إحقاق الحق (الأصل) - الشهيد نور الله التستري - الصفحة ٤١٦
كما دل عليه فعل النبي ص في الحديبية قال ابن حزم ليس في الآية تخصيص ذلك بالمحصر وحده بل هو حكم كل من ساف هديا في حج أو عمرة فالحاج القارن إذا كان يوم النحر فقد بلغ الهدي محله من الزمان والمكان بمكة أو بمنى فله أو يحلق رأسه والمعتمر إذا أتم طوافه وسعيه فقد بلغ هديه محله من الزمان والمكان بمكة قبل أن يحلق رأسه والمحصر إذا صد فقد بلغ هديه محله فله أن يحلق رأسه إن كان مع هؤلاء هدي ولم يقل الله عز وجل قط إن المحصر لا يحل حتى يبلغ هديه مكة بل هو الكذب على الله تعالى ممن نسبه إليه عز وجل انتهى وثالثا إن ما ذكره من أن دم الاحصار قربة اه فنقول بموجبه وذلك لأن أصل سوقه إنما كان قربة إلى الله تعالى وبذلا في سبيله فإذا منع مانع عن سوقه إلى الحرم يتقرب إليه تعالى بذبحه في أثناء السبيل قال تعالى ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله وكان الله غفورا رحيما وقد علم من فعل رسول الله ص أن مكان إراقته وزمانها متقربا إلى الله تعالى عند الاحضار هو مكان الاحصار وزمانه ورابعا إن ما ذكره من أن عمل رسول الله ص معارض بما روى مسلم مردود بأن ذلك دراية وهذا على تقدير صحته رواية وذلك مشهور وهذا خفي وذلك مما اتفق عليه أهل الإسلام وهذا مختلف فيه فلا يصح للمعارضة كما لا يخفى قال المص رفع الله درجته كز ذهبت الإمامية إلى أنه يجوز للمتمتع التحلل مع الضد بالعدو وقال مالك لا يجوز وقد خالف عموم الآية وفعل النبي بالحديبية انتهى وقال الناصب خفضه الله أقول هذا مذهب الشافعي وذهب مالك إلى أن الاحصار عن العمرة لا يتحقق لأنها لا يتوقف هكذا نقل عنه وحمل عمل النبي ص بالحديبية على لزوم الرجوع لأنه كان بلاد الكفر فيحلل وليس هذا في حق غيره لأن بلاد الحجاز بلاد الإسلام فلا مخالفة لعمل النبي ص انتهى وأقول نعوذ بالله من الهوى وما يحمل عليه من المكابرة على الحق بالظن الكاذب ومما يكذب ظن الناصب أن المخصص والفارق لا بد أن يكون من العقل أو النقل والنقل غير موجود والعقل لا يفرق بين الاحصار ولزوم الرجوع الناشي من حصر الكفار حين كون بلاد الحجاز بلادهم وبين الاحصار الناشي من أهل الإسلام حين كون بلاد الحجاز من بلاد الإسلام وهل الحال في زمان استيلاء القرامطة على تلك البلاد واختلال أمر الحج كما ذكر في التواريخ بأهون مما جرى من الكفار في الحديبية فتأمل وانصف قال المص رفع الله درجته لح ذهبت الإمامية إلى أن المحصر بالمرض يجوز له التحلل إلا أنه لا يحل له النساء حتى يطوف طوافهن في القابل أو يأمر من يطوف عنه وقال مالك والشافعي وأحمد ليس له التحلل بل يبقى على إحرامه أبدا فإن فاته الحج تحلل بعمرة وقد خالفوا في ذلك قول الله تعالى فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي وهو عام في حصر المريض والعدو وقول النبي ص من كسر أو عرج فقد أحل وعليه حجة أخرى انتهى وقال الناصب خفضه الله أقول مذهب الشافعي أنه لو مرض المحرم لم يكن له التحلل إلا إذا شرط عند الاحرام لحديث ضباعة بنت الزبير وأما أنه لا يجوز له التحلل بالشرط لأن التحلل بالهدي شرع في حق المحصر ليحصل النجاة وبالإحلال ينجو من العدو لا من المرض فالمريض يصبر في الاحرام حتى يبرأ ثم إن ما فاته الحج تحلل بالعمرة ولا يلزم بقائه في الاحرام أبدا لأن السبب وهو المرض ليس بأبدي فلا يلزم كون الاحرام أبديا وليس هذا إلا الاستبعاد والتشنيع وأما الآية فوارد في الاحصار عن العدو والحديث ضعيف ضعفه الترمذي انتهى وأقول قد مر الكلام في تحقيق الآية وأما نسبة تضعيف الحديث إلى الترمذي فمعتل بل أجوف وقد رواه ابن حزم في كتاب المحلى بإسناده إلى عايشة ومن عدة طرق منها طريق إسحق بن راهويه ومنها طريق طاوس وعكرمة وسعيد بن جبير كلهم عن ابن عباس ومنها طريق عروة بن الزبير ثم قال فهذه آثار متظاهرة لا يسع أحد الخروج عنها ثم روى عدة أحاديث أخرى دالة على جواز الاشتراط ثم نقل عن الشافعي أنه قال إن صح الحديث قلت به ثم قال قد صح وبالغ فهو قوله وهو قول أحمد وإسحق وأبي ثور وأبي سليمان ثم قال وشغبو في مخالفة السنن الواردة في هذا الباب بأن قالوا هذا الخبر خلاف للقرآن لأنه تعالى يقول وأتموا الحج والعمرة لله مع أن الآية حجة عليهم لا علينا لأنهم يفتون من عرض له عارض من مرض ونحوه أن يحل بعمرة إن فاته الحج فقد خالفوا الآية في إتمام الحج وأما نحن فإنا نقول إن الذي أنزلت عليه هذه الآية وأمر ببيان ما أنزل عليه لنا قد أمر بالاشتراط في الحج وإن محله حيث حبسه ربه تعالى بالعذر النافذ فنحن لم نخالف الآية إذ أخذنا ببيان النبي ص وأنتم خالفتموها بآرائكم الفاسدة إلى مخالفتكم للسنة الواردة في ذلك وقالوا هذا الخبر غلاف لقول الله تعالى فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي فقلنا كذب من ادعى أن هذا الخبر خلاف لهذه الآية بل أنتم خالفتموها إذ قلتم من أحصر لمرض لم يحل إلا بعمرة برأي لا نص فيه وأما نحن فقلنا بهذه الآية إن لم يشترط كما أمر الذي أنزلت عليه هذه الآية وأمر ببيانها لنا انتهى قال المص رفع الله درجته كط ذهبت الإمامية إلى أنه يجوز للمحرم الاشتراط وقال أحمد ومالك الشرط لا يفيد شيئا ولا يتعلق به التحلل وقال أبو حنيفة له التحلل من غير شرط فإن شرط سقط عنه الهدي وقد خالفوا قول النبي ص لضباعة بنت الزبير أجري واشترطي أن تحلي حيث حبستني لما شكت مرضها وأنها تريد الحج انتهى قال الناصب خفضه الله أقول كان الحديث لم يثبت عندهما إن الرواية فإنه يروى المذاهب على خلاف ما هي عليه كما مر فيما سلف انتهى وأقول قد بينا في المسألة السابقة ثبوت الحديث وصحته من طرق شتى ذكرها ابن حزم في كتابه فإنكار الثبوت مكابرة على الحق الثابت وفراد عن قبول الالزام الذي لزمه كالقضاء المبرم فلا يجديه نفعا وأما ما ذكره فيما سلف أن المصنف يروي المذاهب على خلاف ما هي عليه فقد أوضحنا فيما سبق أن هذه النسبة ليست على ما هي عليه فعليه ما عليه ولو كان صادقا في ذلك فكان لا بد من أن يذكر من كتب هؤلاء مذهبهم على وجه يدل على خلاف ما ذكره المص وإذ ليس فليس قال المص رفع الله درجته كي ل ذهبت الإمامية إلى أنه ليس للزوج منع المرأة عن حجة الإسلام وقال الشافعي له ذلك وقد خالف قول الله تعالى ولله على الناس حج البيت وروى أبو هريرة عن النبي ص لا تمنعوا إماء الله مساجد الله انتهى وقال الناصب خفضه الله أقول مذهب الشافعي ولو أحرمت تطوعا بغير إذن زوجها فله تحليلها كصوم التطوع لأن حق الاستمتاع ثابت في حقه فليس له المنع بالتطوع ولو أرادت أن يحرم بالفرض فله المنع للمعنى المذكور فإن أحرمت بغير إذنه فله التحليل فإن لم
(٤١٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 411 412 413 414 415 416 417 418 419 420 421 ... » »»