إحقاق الحق (الأصل) - الشهيد نور الله التستري - الصفحة ٤٧١
ومن الشكر إقامة أمر الله عليهما وليس يقتضي شكرهما إسقاط ما أمر الله تعالى فيهما والذي أمر بشكرهما تبارك اسمه هو الذي يقول كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين فصح أمر الله تعالى بالقيام عليهم بالقسط وبأداء الشهادة عليهم ومن القيام بالقسط إقامة الحدود عليهم و هكذا القول في قوله تعالى ولا تقل لهما أف ولا تنهرهما الآية فليس في شئ من هذا إسقاط الحد عنهم في سرقة من مال الولد ولا في غير ذلك والله تعالى يقول أشداء على الكفار رحماء بينهم ولم يكن وجوب الرحمة لبعضنا مسقطا لإقامة الحدود بعضنا على بعض فبطل تعلقهم بالآيات المذكورة جملة وأما قول رسول الله (ص) ومالك لأبيك فهو خبر منسوخ قد صح نسخه بآيات المواريث وغيرهما مع أن من يحتج بهذا الخبر لا يخالف في أن الأب إذا أخذ من مال ابنه درهما وهو محتاج إليه فإنه يقضى عليه برده أحب أم كره كما يقضى بذلك على الأجنبي بلا فرق وأما ما قالوا من أن للوالدين حقا في مال الولد لأنهما إذا احتاجا أجبر على أن ينفق عليهما وعلى أن يعف أباه فإذا له في ماله حق فلا يقطع فيما سرق منه فهو تمويه ظاهر إذ لم يخالفهم أحد في أن الوالدين إذا احتاجا فأخذا من مال ولدهما حاجتهما بلا اختفاء أو بقهر أو كيف أخذاه فلا شئ عليهما ولكن الكلام فيما إذا أخذا ما لا حاجة لهما إليه أما سرا وأما جهرا وهم لا يختلفون فيمن كان له حق عند أحد فأخذ من ماله مقدار حقه فإنه لا قطع عليه ولا يقضى عليه برده فلو كان وجوب الحق للأبوين في مال الولد إذا احتاج إليه مسقط للقطع عنها إذا سرقا من ماله ما لا يحتاجون إليه ولا حق لهما فيه لوجب ضرورة أن يسقط عن الغريم الذي له الحق في مال غريمه إذا سرق منه ما لا حق له فيه وهذا لا يقولونه فبطل ما موهوا به من ذلك وأما قولهم لو قتل ابنه لم يقتل به ولو قطع له عضوا أو كسره لم يقتص منه ولو قذفه لم يحد ولو زنا بأمته لم يحد وكذلك إذا سرق من ماله فكلام باطل واحتجاج على الخطأ بالخطأ بل لو قتل ابنه لقتل به ولو قطع له عضوه أو كسره لاقتص منه ولو قذفه يحد له ولو زنى بأمته يحد كما يحد الزاني لا بد لإثبات ذلك من دليل والغرض من هذا التطويل أن الناصب الشقي لم يظفر على أدلة أبي حنيفة لتلك المذاهب السخيفة أو اطلع عليها فهرب عن ذكرها والتصدي لإتمامها فأسند بعضها إلى أن فيه الشبهة الدارئة للحد وأغمض عن حال الباقي مع ما عرفت من اشتباههم في حقيقة الشبهة فأين ما تصلف الناصب سابقا من قطع رقبة ابن المطهر بالمقضاب المشتهر مع فراره ههنا وفي ساير المقامات كفرار شيوخه في حنين وخيبر فالحمد لله الذي أنجز وعده ونصر عبده وأعز جنده وهزم الأحزاب وحده والصلاة على نبيه ووليه وآلهما الكرام إلى يوم القيام قال المصنف رفع الله درجته كب ذهب الإمامية إلى أن كل من وجب عليه حد من حدود الله تعالى من شرب الخمر أو الزنا أو السرقة من غير المحاربين ثم تاب قبل قيام البينة عليه فإنه يسقط وقال الشافعي لا يسقط وقد خالف قوله تعالى فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه إن الله غفور رحيم وقوله (ع) التوبة يجب ما قبلها انتهى وقال الناصب خفضه الله أقول مذهب الشافعي أنه لو تاب من ثبت زناه بالبينة أو الاقرار لم يسقط الحد بمجردها ويسقط أثر المعصية بينه وبين الله تعالى وما نقل عن الشافعي أن قبل قيام البينة عليه إن تاب لم يسقط عنه الحد إن أراد به أن الشافعي ذهب إلى عدم السقوط بمعنى أنه إن أقيم عليه البينة بالزنا بعد التوبة يسمع ولا يسقط الحد بمجرد ادعاء التوبة قبل قيام البينة فهذا صحيح ومذهب ولا شك أنه كذلك وإلا لم يمكن إجراء الحد على أحد قط لأنه يدعي إني تبت وسقط عني الحد فيكون في هذا مخلصا عن الحدود وهذا من البدايع في الدين ولم يمكن أن يقول به أحد وإن أراد به أنه لم يسقط عنه الحد ما لم يثبت موجب الحد بالبينة أو الاقرار عند الحكم فهذا ليس من مذهب الشافعي لأن الحد ساقط عن التايب بينه وبين الله تعالى ما لم يقم عليه البينة أو لم يقر عند الحاكم والاستدلال بالآية على مطلوبه من الغرايب فإن الآية يدل على قبول التوبة وكذا الحديث ولا يدل على سقوط الحد فيما يوجب الحد بعد التوبة وبالجملة ما ذهب إليه الإمامية في هذه المسألة من العجائب انتهى وأقول بل المراد شق ثالث وهو أن الشافعي ذهب إلى عدم سقوط الحد عنه بظهور التوبة الصالحة الراسخة قبل قيام البينة لا بمجرد ادعاء التوبة وإن لم يكن راسخا فيها وهذا مما لا يصح أن يكون مذهبا لمن لم له قدم راسخ في الدين لأن التوبة يسقط الذنب وعقوبة الآخرة فعقوبة الدنيا أولى وتدل عليه مضاد؟؟؟ ما أشرنا إليه من اقتضاء قواعد الدين لذلك رواية جميل عن أحد الإمامين المعصومين الباقر و الصادق (ع) في رجل سرق أو شرب الخمر أو زنا فلم يعلم بذلك منه ولم يؤخذ حتى تاب وصلح فقال إذا صلح وعرف فيه أمر جميل لم يقم عليه الحد انتهى فما ذكره الناصب بقوله وإلا لم يمكن إجراء الحد على أحد قط إلى آخره إنما يترتب على ما ذكره من إسقاط الحد بمجرد ادعاء التوبة لا على ما ذكرناه من وقوع التوبة الصحيحة ولا فساد في سقوط الحد بوقوع التوبة الصالحة الراسخة قبل قيام البينة لأن الحكمة المقصودة للشارع في شرعية الحد هو المنع والزجر عن العود إلى مثله حسما لمادة الفساد وإذا امتنع العبد المذنب بنفسه وندم عن ذلك وتاب توبة صحيحة كان ذلك أتم في حصول ثمرة الحكمة المقصودة من الحد وأيضا ما ذكره الناصب من النقض لو تم فهو جار في الحدود بالشبهات لأنه إذا ادعى شبهة ضعيفة سيما من الشبهات الرخيصة التي رخص فيها أبو حنيفة كالاستيجار للزنا و غيره يلزم أن يسقط عنه الحد بمجرد ذلك فيكون في هذا مخلصا عن الحدود والجواب الجواب والله الموفق للصواب وأما ما ذكره من أن الآية يدل على قبول التوبة ولا يدل على سقوط الحد إلى آخره مردود بأنه إذا سلم دلالة الآية على قبول التوبة لزم دلالتها على سقوط الحد لأن قبول الله تعالى توبة عبده وتجاوزه عن ذنبه فما هو حق له يقتضي عدم مؤاخذته إياه في الدنيا والآخرة وكذا الكلام في الحديث فإنه عام كما لا يخفى ولا بد للتخصيص بما ذكره الناصب من دليل قال المصنف رفع الله درجته كج ذهب الإمامية إلى أنه إذا اجتمع حد القذف وحد الزنا وحد السرقة ووجوب قطع اليد والرجل بالمحاربة وأخذ المال فيها والقود استوفى من الحدود أجمع ثم يقتل وقال أبو حنيفة تسقط كلها ويقتل وقد خالف الآية الدالة على هذه العقوبات وقال أيضا الخمر إذا اشتد وأسكر وأزبد وجب الحد بشربه وإن لم يزبد لم يجب وإن اشتد وأسكر وقد خالف الاجماع الدال على تحريم الخمر وإيجاب الحد به وقال عصير العنب إذا طبخ فإن ذهب ثلثاه فهو حلال ولا حد حتى يسكر وإن ذهب أقل من الثلثين فهو حرام ولا حد حتى يسكر وما يعمل من التمر والزبيب إن طبخ فهو النبيذ وهو حلال ولا حد حتى يسكر وإن لم يطبخ فهو حرام ولا حد حتى يسكر وما عمل من غيره هاتين الشجرتين الكرم والنخل مثل العسل والشعير والحنطة والذرة فكله مباح
(٤٧١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 466 467 468 469 470 471 472 473 474 475 476 ... » »»