إحقاق الحق (الأصل) - الشهيد نور الله التستري - الصفحة ٤٤٣
لأن السنة يكمل فيها الزرع ولا يحتاج إلى الزيادة عليها ولأن السنة مدة تنظم الفصول الأربعة ويتكرر فيها الزروع والثمار والمنافع يتكرر بتكررها والثاني أنه يجوز أن يواجر أكثر من سنة واحدة كما يجوز الجمع في البيع بين أعيان كثيرة ويثبت (ح) طريقان أحدهما إن في المسألة قولين أحدهما أنه لا يجوز الزيادة على ثلاثين سنة لأنها نصف العمر والغالب ظهور التغير على الشئ بمضي هذه المدة فلا حاجة إلى تجويز الزيادة عليها وأصحهما عندهم أنه لا تقدير كما لا تقدير في جمع الأعيان المختلفة في البيع والطريق الثاني القطع بالقول الثاني وحمل القول بالثلثين على التمثيل للكثرة لا للتحديد وإنما أراد به إجارة سنين كثيرة كأنه قال ولو كانت ثلاثين سنته وعلى هذا فهل من ضابط اختلف أصحابه فمعظمهم أنه يجب أن يكون المدة بحيث يبقى إليها ذلك الشئ غالبا فلا يؤجر العبد أكثر من ثلاثين سنة والدابة توجر إلى عشر سنين والثواب إلى سنتين أو سنة على ما يليق به والأرض إلى مائة وأكثر وقال بعضهم يؤجر العبد إلى مائة وعشرين سنة من عمره وقال بعضهم تستأجر الأرض ألف سنة وقال بعضهم يصح وإن كانت المدة بحيث لا يبقى إليها العين في الغالب اعتمادا على أن الأصل الدوام والاستمرار فإن هلك لعارض فهو كانهدام الدار ونحوه في المدة فحصل من هذا الترتيب أربعة أقوال الأول التقدير بسنة الثاني التقدير بثلثين سنة الثالث التقدير بمدة بقاء ذلك الشئ غالبا ومع الضبط الرابع التقدير من كل وجه وكل هذه تخمينات لا وجه لها مع أن القول بالسنة يبطل بقوله تعالى إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج فإن أتممت عشرا فمن عندك وشرع قبلنا إذا ذكر الله تعالى ولم يتصل به إنكار كان شرعا لنا ولأنه يجوز أن يزوج أمته ويملكه منفعة بضعها إلى الموت كذلك في الإجارة لايق في النكاح لا يجوز تقدير المدة ففي الإجارة لا يجوز الاطلاق لأنا نقول إنما اعتبرنا الإجارة بالنكاح في جواز العقد على المنفعة في الزمان الذي يبقى فيه العين وإن كانا يختلفان في التقدير لمعنى آخر وهو أن الإجارة يتقسط الأجرة فيها على المنفعة فلا بد من تقدير المدة بخلاف النكاح ولأنا أجرينا المنفعة في جواز العقد مجري الأعيان ثم في الأعيان يجري أن يجمع بين الأعيان الكثيرة (كك) في المنفعة وما ذكروه من الحاجة فليس بصحيح لأن الثوب لا يحتاج إلى استيجاره للبس سنة وكذا الزرع لا يبقى في الأرض سنة فبطل ما اعتبروه وبالجملة فالتقدير بسنة أو سنتين أو ثلاثين أو غير ذلك تحكم كلمة لا دليل عليه وليس ذلك أولى من التقدير بزيادة عليه أو نقصان منه انتهى وقال ابن حزم بيان المدة واجب فيما استؤجر لا بعمل معين فإذ هو كذلك فلا فرق بين مدة وما بين ما هو أقل منها أو أكثر منها والمفرق بين ذلك مخطئ بلا شك لأنه فرق بغير قرآن ولا سنة ولا رواية سقيمة ولا قول صاحب أصلا ولا قول تابع نعلمه ولا قياس ولا رأي له وجه يعقل والمخلوق لا يؤمن في قصير المدة كما لا يؤمن في طويلها وأما إن عقدت الإجارة إلى مدة يوقن أن لا بد من أن يحرم أحدهما دونها ولا بد من ذهاب الشئ المؤجر دونها فهو شرط متيقن الفساد بلا شك إنتهى قال (ص) رفع الله درجته (ح) ذهبت الإمامية إلى أنه يجوز أن يستأجر رجلا ليبيع شيئا بعينه أو يشتريه وإجارة الدفاتر ما لم يكن فيها كفر وقال أبو حنيفة لا يجوز ذلك وقد خالف العقل الدال على أصالة الجواز (د) ذهبت الإمامية إلى أنه يجوز أن يستأجر دارا على أن يتخذها مسجدا يصلي فيه ولا يجوز أن يستأجرها ليتخذها ماخورا أو يبيع فيها خمرا أو يتخذها كنيسة أو بيت نار وقال أبو حنيفة لا يجوز في الأول ويحوز في الثاني لكن يعمل غير ذلك وقد خالف العقل حيث منع الاستيجار للطاعة وأجاز الاستيجار للمعصية إنتهى وقال الناصب خفضه الله أقول مذهب الشافعي أنه يحوز الاستيجار لتعليم حرفة معينة أو لخدمة معينة وكذا يجوز استيجار المصحف والكتب للمطالعة والكتابة منها ويقدر بالزمان وكذا يجوز استيجار الدار للسكنى وللصلوة لا أن يجعلها مسجدا موقوفا وما ذهب إليه أبو حنيفة من جواز استيجار الدار لما لا يجوز عمله شرعا فإن صح فقد ذكر أنه يستأجر ولا يعمل فالوجه في منعه من الاستيجار لاتخاذه مسجدا أنه لا يجوز أن يجعل أرض الغير مسجدا أو في غير جواز الاستيجار لفعل المعصية لصحة العقد ولكن اشترط ترك العمل الذي هو المعصية فلا مخالفة للعقل إنتهى وأقول قد سكت الناصب عن التعرض للجواب عن خلاف أبي حنيفة في المسألة الأولى من هاتين المسئلتين اللتين ذكرهما متصلا بلا ظهور وجه في ذكرهما كذلك والظاهر أنه إنما سكت لعدم اهتدائه إلى دليل أبي حنيفة وهو مذكور في التذكرة مع رده حيث قال وقال أبو حنيفة لا يصح أن يوكله في بيع شئ بعينه لأن ذلك يتعذر عليه فأشبه ضراب الفحل وحمل الحجر الكبير وهو تم فإن الثياب لا تنفك عن راغب فيها ولهذا صحت المضاربة ولا يكون إلا بالبيع والشراء بخلاف ما قاسوا عليه فإنه متعذر إنتهى وأما ما ذكره في دفع اعتراض (المص) عن أبي حنيفة في المسألة الثانية من أن الوجه في منعه عن استيجار الأرض لاتخاذه مسجدا يصلي فيه هو أنه لا يجوز أن يجعل أرض الغير مسجدا فمدفوع بأن ذكر المسجد في كلام (المص) ليس لأنه أراد به المسجد الموقوف المصطلح كما فهمه الناصب بل المراد أن يجعلها المستأجر محل سجوده في صلاته وأشار به إلى اتخاذه لمحض ذلك وعلى هذا أيضا وقع فتوى أبي حنيفة فالمناقشة في ذلك لا يجدي نفعا و أما ما ذكره من أنه اشترط أبو حنيفة ترك العمل الذي هو المعصية فلا مخالفة للعقل ففيه أن مخالفة العقل بعد باق إذا العاقل لا يستأجر شيئا لأجل فعل مخصوص يذكره في ضمن العقد ثم يشترط أن لا يعمل ذلك وفوق ذلك المخالفة ما ذكره (المص) من تجويزه عقد الإجارة في المعصية دون الطاعة وهذا مما لم يتعرض له الناصب كما لا يخفى ثم لا يخفى أن أصل كلام أبي حنيفة في هذه المسألة كان خاليا عن اشتراط عدم العمل وإنما أول أصحابه كلامه بذلك تخفيفا للشناعة عنه قال (المص) في التذكرة قال أبو حنيفة لا بأس بأن توجر بيتك في السواد ممن يتخذه بيت نار أو كنيسة أو يبيع فيه الخمر واختلفت أصحابه في تأويله فمنهم من قال يجوز إذا شرط ذلك ومنهم من قال لا يجوز إذا شرط وإنما أراد أبو حنيفة إذا علم المؤجر أنه يفعل ذلك ولكن لم يشترط وتعلق من جوز شرطه بأن هذا الفعل لا يلزمه بعقد الإجارة وإن شرطه وإذا سلم العين ولم يفعل فيها شيئا من هذه الأشياء وجبت عليه الأجرة فذكرها وعدمها سواء ويبطل به على أصله ما إذا استأجر بيتا للصلاة ويخالف إذا لم يشترط لأنه لم يستأجر ذلك
(٤٤٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 438 439 440 441 442 443 444 445 446 447 448 ... » »»