إحقاق الحق (الأصل) - الشهيد نور الله التستري - الصفحة ٤٣٠
الناصب في ذلك من أن الحبس يفيد إعلام الناس على إفلاسه ومنع الناس عن المعاملة معه إنما يناسب إذا علم من المعسر استعمال الحيلة وعدم مبالاته بتفويت مال الناس وأما إذا كان الإفلاس والإعسار لنحو قضاء أرضي أو سماوي وكان الرجل ذا خبرة بالتجارة وتحصيل الأموال أو كان له أملاك وعقار في بلد آخر يمكنه أداء حقوق الناس منه بعد زمان فلا وجه لهذا الإعلام والحبس والإبرام كما لا يخفى وأيضا يحصل التشهير بمجرد النداء على ذلك مرة في مسجد البلد أكثر من التشهير الحاصل من الحبس كما لا يخفى فلا وجه للعدول عن الأسهل الأنفع إلى ما هو صعب وأقل نفعا وأما قوله والآية يدل على عدم المطالبة لا على عدم التشهير فنقول في جوابه نعم ولكن ما الذي ارتكب أبو حنيفة لأجل الزيادة على مدلول الآية واستدل به على وجوب التشهير وهل مثل هذا الفتوى إلا كالبول في ماء زمزم للتشهير هذا وقد جزم ابن حزم بأنه لم يكن لرسول الله ص سجن وحبس وأبطل ساير الروايات التي ذكرها الحنفية للدلالة على الحبس فأرجع إلى كتابه قال المص رفع الله درجته ز ذهبت الإمامية إلى أنه إذا ثبت إعساره وجب تخليته ولا يجوز للغرماء ملازمته وقال أبو حنيفة يجوز لهم ملازمته فيمشون معه ولا يمنعونه من التكسب فإذا رجع إلى بيته فإن أذن لهم في الدخول معه دخلوا وإن لم يأذن لهم منعوه من دخوله وبيتوه خارجا معهم وقد خالف قوله تعالى وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة وقول النبي ص خذوا له ما وجدتم ليس لكم إلا ذلك انتهى وقال الناصب خفضه الله أقول قد سبق أن النص يدل على ترك المطالبة والحبس لأجل الأداء لا ترك الملازمة لمظنة الفرار فلا مخالفة للنص والحديث يدل على ما يدل عليه الكتاب والمراد من قوله ليس لكم إلا ذلك يعني ليس لكم المطالبة ولا يدل على دعته للفرار انتهى قد سبق منا أيضا الجواب عن مناقشة في الاستدلال بالآية سابقا ما هو جواب عن مناقشة فيها ههنا فتذكر وتأمل وبالجملة الآية يدل على مجرد انتظار الميسرة وترك ما عدا ذلك من المطالبة والحبس والملازمة وغيرها والحديث أقوى وأصرح دلالة على ذلك لمكان كلمة إلا الدالة على الحصر فتفسير قوله ع ليس لكم إلا ذلك بأنه ليس لكم المطالبة يكون خروجا عن متابعة الوضع كما لا يخفى قال المص رفع الله درجته ح ذهبت الإمامية إلى أن الانبات دليل على أن البلوغ في حق المسلمين والمشركين وقال أبو حنيفة ليس دليلا فيهما وقال الشافعي أنه دليل في المشركين خاصة وقد خالفا المعقول والمنقول فإن الوجد أن يدل على ذلك وهو حكم يقيني استفيد من الاستقراء كغيره من المجربات والوجدانيات وأما المنقول فإن سعد بن معاذ حكم في بيني قريظة بقتل مقاتليهم وسبي ذراريهم وأمر بكشف مؤتزرهم فمن أبنت فهو من المقاتلة ومن لم ينبت فهو من الذراري وصوبه النبي ص انتهى وقال الناصب خفضه الله أقول مذهب الشافعي إن البلوغ يثبت أما بالاحتلام أو بالسن وهو خمسة عشر سنة وأما الانبات فلا دلالة له في ذاته على البلوغ لأن الانبات الشعر في الإنسان متفاوت بحسب الأمزجة ولما لم يكن الاطلاع على البلوغ بالسن أو الاحتلام من الكفار متيسر العدم الوثوق بكلامهم وعدم الشهود جوز الحكم على البلوغ بالإنبات للضرورة في شأن الكفار وبقي في شأن المسلمين على الأصل وهو الاحتلام أو السن هذا دليل الشافعي ولم يجوز أبو حنيفة بناء على الأصل وعدم صحة الحديث عنده وأما ما ذكر أن المعقول يدل على كون الانبات دليلا على البلوغ لأنه حكم يقيني فنقول لانم؟ هذا والاستقراء مم لأنه مختلف بحسب الأمزجة والاستقراء يدل على هذا التفاوت انتهى وأقول يتوجه عليه إن حصول التفاوت في ذلك بحسب الأمزجة لو سلم فهو جار في البلوغ بالاحتلام فإنه أيضا قد يتقدم أو يتأخر بحسب الأمزجة مع أنه دليل على البلوغ باتفاق منا ومنكم وأيضا اقتضاء التفاوت بحسب الأمزجة للتقديم مرة وللتأخير أخرى لا ينافي كون ذلك علامة ودليلا شرعا لجواز أن يكون علامة بلوغ صاحب المزاج الحار مثلا عند الشارع الانبات في زمان اقتضاء ذلك المزاج وعلامة بلوغ صاحب المزاج البارد ما اقتضاه مزاجه والعقل لا يستقبح جعل ذلك علامة ودليلا وأما ما ذكره من أن كون الانبات علامة للبلوغ مقصور على الكفار فمن قبيل الاستدلال بخصوصية السبب ولا عبرة به كما تقرر في الأصول و قال ابن حزم لا معنى لمن فرق بين أحكام الانبات فأباح سفك الدم به في الأسرى خاصة وجعله هناك بلوغا ولم يجعله بلوغا في غير ذلك لأن من المحال أن يكون رسول الله ص يستحل دم من لم يبلغ مبلغ الرجال ويخرج عن الصبيان الذين قد صح نهي النبي ص عن قتلهم ومن المحال أن يكون إنسان واحد رجلا بالغا غير رجل بالغ معا في وقت واحد انتهى قال المص رفع الله درجته ط ذهبت الإمامية إلى أنه إذا بلغ غير رشيد لم يدفع إليه ماله وإن طعن في السن وقال أبو حنيفة إذا بلغ خمسا وعشرين سنة فك حجره على كل حال ولو تصرف في ماله قبل بلوغ خمس وعشرين سنة صح تصرفه بالبيع والشراء والإقرار وقد خالف في ذلك قوله تعالى فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم وقوله تعالى ولا تؤتوا السفهاء أموالكم ثم ما المقتضى للتخصيص بخمس وعشرين سنة انتهى وقال الناصب خفضه الله أقول مذهب الشافعي إن الحجر لا ينفك عن الصبي إذا بلغ غير رشيد لبقاء سبب الحجر وهو عدم الرشد ومجرد البلوغ لا يفيد فك الحجر وإن بلغ ما بلغ من السن ومذهب أبي حنيفة إن الصبي إذا بلغ غير رشيد لم يسلم ماله إليه اتفاقا قال الله تعالى ولا تؤتوا السفهاء أموالكم إلى قوله فإن آنستم منهم رشدا فأبو حنيفة قدر الانياس بالزمان وهو خمس وعشرون سنة فإن هذا سن إذا بلغه المرء يمكن أن يصير جدا لأن أدنى مدة البلوغ اثنى عشر حولا وأدنى مدة الحمل ستة أشهر ففي هذا المبلغ يمكن أن يولد له ابن ثم في ضعف هذا المبلغ يؤكد لابنه ابن فالظاهر أن يونس منه رشد أما في سن خمس وعشرين فيدفع فيه أمواله ثم بعد خمس وعشرين سنة يسلم إليه ماله وإن لم يونس منه رشد عند أبي حنيفة فإن هذا السن مظنة الرشد فيدور الحكم معها هذا مقتضى التخصيص عنده انتهى وأقول جواب هذا ما أجاد فيه ابن حزم حيث أشار إليه فقال هذا كلام أحمق بارد ويقال له هبك إنه كما تقول فكان ماذا فرق الله تعالى بين من يكون جدا وبين من يكون أبا في أحكام مالهما وفي أي عقل وجدتم هذا وأيضا فقد يولد له من اثني عشر عا من ولابنه كذلك فهذه أربعة وعشرون عاما وأيضا فبعد الجد أبو جد فبلغوه هكذا إلى تسع وثلاثين سنة أو إلى أربعين سنة لقول الله تعالى حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة فظهر فساد ما ذهب إليه أبو حنيفة وبالله التوفيق وأجاب المص في التذكرة بأن الآية لا دلالة فيها وكونه جدا ليس تحته معنى يقتضي الحكم ولا
(٤٣٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 425 426 427 428 429 430 431 432 433 434 435 ... » »»