وأهل البيت عليهم السلام أدرى بما في بيت النبي (ص) إذا تمهد هذا فلنشر إلى بيان معنى الأرحام في الآية لما فيه من التردد والخلاف فنقول الرحم لغة القرابة المطلقة وكذا عرفا وذكر الراغب الإصفهاني في مفرداته إن استعادته من رحم الأنثى لكونهم خارجين من رحم واحدة وأصل الرحمة وذلك لأنها مما يتراحم به ويتعاطف تقول وصلتك رحم ومن أجل ما ذكرناه من العرف واللغة ذهب علماء الإمامية إلى تسمية القرابة المطلقة رحما سواء الذكر والأنثى الوارث وغير الوارث والمحرم وغير المحرم لأن الاسم يتناول الجميع على السواء ولم يعهد في الشرع معنى آخر وضع هذا اللفظ له فوجب صرفه إلى المتعارف كما هو المعهود من عادة الشرع وبعض علماء الجمهور قصر ذلك على المحارم الذين يحرم التناكح بينهم وإن كانوا من قبيل يقدر أحدهما ذكرا والآخر أنثى فإن حرم التناكح بينهم فهو الرحم محتجا بأن تحريم الأختين إنما كان لما يتضمن قطيعة الرحم وكذا تحريم الجمع بين العمة والخالة وابنة الأخ والأخت ويرده ما تقدم نعم يشترط أن لا يبعد الشخص جدا بحيث لا يعد في العرف من القرابة وإلا لكان جميع الناس أقرباء لاشتراكهم في آدم (ع) إذا عرفت هذا فنقول بعد تسليم صحة الحديث الذي استدل به الشافعي يحتمل أن يكون عطف ذا رحم على وارثا من قبيل عطف العام على الخاص إشارة إلى رعاية المرتبة فإن في الإرث كما دل عليه قوله تعالى وأولي الأرحام بعضهم أولى ببعض الآية طبقات ومراتب مرتبة بمعنى أن الثانية لا ترث مع وجود واحد من الطبقة الأولى مستحق للميراث وكذا الثالثة لا ترث مع وجود واحد من الثانية يستحق الميراث ومن البين أن ذوي الأرحام أعم ممن يرث في المرتبة الأولى وغيره (وأيضا) يحتمل أن يكون قول الراوي وارثا أو ذا رحم تشكيكا منه في لفظ ما التمسوه لا ترديدا منهم بين الأمرين و (ح) يحصل الجمع بين الدليلين ويبطل استدلال الشافعي كما لا يخفى وأما ما استدل به الناصب على أن ولد البنت ولد في الاشفاق لا في الميراث بأنه لو كان ولدا مثل ولد الصلب لما كان يحجبه ولد الصلب (اه) فمردود بأن انتفاء مثلية ولد البنت لولد الصلب فيما ذكره لا يدل على نفي الولدية ولا نفي الميراث (مط) لجواز أن يكون عدم المماثلة في المرتبة معلوما من خارج بما يخصص قاعدة تشارك الأولاد ألا يرى أن ولد الولد ولد اتفاقا ولا يشارك الولد الصلبي ولو لم يكن ولد البنت ولدا حقيقيا وارثا كما توهمه الناصب للزم تكذيب الله تعالى في سورة الكوثر حيث قال إن شانئك هو الأبتر فإنه تعالى على ما روى الجمهور (أيضا) إنما قال ذلك ردا على من شامت النبي (ص) عند وفاة ابنه عبد الله (رض) عنه بأنه أبتر لا عقب له من الأولاد وبقاء من كان ولدا في التحنن والإشفاق دون من كان ولدا حقيقة لا يدفع الشماتة كما لا يخفى وبالجملة هذه الآية وآية المباهلة أعني قوله تعالى قل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم والأحاديث التي ذكرها (المص) صريحة في أن ولد الابنة ابن علي الحقيقة وقد تمسك أبو حنيفة على نفي ذلك بشعر واحد من أجلاف العرب وهو قوله شعر بنونا بنو أبنائنا وبناتنا بنوهن أبناء الرجال الأباعد مع أن الشعر المذكور يحتمل أن يكون محمولا على التوسع والمبالغة والآية محمولة على حقيقته ويمكن (أيضا) أن يكون للشاعر خصومة مع أصهاره وأولادهم فأنشد ذلك لشجي وعضة له منهم كما قال آخر شعر فإن ابن أخت القوم مصطفى أناءه إذا لم يزاحم خاله باب جلد ونظير هذا قول العجم خواهر زاده بايد خريد وبسنك بايد كشت وأما ما ذكره من الايراد على الإمامية فهو مردود بما مر من أن في الإرث طبقات ومراتب مرتبة يحجب بعضها بعضا فليكن تقديم ذوي الفروض على ذوي الأرحام من هذا القبيل والله الهادي إلى سواء السبيل قال المصنف رفع الله درجته (ب) ذهبت الإمامية إلى أن الأم يرد عليها وكذا البنت وقال الشافعي للبنت النصف والباقي لبيت المال وقد حالف قوله تعالى وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله وقول النبي (ص) تحوز المرأة ثلاث مواريث عتيقها ولقيطها وولدها وجعل ميراث ولد الملاعنة لأمه فقال (ع) ولد الملاعنة أمه أبوه وأمه فجعلها كالأبوين انتهى وقال الناصب خفضه الله أقول مذهب الشافعي أن الأم له فرضان الثلث إذا لم يخلف الميت ولد أولا ولد ابن ولا ابنين من الإخوة والأخوات من الأب والأم أو منهما أو بعض من جهة وبعض من جهة أخرى وللاثنين فصاعدا من أولاد الأم بالتسوية والثاني السدس إذا كان للميت ولد أو ولد ابن أو اثنان من الإخوة والأخوات فكيف يقول إن الشافعي لم يورث الأم انتهى وأقول مراد (المصنف) قدس سره أن الإمامية ذهبوا إلى أنه إذا انفردت الأم مثلا أخذ المال بتمامه الثلث بالتسمية والباقي بالرد عليها وكذا في البنت عند إفرادها فلها النصف تسمية والباقي ردا والشافعي لم يذهب إلى ذلك بل جعل الباقي من الثلث في الصورتين لبيت المال والآية حجة عليه كما ذكره (المصنف) فقول الناصب فكيف يقول إن الشافعي لم يورث الأم مغلطة ظاهر الفساد كما لا يخفى ثم نقول أن ظاهر كلام (المصنف) يدل على أن مخالفة الشافعي مع الإمامية في ميراث البنت فقط لا فيه وفي ميراث الأم معا و (ح) إثبات أن الشافعي يورث الأم دون الاثبات أنه يورث البنت لا يجدي في دفع إيراد (المصنف) بل هو غلط آخر فتدبر قال (المصنف) رفع الله درجته (ج) ذهبت الإمامية إلى أن السلم يرث الكافر خلافا للأربعة وقد خالفوا في ذلك قوله تعالى يوصيكم الله في أولادكم وقوله (ع) الإسلام يعلو ولا يعلى عليه وقوله (ع) الإسلام يزيد ولا ينقص انتهى وقال الناصب خفضه الله أقول مذهب الشافعي أنه لا يرث المسلم من الكافر وبالعكس ويرث الكافر من الكافر لكن لا يرث الذمي من الحربي وبالعكس ودليله على عدم توارث أهل الملتين ما ثبت في الصحاح عن رسول الله (ص) أنه قال لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم و (أيضا) روي في الصحاح أنه قال عليه السلام لا يتوارث أهل ملتين شتى و (أيضا) الاجماع على أن عليا وجعفرا عليهما السلام لم يرثوا أبا طالب وورثه عقيل فباع الدور وقال رسول الله (ص) وهل ترك لنا عقيل من دور وما ذكر من قوله تعالى يوصيكم الله في أولادكم فهذا خطاب للمؤمنين فولد الكافر ليس منا حتى يدخل في قوله يوصيكم انتهى وأقول أحاديث صحاحهم سقام كما مر بيانه مرارا مع أن قوله لا يرث السلم الكافر في الحديث الأول من اصنافات الناصب وإنما المراد عنه (ص) لا يرث
(٤٤٩)