إحقاق الحق (الأصل) - الشهيد نور الله التستري - الصفحة ٤٤٠
الذين لا يكون أحدهما في البعد عن الآخر بهذه المرتبة في حكم أخذ الآخر مع أن العقل ربما يحكم بأولوية انعكاس القضية كما لا يخفى هذا وعلل صاحب الينابيع فتوى أبي حنيفة في ذلك بأن السواد عنده نقصان انتهى ولا يخفى أن هذا الحكم لا يصح على إطلاقه سيما في زمن بني أمية الذين كلفوا الناس بلبس السواد و كذا في أعراب الحجاز وبر العرب وأمثالهم ويعلم من ذلك أن ما ذكره الناصب من الفرق شئ مخترع من عند نفسه قال المص رفع الله درجته يب ذهبت الإمامية إلى أن الغاصب لا يملك الغصب تغيير الصفة وقال أبو حنيفة إذا غيرها تغير أزال به الاسم والمنفعة المقصودة بفعله ملكها فلو دخل لص دار رجل فوجد فيها دابة وطعاما ورحى فطحن دلك الطعام على تلك الرحى بتلك الدابة ملك الدقيق وكان للسارق دفع المالك عن الطحن وقتاله عليه فإن قتل اللص المالك فهو هدر وإن قتل المالك اللص ضمنه وهو خلاف العقل والنقل قال الله تعالى ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل و قال ع على اليد ما أخذت حتى تؤدي وقال ع لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس منه انتهى وقال الناصب خفضه الله أقول مذهب الشافعي إن الزيادة في المغصوب إن كانت أثر انحصار هو الذي لا يحتاج لظهوره إلى عين يستعمل في المحل أو يحتاج ولا يبقى فيه بل يزول ويبقى الأثر كطحن الحنطة و قصارة الثوب وخياطته وغزل القطن ونسجه وضرب الطين لبنا وشق الخشب ألواحا وذبح الشاة وشقها فلا حق للغاصب فيها ولا يملك المغصوب بشئ من ذلك بل يرده مع أرش النقص إن نقص وإلا فإن رضى المالك به لم يكن للغاصب الرد إلى ما كان وإذا لزمه أن أمكن ولزم أرش النقص إن نقص صح هذا مذهب الشافعي وإن صح ما نقله عن أبي حنيفة فيكون في الدابة والرحى الذين يملكهما السارق فإن الدفع ح عن العمل غير مشروع لأنه يعمل في رحاه ودابته وأما ما يترتب على المقاتلة فحكمه حكم دفع الصايل انتهى وأقول كفى في ثبوت كون ما ما ذهب إليه أبو حنيفة في هذه المسألة جديرا بالشناعة والملامة شهادة بداهة العقول السليمة به وموافقة ابن حزم فيه مع الص حيث قال وللحنفيين ههنا اضطراب وتخليط كثير كقولهم من غصب ثوبا فإنه يرد على صاحبه فإن وجد وقد قطعه الغاصب فصاحب الثوب مخير بين أخذه كما هو وما نقصه القطع و بين أن يعطيه للغاصب ويضمنه قيمته الثوب فإن لم يوجد إلا وقد خاطه قميصا فهو للغاصب بلا تخيير وليس عليه إلا قيمة الثوب وكذلك قولهم في الحنطة تغصب فتطحن واللحم يغصب فيطبخ أو يشوي ولا يخفى أنه ليس في المجاهرة بكيد الدين أكثر من هذا ولا في تعليم الظلمة أكل أموال الناس أكثر من هذا فيقال لكل فاسق إذا أردت أخذ قمح يتيم أو جارك أو أكل غنمه واستحلال ثيابه وقد امتنع أن يبيعك شيئا من ذلك فاغصبها واقطعها ثيابا على زعمه واذبح غنمه واطبخها واغصبه حنطة واطحنها وكل كل ذلك حلالا طيبا وليس عليك إلا قيمة ما أخذت وهذا خلال القرآن في نهية تعالى أن نأكل أموالنا بالباطل وخلاف رسول الله ص في قوله إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام ومن عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد ولا يشك أحد من أهل الإسلام في أن كل ثوب قطع من شقة فإنه لصاحب الشقة وكل دقيق طحن من حنطه إنسان فهو لصاحب الحنطة وكل لحم شوي فهو لصاحب اللحم وهم يقرون بهذا ثم لا يبالون بأن يقولوا إن الغصب والظلم والتعدي على أموال المسلمين للغصاب واحتجوا في ذلك بخبر القصعة المكسورة وخبر المرأة التي دعت رسول الله ص إلى طعام ولا دلالة للأول على مدعاهم وكذا الثاني مع عدم صحته وقالوا أيضا قنا هذا على العبد يموت فيضمن قيمته قلنا هذا عليهم لا لهم لأن الميت لا يتملكه الغاصب انتهى هم لا يخفى أن ما ذكره الناصب بقوله وإن صح ما نقله عن أبي حنيفة فيكون في الرحى والدابة الذين يملكهما السارق اه لغو محض إذ بعد فرض صحة ما نقله المص عن أبي حنيفة لا وجه لاحتمال كون الدابة والرحى ملكا للغاصب وهو ظاهر وأما ما ذكره من أن الدفع ح عن العمل غير مشروع لأنه لا يعمل في رحاه وفي دابته فهو في السخافة نظير أن يقال إن السارق إذا سرق عمامة شخص ففتحه ولفه على رأسه كان دفع صاحب العمامة إياه ح عن عمل لفه على رأسه غير مشروع لأنه يعمل بيده وبرأسه وفساده أظهر من أن يخفى وأما ما ذكره من أن ما يترتب على المقاتلة فحكمه حكم دفع الصايل فلا يخفى ما فيه من التمويه والتلبيس لأنه إن أراد به أن ما يترتب على مقاتلة كل من مالك الطعام وسارقه مع الآخر ما هو حكم دفع الصائل فبطلانه ظاهر لظهور إن الصايل هو السارق دون المالك وإن أراد أنه يترتب على مقاتلة مالك الطعام ودفعه للسارق ما يترتب على دفع الصايل فهو مسلم لكن ليس تشنيع المص فيه بل في جعل القضية منعكسة والحكم بكون المالك صايلا واجب الدفع دون السارق هذه شناعة واردة لا مدفع لها كما لا يخفى قال المص رفع الله درجته يج ذهبت الإمامية إلى أنه إذا غصب خشية فبنى عليها وجب عليه ردها على مالكها وإن افتقر إلى تخريب ما بناه على جداره وقال أبو حنيفة إن كان قد بنى عليها خاصة ردها وإن كان البناء مع طرفها ولا يمكنه ردها إلا برفع هذا لم يلزم الرد وقد خالف المنقول والمعقول على ما تقدم وقال ع ولا يأخذن أحدكم متاع أخيه جادا ولا لاعبا من أخذ عينا من أحد فليردها انتهى وقال الناصب خفضه الله أقول مذهب الشافعي أنه لو غصب ساجة وأدرجها في البناء أو آجر أو بنى عليه البناء لزم الاخراج والرد إلى المالك ما لم ينقص فإن نقصت بحيث لو أخرجت فلا قيمة لها فهي هالكة هذا مذهب الشافعي وأما ما ذهب إليه أبو حنيفة فوجهه أن البناء ليس على خشبة فحبس بل عليها وعلى غيرها فليس له إجباره بالرد ولا مخالفة للمعقول والمنقول لأن تخريب البناء إذا كان على خشبة خاصة يلزم وإن كان مع غيرها فالبناء ليس تعديا محضا حتى يلزم التخريب انتهى وأقول يتوجه عليه أولا إنه قد اعترف في المسألة السابقة بأن الله تعالى قد سلط المالك على الغاصب ولا أقل من أن يكون فايدة هذا التسليط استيفاء حقه فكيف يصح قول الشافعي بأنه إذا نقصت تلك الساجة المغصوبة عند إخراجها عن الجدار لا يكون لها قيمة وثانيا إن فرض المسألة أن يكون البناء على الساجة فقوله إن وجه ما ذهب إليه أبو حنيفة هو أن البناء ليس على خشب فحسب يصير خروجا عن محل النزاع نعم حكى الكرخي على ما ذكره المص قدس سره في التذكرة أنه قال أبو حنيفة إن بنى عليها بناء لا يتصل بغيره قلعه ثم قال قدس سره والأول هو المشهور فلو سلم فأي دليل يدل على أنه إذا كان البناء على الخشب المغصوب وغيره لم يلزم الاخراج ثم إن توجه المؤاخذة في ذلك من الشارع إنما هو لكون غصب
(٤٤٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 435 436 437 438 439 440 441 442 443 444 445 ... » »»