إحقاق الحق (الأصل) - الشهيد نور الله التستري - الصفحة ٤٤٧
ذهبت الإمامية إلى أن القبض بدون إذن الواهب يكون فاسدا وقال أبو حنيفة إن قبضه في المجلس صح وقد خالف العقل الدال على التسوية إنتهى وقال الناصب خفضه الله أقول مذهب الشافعي أن القبض المعتبر أن يكون بإذن الواهب فلو قبض بلا إذنه لم يملكه ودخل في ضمانه ولو أذن له في القبض ورجع قبله لم يصح القبض ووجه ما ذهب إليه أبو حنيفة أن القبض في المجلس بحضوره يقوم مقام الإذن بسكوته الدال على إذنه ورضاه إنتهى وأقول تحقيق كلام (المص) قدس سره وإبطال ما تكلفه الناصب لإصلاح كلام أبي حنيفة يتوقف على تقديم ما ذكره (المص) في التذكرة حيث قال الواهب بعد العقد بالخيار إن شاء قبض وإن شاء منع فإن قبض المتهب بغير إذن الواهب لم يصح القبض ولم تتم الهبة لأن التسليم غير مستحق عليه فلا يصح إلا بإذنه كما لو أخذ المشتري المبيع من يد البايع قبل تسليم الثمن بخلاف ما إذا قبضه المشتري بعد تسليم الثمن لأنه مستحق للقبض فلا يعتبر فيه إذن المستحق عليه أما هنا فإنه غير مستحق عليه فلا يصح بدون إذنه فإن قبضه بدون إذنه دخل في ضمانه فإن أذن له في القبض وقبضها تمت الهبة وإن رجع عن الإذن قبل أن يقبض المتهب بطل الإذن وإن رجع بعد القبض لم يبطل القبض لتمام الهبة قبل رجوعه وبه قال الشافعي وقال أبو حنيفة إذا قبضه في المجلس بغير إذن الواهب صح الواهب القبض وإذا قام من المجلس لم يجز قبضه إلا بإذن الواهب لأن الايجاب تضمن الإذن في القبول والقبض جميعا فإذا قبض صح كما إذا قبل وإنما اختص بالمجلس لأن الايجاب تضمنه وما تضمنه الايجاب اختص بالمجلس كالقبول وليس بجيد لأن الواهب لم يأذن له بعد العقد في القبض فلا يصح قبضه كما لو كان بعد المجلس ولا نسلم أن القبض والقبول تضمنها الايجاب وإنما القبول أثبته الشرع لا الموجب والقبض لم يوجد في لفظه ولو وجد في تلفظه لم يبطل بالقيام من المجلس كما لو أذن له بعد العقد وعلى أن القبول الايجاب جوابه فاقتضاه بخلاف القبض إنتهى إذا تقدم هذا فنقول إن أراد بالقبض في حضور مكون الواهب ناظرا شاهد القبضة فهو خلاف فرض المسألة وإن أراد كونه في مجلس حضره الواهب وإن كان الواهب عند قبضه كان في رواية أخرى من المجلس غير ناظر إلى قبضه فلا (ئم) أن هذا يقوم مقام الإذن فظهر أن عدول الناصب عما ذكره (المص) في التذكرة موافق لما في الهداية والوقاية من أصل دليل أبي حنيفة فرار من المطر إلى الميزاب قال (المص) رفع الله درجته (ب) ذهبت الإمامية إلى صحة هبة المشاع وقال أبو حنيفة لا يجوز فيما يقسم وقد خالف العقل الدال على الجواز والتسوية وقول النبي (ص) للوزان زن أرجح والرجحان هبة مشاع جايزة ووجه ما ذهب إليه أبو حنيفة أن قبض المشاع لا يمكن إلا بقبض الجميع ولا يتيسر في حصة الغير فلا يصح هبته وأما قوله أن الرجحان هبة مشاع فيقول أبو حنيفة وذلك للاحتياط وليس هو هبة إنتهى وأقول ما ذكره من أن قبض الجميع لا يمكن في حصة الغير (مم) لأنه لا يمتنع في بيع المشاع اتفاقا فكذا في الهبة وبالجملة الهبة تمليك ناجز ما لبيع وإنما يفترقان في العوض وعدمه فيجري فيها ما يجري في البيع على أن الناصب لم يتعرض لما أشار إليه (المص) بقوله والتسوية من أن ما حكم به أبو حنيفة فرق بين المتساويين لأن العقل لا يجد الفرق بين ما يقسم وما لا يقسم في الجواز وعدمه وكذا في امتناع قبض المجموع في أحدهما دون الآخر وبهذا علم إن ما استدل به الناصب على عدم إمكان قبض المشاع فيما يقسم جار فيما لا يقسم مع تخلف الحكم عنه عنده فيكون باطلا من هذا الوجه (أيضا) فافهم وأما ما ذكره من أن حكم النبي (ص) بالرجحان المستلزم لهبة المشاع قد وقع للاحتياط فمردود بأن الاحتياط موجود في جانب المساواة (أيضا) كما أن الرجحان احتياط لحال المشتري كذلك عدمه احتياط الحال البايع فبقي أن يكون ذلك هبة من جانب البايع (الظ) من حاله غالب العناء بالنسبة إلى المشترط الذي ظاهر حاله الافتقار فتأمل قال (المص) رفع الله درجته (ج) ذهبت الإمامية إلى لزوم الوقف بالعقد و الاقباض وقال أبو حنيفة لا يلزم إلا بحكم ا لحاكم وقد خالف قوله (ص) جلس الأصل وسبل الثمرة وإجماع الصحابة وعملهم عليه إنتهى وقال الناصب خفضه الله أقول مذهب الشافعي أن الوقف لازم في الحال وإن إضافة إلى دبر الحياة سلمه أو لم يسلمه قضى له قضى به قاض أو لم يقض فيمتنع الرجوع والتصرفات القادحة في غرض الواقف ومذهب أبي حنيفة توقف لزومه على حكم الحاكم فالوقف عنده صحيح ولكن غير لازم إلا بحكم الحاكم ولا مخالفة للحديث لأن الحديث يدل على جواز الوقف ولا يدل على اللزوم إنتهى وأقول جعل لزوم الوقف موقوفا على حكم الحاكم تحكم لا دليل عليه والحديث قد ورد عند السؤال عن كيفية وقف المزرعة ونحوها فالظاهر عدم إهمال بيان ما يحتاج إيقاعه ولزومه إليه مع أن الأصل في العقود اللزوم كما لا يخفى قال (المص) رفع الله درجته (د) ذهبت الإمامية إلى أنه يصح الوقف على بني تميم وبني هاشم وقال الشافعي لا يجوز لعدم حصرهم وخالف الاجماع الدال على جواز الوقف على الفقراء والمساكين إنتهى وقال الناصب خفضه الله أقول مذهب الشافعي أن الموقوف عليه إن كان مشخصا معينا أو جماعة معينين فالشرط أن يمكن تمليكه ولو وقف على قبيلة لا تنحصر كالعلوية جاز الاقتصار على ثلاثة منهم وعلى قبيلة ينحصر لزم تعميمهم وبعد هذا النقل يعلم أنه لم ينقل المذهب على ما هو عليه إنتهى وأقول قال النووي في الروضة بعد ذكر طريقة للعراقيين من الشافعية في ذلك ويجوز أن يخرج على هذا الأصل الخلاف في صحة الوقف على قبيلة كالعلوية وغيرهم ممن لا ينحصر وفي صحته قولان كالوصية لهم (اه) وما ذكره الناصب بقوله ولو وقف على قبيلة لا ينحصر جاز الاقتصار على ثلاثة منهم قد ذكره النووي بعد ذلك بعدة ورقات مشعرا فيه بالخلاف (أيضا) حيث قال فصل في مسايل منشورة يتعلق بالباب إحداها لو لوقف على الطالبيين وجوزناه كفى الصرف إلى ثلاثة (اه) فعلم أن الناصب أغمض العين عن العبادة الأولى ونقل العبادة الثانية حاذفا عنه قول النووي وجوزناه لئلا يفهم منه وقوع الخلاف في القول بينهم وبهذا ظهر أن الناصب لم ينقل مذهب إمامه على ما هو عليه لعجزه عن إصلاحه بما يوجب الاقناع فضلا عن إتيانه فيه بالبرهان والله المستعان وقد صرح (المص) في التذكرة (أيضا) بأن ذلك أحد قولي قال الشافعي حيث إذا وقف على قبيلة عظيمة كثيرة الانتشار كقريش وبني تميم وبني وايل ونحوهم صح عند علمائنا وهو أحد قولي الشافعي لأصالة الصحة
(٤٤٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 442 443 444 445 446 447 448 449 450 451 452 ... » »»