إحقاق الحق (الأصل) - الشهيد نور الله التستري - الصفحة ٤٦٩
ثالث فإن قالوا هو شاهد قلنا صدقهم هذا هو الحق وإذ هو شاهد فليس قاذفا حين نطق بالشهادة فمن المحال الممتنع أن يصير قاذفا إذا سكت ولم يأت بثلاثة عدول إليه ليس في المحال أكثر من أن يكون شاهدا لا قاذفا إذا تكلم بإطلاق الزنا على المشهود عليه ثم يصير قاذفا لا شاهدا إذا لم يتكلم ولا نطق بحرف فهذا محل لا إشكال فيه و إن قالوا هو قاذف فقد ذكروا وجوب الحد على القاذف بلا شك ووجب الحد عليه انتهى قال المصنف رفع الله درجته ك ذهب الإمامية إلى وجوب القطع لسرقة ما هو ممكن البقاء كالأثمان والحبوب والثياب وما لا يكمن بقاءه كالفواكه والرطب والبطيخ واللحم الطري وقال أبو حنيفة لا يجب القطع إلا فيما يمكن بقاءه وقد خالف عموم قوله تعالى والسارق والسارقة فاقطعوا وقال أيضا لا قطع فيما كان أصله الإباحة كالصيود كلها والجوارح بأسرها المعلمة وغيرها والخشب جميعه إلا ما يعمل منه انية كالجفان والأبواب فيكون معموله القطع إلا الساج فإن فيه القطع وإن لم يكن معمولا وكل ما يعمل من الطين من الخزف والفخار والقدر وغيرها ولا قطع فيه وكذا كل المعادن كالملح والكحل والزرنيخ والقير والنفط والموميا إلا الذهب والفضة والياقوت والفيروزج فإن فيه القطع وقد خالف فيه قوله تعالى والسارق والسارقة انتهى وقال الناصب خفضه الله أقول مذهب الشافعي أنه يجب القطع بكل ما يصح بيعه فلا أثر لكون المسروق مباحا في الأصل كالماء والتراب والحطب والحشيش والصيد ومال المعدن ولا لكونه معرضا للفساد كالرطب والتين والبقل والرياحين والشواء والهريسة والجمد والشمع المشغل بل يقطع بجميعها وذهب أبو حنيفة إلى أن المسروق إذا كان مباحا في الأصل أو معرضا للفساد فلا قطع به لأن كونه مباحا في الأصل شبهة دارئة للحد ولأن كونه معرضا للفساد الأصل فيه عدم الحرز والحرز شرط في القطع ولا مخالفة للنص حيث يدر القطع بالشبهة والنص يدل على وجوب القطع حيث لا شبهة انتهى وأقول لا يخفى أن تسمية أبي حنيفة أمثال ذلك شبهة دليل على أنه لم يعرف معنى الشبهة كما مر فلا يليق من مثله دعوى الاجتهاد ولينصف الناظر المتأمل أن أي شبهة واشتباه في سارقية الناش الذي أسقط عنه أبو حنيفة القطع مع قوله تعالى والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما وإيجاب النبي (ص) ذلك في أحاديثه الكريمة وكون السارق في اللغة التي بها نزل القرآن وبها خاطبنا الله هو الأخذ شيئا لم يبح الله تعالى أخذه فيأخذه متملكا له مستحقا به وكون النباش على هذه الصفة وكذا الكلام في سرقة الجوارح من الطير وغيره والصيد ونحوه قال ابن حزم قالوا إن الأصل في ذلك أن ما كان في الأصل مباحا فإذا صار مملوكا لم يقطع سارقه هذا ما موهوا به ولا حجة فيه أصلا لأن الطير مال من الأموال وملك لصاحبه فوجب القطع فيه بقول الله تعالى والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما وبإيجاب رسول الله (ص) القطع على من سرق وأي فرق في إباحة الأصل وعروض الشبهة بينهما وبين ما أوجب به القطع من المعادن المباحة بالأصل كالذهب والفضة والياقوت والفيروزج ثم أي فرق بين المعادن الأربعة المذكورة وبين غيرها من الرصاص والصفر والنحاس والحديد والعقيق والزمرد والألماس واللعل؟ ولم يفرق الله تعالى الذي يعلم سر كل من خلق وكل ما هو كائن وما سيكون بين ذلك في القطع ولم يخص من القطع من سرق الطير والصيد ونحوهما ولو أراد ذلك لما أهمله ونحن نشهد بشهادة الله تعالى إن الله لم يرد قط إسقاط القطع عن مثل ذلك بل أمر الله تعالى بقطعه نصا من غير شبهة واشتباه والحمد لله كثيرا انتهى وسآتيك مزيد كلام في هذا فانتظر قال المصنف رفع الله درجته كا ذهب الإمامية إلى أنه إذا سرق كتب الفقه أو الأدب أو المصاحف وجب القطع مع بلوغ النصاب وقال أبو حنيفة لا قطع وقد خالف قوله تعالى والسارق والسارقة وقال أيضا إذا سرق ما يجب فيه القطع مع ما لا يجب فيه لم يقطع وقد خالف الآية وقال أيضا إذا نقب معير البيت وسرق مال المستعير لم يقطع وهو خلاف الآية وقال أيضا لا يقطع الضيف إذا سرق مال المضيف إذا كان محرزا عليه بقفل أو غلق وهو خلاف الآية وقال أيضا إذا سرق العبد فإن كان آبقا لم يقطع وإن لم يكن آبقا قطع وقد خالف الآية وقال أيضا لا يقطع النباش وقد خالف الآية وقال أيضا إذا لم يكن له يسار أو كانت يساره ناقصة إصبعين أو إبهاما لم يقطع وقد خالف الآية وقال أيضا إذا سرق عينا فقطعنا ثم سرقها بعينها ثانية لم يقطع سواء سرقها من الملك أو من غيره إلا في مسألة واحدة وهي أنه لو سرق غزلا فقطع ونسج فسرقه ثوبا يقطع ثانيا وقد خالف الآية وقال أيضا إذا سرق فقطع لم يغرم العين المسروقة إن كانت تالفة وإن كانت باقية ردها إذا سرق حديدا فعمله كوزا ثم قطع فإنه لا يرد الكوز لأنه كالعين الأخرى ولو كانت السرقة ثوبا فصبغه أسود فقطع لم يرد الثوب لأن السواد جعله كالمستهلك وإن صبغه أحمر كان عليه رده لأن الحمرة لا يجعله كالمستهلك وقد خالف الآية لأنه قال لا أجمع بين القطع والغرم فإن غرم لم يقطع وإن قطع لم يغرم والقرآن دال على وجوب القطع مطلقا وقال أيضا إذا سرق أحد الزوجين من صاحبه مع الاحراز عنه لم يقطع وقد خالف الكتاب العزيز وقال أيضا كل شخصين بينهما رحم محرم بالنسب فالقطع ساقط بينهما وهو خلاف القرآن وقال أيضا إذا سرق عودا أو طنبورا وعليه حلية قيمتها النصاب لم يجب القطع وهو خلاف القرآن وقال أيضا إذا ترك الحمال الأحمال في مكان وانصرف في حاجة وكان على الأحمال زاملة فإن أخذ اللص الزاملة بما فيها لم يقطع وإن شق الزاملة وأخذ المتاع من جوفها فعليه القطع وهو خلاف الاجماع لأن الحرز معتبر وقال أيضا إذا قصده رجل فدفعه فقتل بالدفع فإن كان بالسيف أو بالمثقل ليلا فلا ضمان وإن كان بالمثقل نهارا فعليه الضمان وقد خالف العقل والدال على وجوب الدفاع عن النفس والنص الدال عليه انتهى وقال الناصب خفضه الله أقول مذهب الشافعي أنه يجب القطع بسرقة المصحف والتفسير والحديث والفقه والشعر المباح وكل ما نقل عن مذهب أبي حنيفة في هذا الفصل فمسائل مذكورة في كتب الحنفية بعضها مقيد بقيود أهملها وبعضها نقلها على سبيل التحريف وقد ذكرها الأئمة الشافعية في كتبهم واعترضوا عليها فهذا الرجل أخذ من تلك الكتب ونقلها مع التغييرات وأهمل القيود وأكثر تلك المسائل يرجع إلى شئ واحد وهو أن في كل واحد مما لم يوجب أبو حنيفة القطع شبهة دارئة للحد فقد عمل في الكل بقوله (ص) ادرؤوا الحدود بالشبهات والبحث في أن ما جعله شبهة هل هو شبهة أو لا فكل ما ذكره أنه مخالف للآية فهو غير مخالف لأن الآية تدل على القطع والسنة قاضية بدر الحد بالشبهة فيكون الآية حكمها مخصوصا
(٤٦٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 464 465 466 467 468 469 470 471 472 473 474 ... » »»