إحقاق الحق (الأصل) - الشهيد نور الله التستري - الصفحة ٤٥٢
كتاب الفرايض التي ملأ رسول الله (ص) وخط علي (ع) بيده فوجدت فيها رجل مات فترك ابنته وأمه للبنت النصف ثلاثة أسهم وللأم السدس منهم فقيم المال على أربعة أسهم فما أصاب ثلاثة أسهم فلابنته وما أصاب منهما فهو للأم قال وقرأت فيها رجل ترك ابنته وأباه للبنت النصف وللأب السدس يقسم المال على أربعة أسهم فما أصاب ثلاثة أسهم فللبنت وما أصاب سهما فللأب ومنها عن عبد الله بن يحيى عن أبي عبد الله (ع) في رجل ترك ابنته وأخته لأبيه وأمه فقال المال كله لابنته وليس للأخت من الأب والأم شي وغير ذلك من الأخبار ولا فايدة في الاكثار منها فإنه المعروف من فقه أهل البيت (ع) لا يعرفون خلافه وأما الجمهور فاحتجوا إلى إثبات التعصب بوجوه الأول أنه تعالى لو أراد توريث أو نحوهن أكثر ما فرض لهن لفعل ذلك والتالي (بط) فنه تعالى نص على توريثهن مفصلا ولم يذكر زيادة على النصيب وبيان الملازمة أنه تعالى لما ورث الابن الجميع لم يرفض له فرضا وكذا الأخ للأب والعم وأشباههم فلولا قصر ذوي الفرض على فروضهم لم يكن في التنصيص على المقدار فايدة الثاني قوله تعالى إن امرء هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك وهو يرثها إن لم يكن لها ولد فإن وجه الاستدلال أنه تعالى حكم بتوريث الأخت نصفه ميراث أخيها مع عدم الولد وحكم بتوريث الأخ ميراثها أجمع بدليل قوله تعالى وهو يرثها فلو ورثت الأخت الجميع كما هو مذهبكم لم يبق للفرق بين الأخت والأخ ثمرة أصلا الثالث قوله تعالى وإني خفت الموالي من ورائي وكانت امرأتي عاقر وهب لي من لدنك وليا يرثني ووجه الاستدلال إن زكريا (ع) لما خاف أن يرثه عصبة سأل الله تعالى أن يهبه ولدا ذكرا بدليل قوله تعالى وليا يرثني ولو كانت الأنثى تمنع العصبة لما كان في اختيار الذكر مزية الرابع وهو عهدهم كما أشرنا إليه سابقا ما رواه وهب عن طاوس عن أبيه عن ابن عباس عن النبي (ص) أنه قال الحقوا الفرايض بأهلها ما أبقت فلأولي عصبته ذكر وفي أخرى فلأولي رجل ذكر عصبته وهذا نص وروى عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر أن سعد بن الربيع قتل يوم أحد فجاءت ارأته بابنتيه إلى النبي (ص) وقالت يا رسول الله (ص) إن أباهن قتل يوم أحد وأخذ عمه المال كله ولا ينكحان إلا ولهما مال فقال النبي (ص) سيقضي الله في ذلك فأنزل الله تعالى في ذلك يوصيكم الله في أولادكم الآية فدعا (ص) العم فقال اعط الجاريتين الثلثين واعط أمهما الثمن فما بقي فلك وهذه نص (أيضا) وأجيب عن الوجه الأول بأن حاصله يرجع إلى أن كل من فرض له من الورثة فرض لا يزاد عنه وكل من لم يفرض له يعطي الجميع وهذا باطل أما أولا فلاعتراف الخصم بنقصه عنه ولو كان الفرض مانعا من إزالة صاحبه عنه لم يجز النقص فما المانع من الزيادة بل الأمر في النقصان أولى لأن النقصان ينافي الفرض بخلاف الزيادة عليه بدليل آخر فإن على ه أعمال الدليلين وحصول (المط) من كل منهما وإما ثانيا فلأن هذه الآية معارضته بآية أولي الأرحام فلا بد من التوفيق بينهما وهو لا يحصل إلا بالرد على الأقرب وإن كان ذا فرض لدلالة آية أولي الأرحام عليه وإنما قلنا ذلك لأن الله تعالى لم يمنع في الآية من الرد وإلا لم يحصل النزاع وقد دلت آية أولي الأرحام على الرد لدلالتها على التوريث بقربى الرحم والعمل بمضمون الآيتين أولي من اطراح إحديهما لدلالة المفهوم التي هو من أضعف الأدلة وأما ثالثا فلأنه لا بد من رد الفاضل على شخص بدليل وإلا لأدى إلى القسمين وسنبطل الخبرين المقتضيين للرد على العصبة إن شاء تعالى وإذا بطلا تعين الرد على أولي الأرحام وإلا لزم خرق الاجماع وبهذه الوجوه يظهر الجواب عن الوجه الثاني لأنه راجع إلى أن الأخت لم يسم لها أكثر من النصف فلا تزاد عليه وأما الأخ فمحكوم بتوريثه الجميع وقد ظهر ضعف هذا التمسك على أنه يمكن الاستدلال بهذه الآية على بطلان التعصيب من حيث إن الله تعالى شرط في توريث الأخ من الأخت عدم ولدها وإذا كان لها بنت لم يكن ولدها معدوما وإذا وجد المنافي للشئ استحال لاستحالة اجتماع المتنافيين فيجب أن لا يرث الأخ مع البنت شيئا وهو خلاف مدعاكم وعن الوجه الثالث بالمنع من كون زكريا طلب الذكر بل الأنثى أو الأعم بقرينة أنه لما كفل مريم ورأى من بركتها وكرامتها ما رأى دعا ربه وقال رب هب لي من لدنك ذرية طيبة فظاهر الحال وسياق الآية يقتضي أنه لم يطلب إلا مثل مريم فأعطاه الله أفضل منها ولو نزلنا لقلنا إنه طلب الأعم ولو سلمنا أنه طلب الذكر لا يلزم منه أنه خاف العصبة لأنه لو كان له بنو عم أو بنات عم لم يرثوه بالعصبة بل لكونهم من أولي الأرحام لأن ميراث العصبة المفروض هنا ليس إلا توريث العصبة مع ذوي الفرض لا (مط) مع أن طلب الذكر جاز أن يكون لمحبة طبعه كما لا يخفى من عبادة الخلق سلمنا لكن لا يلزم من ثبوت ذلك في شرعه ثبوته في شرعنا لأن شريعة نبينا (ص) ناسخة للشرايع وما يوافق منها كما سبق على وجه الاتفاق لا الاستصحاب على أن الآية حجة لنا لا لهم لأن قوله وكانت امرأتي عاقرا أي لا تلد يقتضي أنها إذا ولدت لم يخف الموالي من ورائه أعم من كونه ذكرا أو أنثى لأنها لو ولدت أنثى لم تبق عاقرا وإذ لم تبق عاقرا لم يخف الموالي فظهر أن الأنثى تمنع الموالي وهو (المط) وعن الوجه الرابع بوجهين أحدهما أن المروي عنه أنه أنكر الخبر الأول وهو يقتضي رده عند أهل الحديث روى أبو طالب الأنباري قال حدثنا محمد بن أحمد الترمذي قال حدثنا بشر بن هارون قال حدثنا الحميري قال حدثنا الحميري قال حدثنا سفين عن أبي إسحق عن قاربة بن مضرب قال جلست إلى ابن عباس وهو بمكة فقلت يا ابن عباس حديث يرويه أهل العراق عنك وطاووس مولاك يرويه أن ما أبقت الفرايض فلا ولي عصبة ذكر قال من أهل العراق أنت قلت نعم قال أبلغ من ورائك أني أقول إن قول الله عز وجل آباءكم وأبناءكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعا فريضة من الله وقوله وأولي الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله وهل هذه إلا فريضتان وهل أبقيا شيئا ما قلت هذا ولا طاووس يرويه على قال قاربة بن مضرب فلقيت طاووسا فقال لا والله ما رويت هذا عن ابن عباس وإنما الشيطان ألقاه على ألسنتهم قال سفين المروي عنه هذا الحديث أراه من قبل ابنه عبد الله بن طاووس فإنه كان على خاتم سليمان بن عبد الملك وكان يحمل على هؤلاء القوم حملا شديدا يهني بني هاشم فكيف يتمسك بهذا الحديث بعد ما ذكرناه وثانيهما أنه يقتضي خلاف ما هم عليه في صور كثيرة منها ما لو خلف الميت بنتا وأخا وأختا فمقتضاه أن الأخ يعطي وتحرم الأخت وهم يقسمون الزايد عن فرض البنت بينهما أثلاثا ومنها ما لو خلف
(٤٥٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 447 448 449 450 451 452 453 454 455 456 457 ... » »»