إحقاق الحق (الأصل) - الشهيد نور الله التستري - الصفحة ٤٣٨
بمجرد ذلك راجلا في مدة عمره لإمكان تحصيل غرض الركوب ببيع ذلك الحمار وشراء غيره وبالجملة هذا الفتوى والاستدلال البالغ في الهذار لا يليق إلا بمن هو أبلد من الحمار قال المص رفع الله درجته في التذكرة الأصل عند مالك في هذا أنه إذا جنى على عين ما تلف غرض صاحبها فيها كان على الجاني كمال القيمة لأنه قد أتلف عليه المنفعة المقصودة من السلعة فلزمه قيمتها كما لو أتلف جميعها وهو غلط لأن الاعتبار بالمجني عليه وأما غرض المالك فلا عبرة به لأنها إن لم تصلح له صلحت لغيره لأن منفعتها باقية ولا اعتبار بأغراض الملاك فإن من وطئ جارية الأب بالشبهة وجب عليه مهر المثل كمن وطئ جارية الأجنبي بالشبهة وإن تضمن وطئ جارية الأب التحريم المؤبد عليه انتهى قال المص رفع الله درجته وذهبت الإمامية إلى أن المنافع يضمن بالغصب كزراعة الأرض وسكنى الدار وقال أبو حنيفة لا يضمن فإن غصب أرضا فزرعها ببذره فلا أجرة عليه فإن نقصت الأرض فالأرش وإلا فلا وقال أيضا لو آجرها الغاصب ملك الأجرة دون المالك وقد خالفوا العقل والنقل فإن العقل قاض بقبح التصرف في مال الغير وعدم إباحة فيجب العوض وقال الله تعالى فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم وجزاء سيئة سيئة مثلها وغير ذلك انتهى وقال الناصب خفضه الله أقول مذهب الشافعي أنه يلزمه أجرة المثل إذا زرع أرض الغير غصبا وذهب أبو حنيفة إلى أن الغصب لا يتعلق بالمنافع لأن الاستيلاء لا يتحقق فيها فحقيقة الغصب غير متحقق عنده فلا تصرف في مال الغير بالاستيلاء و هو قبيح انتهى وأقول ما ذكره من أن حقيقة الاستيلاء لا يتحقق فيها إنما نشاء من استيلاء الشيطان عليه وكيف لا يتحقق الاستيلاء عليها مع استيلائه على عين مال المالك المستلزم لحيلولته بينه وبين منافعه ومنعه منها ولنعم ما قال ابن حزم من أن ما ذهب إليه أبو حنيفة في هذه المسألة من عجايب الدنيا لأن الغاصب إذا حال بين صاحبه وبين عين ماله حال بينه وبين منافعه فضمنها ولزمه أداء ما منعه من حقه بأمر رسول الله ص أن يعطي كل ذي حق حقه وكراء متاعه من حقه ففرض على مانعه إعطاء حقه انتهى وقد استدل المص في التذكرة على ضمان المنافع بوجوه أخرى وهي أن المنافع مضمونة بالعقد الفاسد فتضمن بالغصب كالأعيان وأنها متقومة فإن المال يبل لتحصيلها ولو استأجر عينا لمنفعة فاستعملها في غيرها ضمنها فأشبهت الأعيان ولأن كل مضمون بالإتلاف في العقد الفاسد جاز أن يضمنه بمجرد الاتلاف كالأعيان ولا يخفى أن الناصب لم يتعرض لأدلة المط لا العقلي ولا النقلي فعلى تقدير تسليم صحة الدليل الذي اخترعه لأبي حنيفة لا يكفيه إثبات المطلوب به ما لم يدفع معارضة تلك الأدلة لها وإنما قلنا إنه اخترع ذلك لأن الدليل المشهور المنقول عن أبي حنيفة هوان الضمان إنما يكون بعقد أو شبهة عقد فلا يضمن المنافع لأنه استوفى منفعة بغير عقد ولا شبهة ملك فلا يضمنها كما لو زنى بامرأة وأجاب عنه المص في التذكرة بأن الفرق ظ فإن المرأة رضيت بإتلاف منافعها يغير عوض ولا عقد يقتضي العوض فكان بمنزلة من أعار داره قال المص رفع الله درجته ز ذهبت الإمامية إلى أن المقبوض بالبيع الفاسد لا يملك بالعقد ولا بالقبض وقال أبو حنيفة يملك بالقبض وقد خالف العقل والنقل فإن الفاسد وجوده في السببية كالعدم وقال الله تعالى ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل انتهى وقال الناصب خفضه الله أقول قد ذهب دليل هذه المسألة وإن أبا حنيفة يجعل القبض سببا للملك لوقوع أصل البيع والفساد ويجعله خارجا عن العقد انتهى وأقول هذان الجعلان أظهر بطلانا من أصل فتوى أبي حنيفة فلا يدفع طعن المص عنه قال ابن حزم أما قول أبي حنيفة من باع بيعا فاسدا فقيضه المشتري فقد ملكه ملكا فاسدا فكلام في غاية الفساد ريا علم أحد قط في دين الله ملكا فاسدا لأنه إما ملك فهو صحيح أو لا ملك فليس صحيحا وأما ما عدا هذا فلا يعقل وإذا أقر بأن الملك فاسد فقد قال الله تعالى والله لا يجب الفساد فلا يحل لأحد أن يحكم بإنفاذ ما لا يحبه الله عز وجل وقال الله تعالى إن الله لا يصلح عمل المفسدين فمن أجاز شيئا نص الله على أنه لا يصلحه فقد عارض الله تعالى في حكمه وهذا عظيم جدا وقد احتج بعضهم في هذا بحديث بريرة وهذا احتجاج فاسد وتبرأ إلى الله ممن نسب إلى رسول الله ص أنه أنفذ الباطل وأجاز الفاسد والله ما يقر على هذا نفس مسلم واحتج بعضهم بأن البايع سلطه عليه وفيه أنه ليس لأحد أن يسلط غيره على شئ من ماله ما لم يأذن الله تعالى فيه فليجيزوا على هذا أن يسلطه على وطئ أم ولده وأمته وهذه ملاعب وضلال لا خفاء به قال المص رفع الله درجته ح ذهبت الإمامية إلى أنه إذا غصب جارية حاملا ضمن الولد كالأم وقال أبو حنيفة لا يضمن الولد بل الأم خاصة وقد خالف العقل والنقل فإن العقل قاض بوجوب العوض عن الظلم وقال الله تعالى فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم وقال ع على اليد ما أخذت حتى تؤدي انتهى وقال الناصب خفضه الله أقول جعل أبو حنيفة الولد في حكم الجزء المتصل فلم يجعل له ضمانا على حدة ولا مخالفة للنص لأنه لم يعتد إذا ضمن الأم والولد كالجزء المتصل انتهى وأقول تحقق الكل بدون الجزء محال فضمان الكل يتضمن ضمان الجزء مع أن أبا حنيفة لا يحكم بضمان الولد أصلا لا على حدة ولا من حيث اتصاله بالأم ودخوله في الكل ويدل على أن أبا حنيفة لم يقل بمباشرة غصب الولد أصلا ما نقله من ابن حزم عن الحنفية ههنا وأجاب عنه حيث قال قالوا ليس معتديا لأنه لم يباشر غصب الولد لأنه بمنزلة ريح ألقت ثوبا في منزل الإنسان قلنا هذا باطل لأن الذي رمت الريح الثوب في منزله ليس متملكا له ولو تملكه للزمه ضمانه وهذا الغاصب متملك لما تولد حايل بينه وبين صاحبه الذي افترض الله تعالى رده عليه وحرم عليه إمساكه فهو معتد بذلك يقينا فعليه أن يعتدي بمثل ما اعتدي انتهى وقال المص في التذكرة قال أبو حنيفة ومالك أنه لا يضمنها وهي أمانة يضمن بما يضمن به ساير الأمانات خاصة إلا أن يطالب بها فيمتنع من أدائها فيضمن كما في الأمانات لأن إثبات يده على هذه الزوايد ليس من فعله المحرم لأنه يبني على وجود الزوايد في يده ووجودها ليس بفعل منه محرم منه وهو غلط لأنه بإمساك الأم تسبب إلى إثبات يده على هذه الزوايد وإثبات يده على الأم محرم ولأن ذلك يتوقع
(٤٣٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 433 434 435 436 437 438 439 440 441 442 443 ... » »»