إحقاق الحق (الأصل) - الشهيد نور الله التستري - الصفحة ٤٥٩
لاعطاه واحدا من جملة الأشياء المتنازع فيها ولما حكم لعلي (ع) بالكل والقول بعدم استحقاق عباس لشئ من ذلك إذ رآه بجلالة قدره ولم أظن القول به من أبي حنيفة والشافعي ونحوهما المعاصرين لبني عباس وأما ما ظنه من التكرار في كلام (المص) فليس بذلك ولو سلم فهو من قبيل هو المسك ما كررته يتضوع و (المقص) منه تقرير الحق في الخواطر قال (المص) رفع الله درجته (ى) ذهبت الإمامية إلى أن الأسير إذا أخذ بعد تقضي الحرب يتخير الإمام فيما بين المن والفداء والاسترقاق وقال أبو حنيفة بين القتل والاسترقاق لا غير وقد خالف في ذلك قول الله تعالى فإما منا بعد وإما فداء وقال (ع) في أسارى بدر لو كان مطعم بن عدي حيا وكلمني في هؤلاء السبي لأطلقتهم له وبعث النبي (ص) سرية قبل نجد فأسروا رجلا يقال له ثمامة بن أثال الحنفي سيد ثمامة فأتوا به وشدوه على سارية من سوار المسجد فمر به النبي (ص) فقال ما عندك يا ثمامة خيران قتلت قتلت نادم وإن مننت مننت على شاكر وإن أردت مالا فسل تعط ما شئت فتركه ولم يقل شيئا فمر به اليوم الثاني فقال مثل ذلك فمر به اليوم الثالث وقال مثل ذلك ولم يقل النبي (ص) شيئا ثم قال أطلقوا ثمامة فأطلقوا فمر واغتسل وجاء فأسلم وكتب إلى قومه فجاؤوا مسلمين وهذا نص في جواز المن ووقع أبو غرة الحجمي في الأسر يوم بدر فقال يا محمد إني ذو عيلة فامنن علي فمن عليه أن لا يعود إلى القتال فمر إلى مكة وقال إني سخرت بمحمد وعاد إلى القتال يوم أحد فدعى رسول الله (ص) عليه ألا يفلت فوقع في الأسر فقال إني ذو عيلة فامنن فقال (ع) امنن عليك حتى ترجع إلى مكة وتقول في نادي قريش سخرت بمحمد مرتين لا يلسع المؤمن من جحر مرتين فقتله بيده وفادى (ع) رجلا برجلين وفادى يوم بدر جماعة من قريش على مال انتهى وقال الناصب خفضه الله أقول مذهب الشافعي أن الإمام يتخير في الكاملين من الأسارى بين القتل والمن والفداء والاسترقاق بالمصلحة فإن لم يظهر حبسهم إلى الظهور لفعل النبي (ص) ولقوله تعالى فشدوا الوثاق فإما منا بعد وإما فداء ولعل وجه ما ذهب إليه أبو حنيفة إن صح أنه مخصوص بزمان النبي (ص) انتهى وأقول لا بد للتخصيص من دليل وإلا لكان تحكما وتشريعا كما لا يخفى وغاية ما يمكن أن يق من قبل أبي حنيفة أن الآية كما ذكره صاحب الكشاف نزلت في واقعة بدر فيكون شرعية المن والفداء مقصورة عليها ويكون تقدير قوله تعالى في تتمة الآية حتى يضع الحراب أوزارها حتى يضع حرب بدر أوزارها وفيه أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص والسبب كما تقرر في الأصول قال (المص) رفع الله درجته (يا) ذهبت الإمامية إلى أن سهم ذي القربى من الخمس لم يسقط بموت النبي (ص) وقال أبو حنيفة يسقط وقد خالف مقتضى قوله تعالى ولذي القربى أضاف بلام التمليك وعطف بواو التشريك انتهى وقال الناصب خفضه الله أقول مذهب الشافعي عدم سقوط سهم ذوي القربى بموت النبي (ص) ولو صح ما روي عن أبي حنيفة فلعله يجعله للنبي (ص) ومخصوصا بحال حياته انتهى وأقول الجواب عن هذا (أيضا) ما أجبنا به عن سابقة فتذكر هذا وقد استدل على ذلك في كتاب الهداية وشرحه الموسوم بالنهاية بأنهم كانوا يستحقون في زمن النبي (ص) للنصرة لا للقرابة لما روي عن جبير بن مطعم أنه قال لما كان يوم خيبر وضع رسول الله (ص) سهم ذوي القربى في بني هاشم وبني المطلب وترك بني نوفل وبني عبد الشمس فانطلقت أنا وعثمان بن عفان حتى أتينا رسول الله (ص) فقلنا يا رسول الله (ص) هؤلاء بنو هاشم لا ننكر فضلهم للموضع الذي وضعك الله به فيهم فما بال إخواننا بني المطلب أعطيتهم وتركتنا وقرابتنا واحدة فقال (ع) إنا وبنوا المطلب لا نفترق في جاهلية ولا إسلام وإنما نحن وهم شئ واحد وشبك بين أصابعه وأشار إلى نصرتهم وإذا كان (كل) دل على أن المراد بالنص أعني قوله تعالى ولذي القربى قرب النصرة لا قرب القرابة والمراد بالنصرة نصرة الاجتماع في الشعب لا نصرة القتال يشير إليه قوله لا نفترق في جاهلية ولا إسلام وإذا ثبتت أن النبي (ص) أعطاهم للنصرة لا للقرابة وقد انتهت النصرة فقد انتهى الاعطاء لأن الحكم ينتهي بانتهاء علته انتهى وأقول فيه نظر أما أولا فلأن الظاهر كما هو مذهب الإمامية أن المراد بذي القربى في الآية هو الإمام الهاشمي خاصة لوحدته لفظا فلا يتناول أكثر من الواحد حقيقة والأصل عدم المجاز وللرواية فما وقع في حديث جبير من قوله سهم ذوي القربى يلفظ الجمع يراد به غير ما أريد من القرآن بأن أريد به محض العطية دون السهم المصطلح في الخمس وقد نطق كتب السير والتاريخ بأن في يوم حنين قد أعطى النبي (ص) بعض الكفار أكثر من المسلمين لمصلحة فجاز أن يكون قد أعطى بعض أقاربه المسلمين من ذلك المال أكثر من بعض على وجه العطية (أيضا) للنصرة لا للقرابة لكن لا يقدح في مقصود (المص) كما لا يخفى وأما ثانيا فلأنه لو سلم أن المراد بالسهم المذكور سهم الخمس فلا نسلم صحة الحديث لأنه ليس من المتفق عليه فلا يصح للاحتجاج مع أن الراوي له متهم بالحسد والعداوة لذوي القربى حيث منع من ذلك السهم مع ما كان في زعمه أنه معدود في أقارب النبي (ص) (أيضا) وأما ثالثا فلأنه لا مجال للحمل على النصرة لأن كثيرا من بني المطلب بل من بني هاشم تخلفوا عن نصرة النبي (ص) في شطر من أيام الدعوة إلى الإسلام إلى أن أظهر الله تعالى وأظفر النبي (ص) وبعد غيلة الإسلام كما أسلم بنو المطلب أسلم باقي طوايف قريش (أيضا) فكيف يتجه إظهار رمزية بني المطلب على غيرهم بالنصرة فالصواب أن يحمل الحديث على إرادة الأولوية في الميراث بالنسبة إلى بني نوفل وبني عبد شمس لما روي في كتب النسب من أن هاشما توجه في بعض السنين إلى تجارة الشام وتزوج سلمى بنت تيم بن ثعلبة بن عمر في يثرب في محلة بني النجار وتولد عن هاشم منها عبد المطلب وكان مطلب أخو هاشم لا يعلم بذلك إلى أن ذهب رجل من مكة إلى يثرب ورأى فيها جماعة من الصبيان يلعبون ويظهر بعضهم على بعض التفوق والاختيال فقال صبي منهم أنا شيبة بن هاشم بن عبد مناف فقال ذلك الرجل له بارك الله فيك ثم سأل عن شيبة حاله ولما رجع إلى يثرب أخبر المطلب عن حال شيبة فأظهر المطلب هذا الخبر إلى أقاربه وتأسف على نسيانه وغفلته عن ذلك فجمع أصحابه وجاء معهم ونزل محلة بني النجار وبعد الخصومة الكثيرة أخذ بشيبة معه إلى مكة فأدخله الكعبة ولما سأله قريش إن هذا عبد لمن قال لهم هذا عبدي أبيعه فلهذا سمي بعبد المطلب ووجه أولوية بني المطلب على باقي إخوانه في ميراث عبد المطلب أن ذلك الاستنقاذ كان بمنزلة اشتراء عبده وإعتاقه فكأنه انعقد بين المطلب وبين عبد المطلب ولاء العتق فكأن أولى بميراث عبد المطلب عن غيره من الإخوان وقوله في الحديث إنما نحن وهم شئ واحد ظاهر في ذلك وقوله شبك بين أصابعه تأكيد لذلك صريح في إرادة الأولوية في القرب ودخول بعضهم في البعض
(٤٥٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 454 455 456 457 458 459 460 461 462 463 464 ... » »»