وقد خالف في ذلك قول النبي وأجل معلوم وقال ابن عباس قال رسول الله ص لا تبايعوا إلى الحصاد والدياس ولكن إلى شهر معلوم انتهى وقال الناصب خفضه الله أقول مذهب الشافعي أنه لا يجوز التاقيت بما يختلف كالحصاد والدياس لقوله ص إلى أجل معلوم وإن صح ما رواه عن مالك فلأنه جعل التأجيل إلى الحصاد والدياس من جملة الآجال المعلومة ولعدم ثبوت الحديث الثاني عنده انتهى وأقول قد صح ما رواه المص عن مالك فقد رواه ابن حزم عنه حيث قال وأباح المالك البيع إلى العطاء فيما خلا وأما اليوم فلا لأنه ليس الآن معروفا قيل وأجاز البيع إلى الحصاد والجذاذ والعصر قال وينظر إلى عظم ذلك وكثرته لا إلى أوله ولا إلى آخره ولا نعلم في الجهالة أكثر من هذا التحديد ولا غرر أعظم منه انتهى ثم ما زعمه الناصب إصلاحا لفتوى مالك بأنه جعل الحصاد والدياس من الآجال المعلومة إنما يزيده فسادا فإن كل عامي يعلم أن الحصاد والدياس ونحوهما مما يتأخر أيامها ويتقدم فإن الحصاد والجذاذ يتأخران أياما إن كان المطر متواترا ويتقدمان بحر الهواء وعدم المطر وقس على هذا أمثالها وأما قوله لعدم ثبوت الحديث عنده مدخول بأنه لو تم مجرد مثل هذا الانكار لانسد عليهم باب الاحتجاج فيما بينهم بما في صحاح البخاري ومسلم ونحوهما كما لا يخفى قال المص رفع الله درجته كل ذهبت الإمامية إلى أن الإقالة ليست بيعا وقال مالك هي بيع مط وقال أبو حنيفة أنها فسخ في حق المتعاقدين بيع في غيرهما وقد خالفا قوله من أقال نادما في بيع أقال الله نفسه يوم القيمة وإقالة نفسه هي العفو د الترك فيكون إقالة البيع كك ولأنها لو كانت بيعا لوجب أن يكون إلى المتبايعين من نقصان الثمن وزيادته والتأجيل والتعجيل وليس في الإقالة ذلك إجماعا ولأنها لو كانت بيعا لم يصح في السلم لأن البيع فيه لا يجوز قبل القبض ولأن الاجماع واقع على أنه من باع عبدين فمات أحدهما صحت الإقالة فلو كانت بيعا بطلت لبطلان بيع الميت انتهى وقال الناصب خفضه الله أقول مذهب الشافعي إن الإقالة بعد لزوم البيع جايزة بل مستجنه إذا ندم أحد المتبايعين للحديث وهي فسخ لا يتجدد به الشفعة ولا يجب التقابض أن تقايلا في الصرف ومذهب أبي حنيفة أن الإقالة فسخ في حق المتعاقدين بيع جديد في حق غيرهما إلا أن لا يمكن جعله فسخا فيبطل وعند أبي يوسف هو بيع إلا أن لا يمكن جعله بيعا فيجعل فسخا إلا أن لا يمكن فيبطل وعند محمد هو فسخ إلا إذا تعذر جعله فسخا فيجعل بيعا إلا أن لا يمكن فيبطل ودليل أبي حنيفة أن اللفظ ينبى عن الرفع والفسخ كما قلنا والأصل أعمال اللفظ في مقتضياته ولا يحتمل ابتداء العقد ليحمل عليه عند التعذر لأنه ضده واللفظ لا يحتمل ضده فتعين البطلان وكونه بيعا في حق الثالث أمر ضروري لأنه يثبت به مثل حكم البيع وهو الملك لا يقتضي الصيغة إذ لا ولاية لهما على غيرهما هذا مذهب أبي حنيفة ودليله وأما ما استدل به هذا الرجل به من هذا الحديث على نفي كون الإقالة بيعا فلا يصح لأنا نقول إن إقالة الله تعالى للعبد وقع على طرز المشاكلة وليس المراد منه الإقالة الحقيقية مثل إقالته العبد ولا يمكن هذه الإرادة لأن إقالة العبد هو الفسخ في العقد وليس ثمة عقد حتى يفسخ ثم من يقول إنها بيع مط يثبت فيها حقوق البيع مط ومن يقول إنها بيع في حق الغير يثبت فيها حقوق البيع في حق الغير انتهى وأقول لا يخفى أن ما ذهب إليه المص مؤيد بالأصل وبأن للبيع ألفاظ خاصة ليست الإقالة منها ثم إن الناصب قد طوى الكشح عن أن يستدل من قبل مالك على ما ذهب إليه مع أنه لبعده عن العقل كان أهم بالتعرض لإقامة الدليل عليه لكن لما رأى أن التعرض له أيضا يفضي به إلى إثبات حقية النقيضين احتزر عنه وأما ما ذكره في الاستدلال من قبل أبي حنيفة فيتوجه عليه إنا نمنع كون الإقالة بيعا في حق الثالث فضلا عن كونه ضروريا فإنه إذا تقايل المتبايعان وفسخا عقد الأرض المبيع مثلا وكان هناك شفيع إنما يثبت له ذلك بحق الشفعة لا أن الفسخ ينقلب ويصير بيعا في حقه وما ذكره من ثبوت مثل حكم البيع له وهو الملك لا يستلزم كون ذلك بيعا كما أن ثبوت الملك بالميراث مثلا لا يستلزم أن يكونه هناك بيع قال المص في التذكرة وقال أبو حنيفة إنها فسخ في حق المتعاقدين وهي بمنزلة البيع في حق غيرهما فيثبت فيه الشفعة كالبيع ونمنع كونها نقل ملك بل إعادة للملك الأول فبها يعود الملك الأول إذا فسخ العقد انتهى وأما ما ذكره من أن إقالة الله تعالى للعبد وقع على طريقة المشاكلة فمع كونه تجوزا وخلاف الأصل مردود بأن استدلال المص ليس إلا بالجزء الأول من الحديث وهو قوله ع من أقال نادما في بيع فإن جعل البيع ظرفا للإقالة يدل على أنه غيرها فافهم قال المص رفع الله درجته كه ذهبت الإمامية إلى أنه إذا خالف إنسان أهل السوق بزيادة سعر أو نقصانه لم يعترض له وقال مالك يقال له إما أن تبيع بسعر السوق أو تنعزل وقد خالف المعقول والمنقول لأنه مالك فله البيع كيف شاء وقال الله تعالى إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ونهى النبي ص عن التسعير انتهى وقال الناصب خفضه الله التسعير هو تعيين السعر والحكم ببيعه بما سعر به وهذا منهى عنه ولكن إذا سعر السلطان أو نايبه فليس للبياع التجاوز عن تسعيره للزوم مخالفة السلطان وخوف وقوع الفتنة هكذا قال العلماء وأما تجويز مالك التعرض بالقول المذكور فلرفع الخلاف واختلاف التساعير مظنة وقوع الاختلاف في أمر الأقوات وهو موجب للضيق ولا مخالفة للعقل لأنه لا يمنع من بيع ماله كيف شاء ولكن يمنع من إيقاع الخلاف ألا يرى أنه لو باع في بيته لا يمنع وكذا لا مخالفة للآية انتهى وأقول قد أجمل المص قدس سره في نقل مذهب مالك ههنا وتفصيله على ما ذكره ابن حزم أنه قال ليس لا حدان يبيع بأقل من سعر أهل السوق ويمنع من ذلك وله أن يبيع بأكثر وهذا كما قال ابن حزم أيضا عجب جدا إذ يمنعونه من الترخيص على المسلمين ويبيحون له التعليه انتهى وبهذا يعلم فساد ما ذكره الناصب من أن البيع بأقل من سعر الوقت موجب للضيق والضرر بل الضيق والضرر إنما يحصل من فتوى مالك على أهل البلد سيما الفقراء والمساكين وعلى هذا البايع المحسن إلى الناس ولا ضيق ولا ضرر على أهل السوق لأنهم إن شاؤوا أن يرخصوا كما فعل هذا فليفعلوا وإلا فهم أملك بأموالهم كما أن هذا أملك بماله وما ذكره من لزوم مخالفة السلطان مدفوع بأنه إنما يعهد الخوف عن السلطان على البيع بما زاد عن سعره لا بما نقص وأما ما ذكره من أن اختلاف التساعير مظنة الاختلاف في أمر الأقوات فإن أراد به أنه مظنه أن يقع الاختلاف
(٤٢٧)