إحقاق الحق (الأصل) - الشهيد نور الله التستري - الصفحة ٤٤٦
وإذا كانت الأرض بين النخيل قال الشافعي العقد فاسد وكرهه عكرمة ومجاهد والنخعي وأبو حنيفة وروى عن ابن عباس الأمران وجوزها الشافعي في الأرض بين النخل إذا كان بياض الأرض أقل وإن كان أكثر فعلى وجهين ومنع المزارعة في الأرض البيضاء لما روى رافع ابن خديج قال كنا نخابر على عهد رسول الله (ص) فذكر أن بعض عمومته أتاه فقال نهى رسول الله (ص) عن أمر كان لنا نافعا وطواعية رسول الله (ص) أنفع قلنا ما ذاك قال قال رسول الله (ص) من كانت له أرض فليزرعها ولا يكريها بثلث ولا ربع ولا بطعام مسمى وعن ابن عمر قال كنا لا نرى بالمزارعة بأسا حتى سمعت رافع ابن خديج يقول نهى رسول الله (ص) عنها وقال جابر نهى رسول الله (ص) عن المخابرة وعن جابر قال كنا نزرع بالثلث والربع والنصف فقال النبي (ص) من كانت له أرض فليزرعها أو ليمنحها فإن لم يفعل فليمسك أرضه وعن زيد بن ثابت قال نهى رسول الله (ص) عن المخابرة قلت وما المخابرة قال أن تأخذ الأرض بنصف أو بثلث أو بربع ولا دلالة في حديث رافع لما رواه عروة بن الزبير عن زيد بن ثابت أنه قال يغفر الله لرافع أنا والله أعلم بالحديث منه إنما أتاه رجلان من الأنصار وقد اقتتلا فقال رسول الله (ص) إن كان هذا شأنكم فلا تكروا للزرع فهذا خرج على وجه المشورة والإرشاد دون الايجاب لأن حديث رافع تضمن النهي عن كراء الأرض بثلث أو ربع ونحن نسلم ذلك فإنه لا يجوز إجارة الأرض بثلث ما يخرج منها أو ربعه والنزاع إنما إنما هو في المزارعة وهي غير مندرجة في الحديث والحديث الذي ذكره فيه لفظ المزارعة محمول على الإجارة فلأن القصة واحدة رويت بألفاظ مختلفة فيجب تفسير أحد اللفظين بما يوافق الآخر لئلا تتنافى الأخبار ولأن أحاديث رافع مضطربه جدا مختلفة اختلافا شديدا يوجب ترك العمل بها لو انفردت فكيف يقدم على مثل أحاديثنا قال أحمد بن حنبل أحاديث رافع ألوان وقال أيضا حديث رافع ضروب قال ابن المنذر جاءت الأخبار عن رافع بعلل تدل على أن النهي كان لذلك قال زيد بن ثابت أنا أعلم بذلك منه وإنما سمع النبي (ص) رجلين قد اقتتلا فقال إن كان هذا شأنكم فلا تكروا المزارع وروي البخاري عن عمر بن دينار وقال قلت لطاووس أو تركت المخابرة فإنهم زعموا أن النبي (ص) نهي عنها فقال إن أعلمهم يعني ابن عباس أخبرني أن رسول الله (ص) لم ينه عنه ولكن قال لئن يمنح أحدكم أرضه خير من أن يأخذ عليها خراجا معلوما ولأن أحاديث رافع منها ما يخالف الاجماع وهو النهي عن كراء المزرعة على الاطلاق ومنها اضطرابه في المسند عنه فتارة يحدث عن بعض عمومته وتارة عن سماعة وتارة عن ظهير بن رافع ومع هذا الاضطراب يجب اطراحها واستعمال الأخبار الواردة في شأن خيبر فإنها تجري مجرى المتواترة التي لا اختلاف فيها وقد عمل بها الصحابة وغيرهم فلا معنى لتركها اعتمادا على الأخبار الواهية ولو سلم سلامته عن المطاعن وعدم قبوله للتأويل وقد تعذر الجمع فلا بد وإن يكونا أحد الخبرين ناسخا للآخر ويستحيل القول بنسخ حديث خيبر لكونه معمولا به من جهة رسول الله (ص) ثم من بعده إلى عصر التابعين فأي وقت ثبت نسخه وحديث جابر في النهي عن المخابرة محمول على ما حمل عليه خبر رافع فإن تأوله الشافعية بعود النهي إلى الأرض البيضاء والتجويز في قضية خيبر إلى الأرض المتخللة بين النخل كان بعيدا لعدم الدلالة عليه بخلاف ما تأولناه فإنه لدليل ولأن ما ذكرناه أولى بعمل الصحابة والتابعين وأهل البيت (ع) دون ما تأولوه ولأن ما ذكرناه مجمع عليه لأن الباقر (ع) روى ذلك عن أهل بيت كل بيت بالمدينة وعن الصحابة وأهاليهم وفقهاء الصحابة واستمر ذلك إلى الآن وهذا مما لا يجوز خفاءه ولم ينكره أحد من الصحابة فكان إجماعا والذي خالفه فقد بينا فساده والقياس يقتضيه فإن العين تنمى بالعمل فجازت المعاملة عليها ببعض نمائها كالأثمان في المضاربة والنخل في المساقاة أو نقول أرض فجازت المزارعة عليها كالأرض بين النخل ولأن الحاجة داعية المزارعة لأن أصحاب الأراضي لا يقدرون على ردعها والعمل عليها والاكرة يحتاجون إلى الزرع أكثر منها إلى غيره لكون الأرض لا ينتفع وإنما ينهى عنا المضار والمفاسد فدل ذلك على غلط الراوي إنتهى هكذا ينبغي فقه المسألة وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم قال (المص) رفع الله درجته ذهبت الإمامية إلى أنه يصح إجارة الأرض بالطعام وقال مالك لا يجوز وقد خالف العقل الدال على أصالة الجواز وقوله تعالى أوفوا بالعقود وقال الناصب خفضه الله أقول مذهب الشافعي أنه لو استأجر بالحنطة أو الشعير ووصف وضبط كما في السلم صحت وإلا فيبطل وإن صح ما رواه عن مالك فهو محمول على عدم الانضباط لعدم الوصف إنتهى وأقول إن أراد أنه محمول على أنه لا يمكن الضبط (مط) المضبط فهو مع أنه (مم) رد على ما نقله قبيل ذلك في تقرير مذهب إمامة الشافعي وإن أراد أنه محمول على أن مالك أفتى بعدم الجواز في صورة عدم الوصف والضبط لا (مط) ففيه أنه لا يجوز الفقيه إطلاق عدم الجواز فيما يكون غالب أفراده جايزا عنده فلا مجال لحمل كلامه على ذلك كما لا يخفى قال (المص) رفع الله درجته (يا) ذهبت الإمامية إلى أنه يجوز أن يؤجر أرضه لزرع الطعام كالحنطة وقال الفقهاء الأربعة إذا عين الطعام بطل وقد خالفوا العقل الدال على أصالة الجواز وقوله تعالى أوفوا بالعقود إنتهى وقال الناصب خفضه الله أقول مذهب الشافعي أنه لو استأجر لزراعة جنس أو نوع معين جاز أن يزرعه وما ضرره مثله أو دونه لا فوقه فلو استأجر لزراعة البر لم يزرع السمسم وبالعكس جاز وهذا تصريح بأنه يجوز الاستيجار لزراعة الجنس المعين كالحنطة فقد ظهر أنه افترى على المذاهب إنتهى وأقول قد جرت عادة الشافعيين والحنفيين والمالكيين على أنهم إذا عجزوا عن نصرة فتوى إمامهم أنكروا معرفة ذلك مع أن للشافعي وأضرابه كثيرا من الأقوال الذي لا يعرفه إلا النحارير من أصحابهم فكيف بالناصب الجاهل الذي كان نظره في هذه المسايل مقصورا على كتاب الأنوار الذي هو من المختصرات المقتصرة لما وقع عليه الفتوى بين متأخري الشافعية وقد نبه على ذلك ابن حزم (أيضا) في باب البيع من كتاب المحلى حيث قال إن قول الشافعي بجواز بيع الحر في الدين قولة غريبة لا يعرفها من أصحابه إلا من تبحر في الحديث والآثار إنتهى قال (المص) رفع الله درجته (الفصل العاشر في الهبات وتوابعها) وفيه مسايل (الأولى)
(٤٤٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 441 442 443 444 445 446 447 448 449 450 451 ... » »»