457 458 459 460 461 462 ... » »»