إن من الفقهاء الأربعة ذهبوا إلى عدم جواز الوصية للوارث انتهى وأقول ما ذكره في وجه تخصيص أبي حنيفة غير متجه لأن تسمية المحرم في العرف قريبا أقرب لا يقتضي إهمال عموم لفظ الأقرباء والتخصيص بمن هو القريب الأقرب وهو ظاهر وقد وجه ذلك بوجه آخر وهو أن الوالد والولد لا يعرفان بالقريب في العرف بل القريب من ينتمي إليه بواسطة وهذا كما في التذكرة خطأ لأنه إذا أوصى لأقرب الأقارب دخل الأبوان والولد إجماعا فكيف يكون الشخص من أقرب الأقارب ولا يكون من الأقارب وأما ما ذكره من مناقضة ما ذكر ههنا عن مالك لما نقل عنه في الفصل السابق فمدفوع بأن حاصل ما نقل في الفصل السابق عدم تجويز الفقهاء الأربعة الوصية للوارث وما نسبه إلى مالك في هذه المسألة إنما يدل على حكمه بأن ذلك وصية للوارث ولا يدل على تجويز لتلك الوصية فلا تناقض على أن التناقض في أقوال مالك وأضرابه من المتفقهة ليس ببعيد قال (المص) رفع الله درجته (ح) ذهبت الإمامية إلى أنه لا يصح الوصية للميت وقال مالك يصح ويكون للورثة وهو خلاف العقل الدال على امتناع صحة ملكية الميت وإن تمليك واحد بعينه لا يكون تمليكا لغيره انتهى وقال الناصب خفضه الله أقول مذهب الشافعي أنه لا يصح الوصية للميت علم موته أو لم يعلم لأنه لا يتصور الملك للميت وجه وما ذهب إليه مالك أنه في الحقيقة يرجع إلى وصية وارثه انتهى وأقول هذا الرجوع لا يخلو عن أن يكون مستفادا من قصد الموصي أو من انتقال الملك عن الميت إليهم والثاني (بط) بما ذكره (المص) ولأول باطل بأن هذا القصد والنية لا يفهم من تمليك واحد بعينه فالإرجاع إليه بغير قرينة غير جايز قال (المص) رفع الله درجته (ط) ذهبت الإمامية إلى أن ما ترك النبي (ص) ينتقل إلى ورثته وقد خالف فيه الفقهاء الأربعة وقالوا ينتقل صدقة إلى غير ورثته وقد خالفوا كتاب الله تعالى في قوله يوصيكم الله في أولادكم وهو عام وقوله تعالى للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون عام (أيضا) وما رواه أبو بكر من قوله نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة غير صحيح لقوله تعالى وورث سليمان داود وقال تعالى حكاية عن زكريا يرثني ويرث من آل يعقوب وقوله تعالى إني خفت الموالي من ورائي وقول فاطمة يا ابن أبي قحافة أترث أباك ولا أرث أبي ثم لما تنازع علي والعباس في نعلة رسول الله (ص) ولأمته وسيفه حكم أبو بكر بذلك لعلي (أيضا) من جهة الميراث ولو كانت روايتهم صحيحة لما حكم بذلك بل كانت لجميع المسلمين المستحقين للصدقة وإنما قصد أمير المؤمنين (ع) بالمرافعة إليه في ذلك مع العباس ليظهر خطأ من حكم بهذه الرواية انتهى وقال الناصب خفضه الله أقول قد تقرر في علم الأصول أن السنة المشهورة تثبت الزيادة على النص وحديث نحن معاشر الأنبياء لا نورث سنة مشهورة رواها خليفة في وقت قضائه ووافقه الصحابة في الرواية فصار مجمعا عليه فهي تثبت الزيادة على الكتاب وهو آيات المواريث فلا مخالفة للنص وأما ما ذكره من رواية سليمان ويحيى فقد ذكرنا فيما سبق أن المراد ميراث النبوة والعلم والحكمة والحبورة والملك وأما ما ذكر من تنازع علي والعباس في بغلة رسول الله (ص) إن صح فقد أعطى أبو بكر عليا لا من جهة الميراث لأنه لم يكن وارثا لمكان حجب العم ابن العم بل كان من جهة أنه كان مستحقا لما المصالح فأعطاه من هذه الجهة وقد كرر هذا الرجل هذه الكلمات الدالة على بغضه وشحنائه للصحابة نعوذ بالله من هذا انتهى وأقول ما ذكره أولا من أن السنة المشهورة تثبت الزيادة على النص وحديث نحن معاشر الأنبياء سنة مشهورة (اه) مردود بأن الكلام في عمل أبي بكر بالسنة المذكورة في صدر خلافته وقبل أن يطلع غيره عليها وكيف يتأتى دعوى الشهرة في ذلك هنالك مع أنه كان متهما في رواية الحديث وحده بعداوته لأهل البيت (ع) وطمعه في كون فدك حبوة له كما نقلناه سابقا عن جلال الدين السيوطي الشافعي في تاريخ الخلفاء من أنه قال إن فدكا كان بعد ذلك حبوة أبي بكر ثم عمر ثم أقطعها مروان (اه) وقد رووا في صحاحهم كالبخاري أن لا ينبغي للحاكم أن يحكم بعلمه لموضع التهمة وأنت خبير بأن جعل أبي بكر وعمر فدكا حبوة لأنفسهما دون ساير المسلمين كما ذكره السيوطي كاف في التهمة ويدل على إنهما لو أرادا إعطائها لفاطمة (ع) لما نازعهما أحد من المسلمين ولما توجه إليهما حرج في الدنيا والدين لكن غلبتهم العصبية وملكتهم الحمية الجاهلية وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون و (أيضا) لا وجه لأن يكون مثل هذا الخبر موجودا ولم يسمعه غير أبي بكر حتى نساء النبي (ص) وفاطمة و علي (ع) مع أنهم كانوا مداومين لملازمة النبي (ص) وبالجملة كيف يبين رسول الله (ص) هذا الحكم لغير ورثته ويخفيه عمن يرثه مع أن الحكم كان متعلقا بهم واحبا بيانه لهم لحاجتهم إليه ولا فايدة في بيانه لأبي بكر لأنه أجنبي ويؤيد ما ذكرنا من أن التهمة لأبي بكر كانت حاصلة هناك ما ذكر في جامع الأصول من أنه أخرج البخاري ومسلم والترمذي وأبو داود والنسائي حديث مالك بن أوس بن الحدثان قال أرسل عمر فجئته حين تعالى النهار والحديث في ألفي وسهم رسول الله (ص) وفيه قول عمر للعباس وعلي فجئتني أنت تطلب ميراثك من ابن أخيك وجاءني هذا يطلب ميراثه من امرأته إلى قوله من طريق مسلم قال أبو بكر قال رسول الله (ص) لا نورث ما تركناه صدقة فرأيتماه كاذبا غادرا خاينا انتهى وهذا صريح في التهمة كما لا يخفى ولو سلم اشتهار الخبر وعدم التهمة فالزيادة به على الكتاب إنما يجوز على مذهب الحنفية دون غيرهم كما صرح به الفاضل التفتازاني في تحقيق نسخ آية الوصية من حاشية الكشاف فكيف يندفع إيراد (المص) عن باقي علماء الجمهور بالبناء على هذه المقدمة الفاسدة التي تفرد بها أبو حنيفة وأما ما ذكره من أن المراد بميراث سليمان ويحيى ميراث النبوة والعلم فقد بينا بطلانه في بحث الإمامة فتذكر وأما ما ذكره من أن تنازع علي وعباس في بغلة رسول الله (ص) وغيرها من تركته صح فقد أعطى أبو بكر عليا لا من جهة الميراث (اه) ففيه أن من روى ذلك روى أنهما أظهرا النزاع في ذلك من حيث الميراث وأن أبا بكر حكم بها لعلي (ع) مستدلا بأن عليا (ع) صاحب المنزلين كما ذكره (المص) بمعنى أنه (ع) متقرب إلى النبي (ص) لسببين لأنه ابن عم من جهة الأب والأم والعباس متقرب من جهة الأب فقط لأن أمه غير أم عبد الله (رض) والمتقرب إلى الميت بسببين وجهتين أولى من المتقرب بسبب واحد و (أيضا) العم لا يرث مع ولد الصلب كفاطمة (ع) فيما نحن فيه وقد قال بذلك من الصحابة علي والحسن والحسين (ع) وأتباعهم ومن التابعين سفيان الثوري وإبراهيم المدني والفضيل بن عياض ونوح بن دراج الذي كان قاضي المصرين الكوفة والبصرة في زمان هارون وقد زعم بعض الحنفية أنه كان تلميذا لأبي حنيفة و (أيضا) لو كان المنظور في ذلك الاعطاء استحقاق علي (ع) لمال المصالح لما حرم أبو بكر عباسا عن جميع ما تنازعا فيه و
(٤٥٨)