إحقاق الحق (الأصل) - الشهيد نور الله التستري - الصفحة ٤٤٨
ولأنها جهة قربة وجهة صحته تمليك فجاز الوقف كالمنحصر ولأن من صح الوقف عليه إذا كان عدده محصورا صح وإن لم يكن محصورا كالفقراء والمساكين ولأنه يجوز الوقف على الفقراء والمساكين إجماعا مع عدم انحصارهم فجاز هنا والقول الثاني للشافعي أنه لا يصح الوقف على من لا يمكن استيعابهم وحصرهم كما لو قال وقفت على قوم والفرق في التعيين صورة النزاع بخلاف القوم فإنهم مع عدم انحصارهم غير معنيين لأنه يطلق على جماعة غير معينة فبطل ولو وقف على المسلمين كلهم أو على أهل إقليم كالعراق أو على أهل مدينة كبغداد صح (أيضا) خلافا له ولو وقف على كافة بني آدم أو على كافة البشر صح على ما اخترناه إنتهى قال (المص) رفع الله درجته (ه‍) ذهبت الإمامية إلى أنه إذا بنى مسجد أو مقبرة وأذن للناس في الصلاة أو الدفن ولم يقل إنه وقف أو وقفته لم يزل ملكه عنه وقال أبو حنيفة إذا صلوا ودفنوا زال ملكه وقد خالف العقل الدال على أصالة بقاء الملك وقول النبي (ص) لا يحل مال امرء مسلم إلا عن طيب نفسه إنتهى وقال الناصب خفضه الله أقول مذهب الشافعي أنه لا بد في الوقف من الصيغة ولو بنى بناء على هيئة المسجد وأذن وصلى فيه لم يصر مسجدا إلا أن يكون في مواة و نواة ولو أذن في الدفن في ملكه ودفن لم يصر مقبرة وجرى أبو حنيفة على طريقته في عدم توقف العقود على الصيغة فجعل الفعل قائما مقام الصيغة الدالة على رضاه وأقول هذا الجواب رمي في الظلام وتوجيه لكلام أبي حنيفة بما هو أجدر بالطعن والملام وبالجملة لم يجعل أبو حنيفة القول بعدم توقف العقود على الصيغة طريقة للقطع بأنه يشترط في النكاح العقد بالإيجاب والقبول وكذا في غيره ولو سلم فذلك طريق غير مستقيم لا يؤيده النقل الصحيح ولا العقل السليم قال (المص) رفع الله درجته (الفصل الحادي عشر في المواريث وتوابعها) وفيه مسائل (الأولى) ذهبت الإمامية إلى توريث خمسة عشر أولاد البنات وأولاد الأخوات وأولاد الإخوة من الأم وبنات الإخوة من الأب والعمة وأولادها والخال وأولاده والخالة وأولادها والعم أخو الأب للأم وأولاده وبنات العم وأولادهن والجد أب الأم والجدة أم الأم على الترتيب المذكور في تصانيفهم ولا يرث مع واحد منهم مولى نعمة ويحجب بعضهم بعضا على ترتيب ذكروه في كتبهم وعليه جماعة من الصحابة والتابعين وقال أبو حنيفة إن ذوي الأرحام يرثون إلا أنه يقدم المولى ومن يأخذ بالرد عليهم فلو مات وترك بنتا وعمة فالمال للبنت نصفه بالفرض والآخر بالرد كما نقول نحن إلا أنهم يقدمون المولى على ذوي الأرحام ويوافقونا في أن من يأخذ بالرد أولى من أولي الأرحام ويقولون إذا لم يكن هناك مولى ولا من يرث بالفرض ولا بالرد كان لذوي الأرحام فخالفونا في توريث المولى معهم والباقي وفاق وقال الشافعي إنهم لا يرثون ولا يحجبون وإن كان للميت قرابة فالمال له وإن كان مولى كان له وإن لم يكن مولى ولا قرابة فميراثه لبيت المال وقد خالفا في ذلك قوله تعالى يوصيكم الله في أولادكم وولد البنت ولد للإجماع على أن عيسى (ع) ولد آدم وقال رسول الله (ص) ابناي هذان سيدا شباب أهل الجنة وقال لا ترزموا على ابني هذا بوله أي لا تقطعوا عليه وقد كان الحسن (ع) بال في حجره (ص) فأرادوا أخذه فقال ذلك وقال (ع) إن ابني هذا سيد يصلح الله به بين فئتين من المسلمين عنى به الحسن (ع) وقال الله تعالى وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض وقال الله تعالى للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون ولم يفرق بين الرجال والنساء وقال (ع) الخال وارث من لا وارث له وروى أبو هريرة أن النبي (ص) ورث الخال و الأخبار في ذلك كثيرة انتهى وقال الناصب خفضه الله أقول مذهب الشافعي أن أسباب التوريث القرابة والنكاح والولاء والإسلام فيرث القريب من القريب والزوج من الزوجة وبالعكس والمعتق من العتيق ولا ينعكس والمراد بالإسلام حيث مات ولم يخلف وارثا بالأسباب الثلاثة الخاصة أو فضل شئ من ذوي الفروض وانتظم بيت المال لإمام عادل يصرف الحقوق إلى المستحقين فإن لم ينتظم فالصحيح المرجح المفتى به أنه يرد الفاضل منهم عليهم و يورث ذووا الأرحام إن فقدوا فالخلاف بين مذهب الإمامية ومذهب الشافعي أن التوريث بالولاء مقدم على التوريث بالرحم وعند الإمامية بالعكس ودليل الشافعي أن النبي (ص) جعل الولاء لمن أعتق وليس فايدة الولاء إلا التوريث فالمولى هو الوارث بخلاف ذوي الأرحام فإنهم ليسوا ورثة بدليل ما روي في الصحاح عن بريدة أنه قال مات رجل من خزاعة فأتى النبي (ص) بميراثه فقال التمسوا له وارثا أو ذو رحم فلم يجدوا فقال أعطوه الكبر من خزاعة وهذا يدل بصريحه على أن ذا الرحم ليس بوارث و (أيضا) الخلاف بين المذهبين وإن بيت المال إذا كان منتظما فهو مقدم على توريث ذوي الأرحام ولا رد على ذوي الفروض وذهب الشافعي إلى هذا ودليله ما روي في الصحاح عن رسول الله (ص) أنه قال أنا مولى من لا مولى له أرث ماله وأعقل له الحديث وهذا يدل على تقدم جهة الإسلام وأما ما استدل به على مذهبه من قوله تعالى يوصيكم الله في أولادكم وولد البنت ولد فالجواب أنه ولد في التحنن والإشفاق إليه لا ولد في الميراث ولا شك أن عيسى ولد آدم لأنه تولد ممن تولد منه ولكن لا كل ولد يدخل في ولد الميراث كما ذكرنا وكذا الحسن والحسين هما ولدا رسول الله (ص) لأنهما تولدا من فاطمة وفاطمة (ض) تولدت من رسول الله (ص) ولكن لا مدخل لهم في الإرث لما ذكرنا من ثبوت الحجب بالإجماع ثم إن الشافعي قايل بتوريث ذوي الأرحام عند عدم انتظام بيت المال ويرد على الإمامية أن توريث ذوي الأرحام لو كان لوراثتهم فلم يقدمون الرد على ذوي الفروض على توريث ذوي الأرحام نعلم أن توريثنا ذوي الأرحام عند فقدان الوارث بالكلية وجهة الإسلام من أسباب التوريث كما ذكرنا من قول النبي (ص) فهي مقدمة على جهة الرحم إنتهى وأقول ينبغي أن يعلم أن القرآن اشتمل على آيات هن أحكام الفرايض كقوله تعالى يوصيكم الله في أولادكم والآية التي تليها وآية الكلالة ولم تشتمل الآيات على جميع الفرايض ولكن وردت السنة المطهرة بأصول أخر ووقع الاختلاف بين الصحابة في حكم ما لم يجدوه منصوصا وكثر اختلافهم في ذلك من حيث أن مسايل الفرايض غير مبنية على أصول معقولة ولأهل البيت عليهم السلام في الفرايض أصول خاصة وأكبر أصولهم وأهمها ما سيأتي من مسألة العول والتعصب فبسببهما باينوا الفرق المشهورة الآن وإن كان لهم فيهما موافق من غيرهم كما ستعرفه إن شاء الله
(٤٤٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 443 444 445 446 447 448 449 450 451 452 453 ... » »»