إحقاق الحق (الأصل) - الشهيد نور الله التستري - الصفحة ٣٨٥
ههنا إلى أبي حنيفة وأصحابه عدم الفرق بين سفر الطعاة والمعصية والفرق بين المسئلتين فرق ما بين الفرق والقدم وأما ما استدل به من إطلاق النصوص فتقييده بما ذكره المصنف من الدليل العقلي والنقلي ظاهر وأما ما ذكره من أن نفس السفر ليس بمعصية فهو مم ومخالف لإطلاقات أهل الشرع حيث وصفوا نفس السفر بذلك نعم السفر ليس بمعصية بالأصالة لكنه معصية بتبعية ما يؤدي إليه من الحرام كالسفر من بلد إلى بلد لقتل نفس بغير الحق وما يتوصل به إلى المعصية معصية كما لا يخفى قال المصنف رفع الله درجته مح ذهبت الإمامية إلى جواز الجمع بين الظهرين والعشائين سفرا وحضرا من غير عذر في وقت الأولى والثانية وقال الشافعي كل من جاز له التقصير جاز له الجمع وبه قال مالك وأحمد وإسحاق وأبو حنيفة لا يجوز الجمع حال لأجل السفر لكن يجب الجمع بينهما بحق النسك فكل من أحرم بالحج قبل الزوال من يوم عرفة فإذا زالت الشمس جمع بين الظهرين و جمع بين العشائين بمزدلفة وقد خالفوا بذلك قوله تعالى أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وما رواه الحميدي في الجمع بين الصحيحين قال صلى رسول الله (ص) الظهر والعصر جمعا والمغرب والعشاء جمعا من غير خوف ولا سفر قال ابن عباس أراد أن لا يحرج أمته وفي صحيح مسلم من غير خوف ولا مطر انتهى وقال الناصب خفضه الله أقول مذهب الشافعي جواز الجمع بين العصرين والعشائين تقديما وتأخيرا في السفر الجامع لشروط القصر ولا يجوز الجمع في الحضر لأنه رخصة للمسافر فلا يشمل المقيم وأما الاستدلال على جوازه في السفر بقوله تعالى أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل فمما لا ربط له بالمدعى لأنه يدل على مشروعية الصلاة في هذا الوقت الممتد والسنة تدل على أن كل صلاة يؤدى في وقتها وما ذكر من الحديث فقد قال الشافعي أرى ذلك لعذر المطر ولم يثبت عنده من غير خوف ولا مطر ثم أن من المشهورات والضروريات وجواب أداء كل صلاة في وقتها ولو كان الجمع جايزا بلا عذر من الأعذار لم يكن الصلاة مخصوصة بالأوقات فوجب أداء كل صلاة في وقتها إذا لم يكن عذر انتهى وأقول دعوى كون الجمع رخصة أول النزاع فلا بد لإثباته من دليل وأما ما ذكره من أن استدلال المصنف بقوله تعالى أقم الصلاة لدلوك الشمس الآية مما لا ربط له بالمدعى فإنما نشأ من عدم ربطه بفهم المعاني العلمية وقصوره عن درك الحقايق القرآنية وذلك لأن عموم الآية تدل على اشتراك وقت صلوتي دلوك الشمس وصلوتي غسق الليل كما مر فيلزم جواز الجمع بين كل من الظهرين والعشايين لزوما لاسترة به وما ذكره من أن السنة تدل على أن كل صلاة يؤدى في وقتها فإن أراد به وجود السنة الدالة على حصر أدائها في ذلك فهو غير مسلم ولو سلم وجود ذلك فلا نم صلاحيتها لمعارضة الأحاديث التي ذكرها المصنف لأن هذه الأحاديث مما اتفق عليها أهل الإسلام دون ذلك فلا تصلح معارضا ومخصصا لعموم القرآن وإن أراد وجود السنة الدالة على ذلك من غير حصر فهو مسلم لكن لا يجدي نفعا كما لا يخفى وأما اعتذاره للشافعي مع اشتهاره بكونه من أصحاب الحديث بأنه لم يثبت عنده الأحاديث الصحيحة المذكورة في صحاحهم الدالة على جواز الجمع من غير عذر فهو عذر أشد من الذنب كما لا يخفى بل ذلك افتراء على الشافعي فإن المفهوم من شرح النووي لصحيح مسلم أن الشافعي بأول الأحاديث المذكورة ويجعلها تابعا لمذهبه الذي سبق على لسانه في وقت وتأنف بعد اطلاعه على الأحاديث أن يرجع عنه و يجعل مذهبه تابعا لها فجعل القضية منعكسة كما هو دأبهم في أكثر المسايل ولنذكر كلام النووي هناك حتى يظهر أن الناصب يفتري على إمامه أيضا فنقول قال عند رواية مسلم في حديث ابن عباس رض صلى رسول الله ص الظهر والعصر جمعا بالمدينة من غير خوف ولا سفر وقال ابن عباس رض حين سئل لم فعل ذلك رسول الله ص أراد أن لا يحرج أحدا من أمته وفي الرواية الأخرى عن ابن عباس رض أن رسول الله ص جمع بين الصلاة في سفرة سافرها في غزوة تبوك فجمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء قال سعيد بن جبير فقلت لابن عباس ما حمله على ذلك قال أراد أن لا يحرج أمته وفي رواية معاذ بن جبل مثله سواء وأنه في غزوة تبوك وقال مثل كلام ابن عباس وفي الرواية الأخرى عن ابن عباس جمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالمدينة في غير خوف ولا مطر قلت لابن عباس لم فعل ذلك قال كي لا يحرج وفي رواية عمرو بن دينار عن أبي الشعثاء جابر بن يزيد عن ابن عباس قال صليت مع رسول الله ص ثمانيا جميعا وسبعا جمعا قلت يا أبا الشعثاء أظنه أخر الظهر وعجل العصر وآخر المغرب وعجل العشاء قال وأنا أظن ذاك وفي رواية عن عبد الله بن شقيق قال خطبنا ابن عباس يوما بعد العصر حتى غربت الشمس وبدت النجوم وجعل الناس يقولون الصلاة الصلاة فجاءه رجل من بني تميم فجعل لا يفتر ولا ينثني الصلاة الصلاة فقال ابن عباس أتعلمني بالسنة لا أم لك رأيت رسول الله ص جمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء قال عبد الله بن شقيق فحاك في صدري من ذلك شئ فأتيت أبا هريرة فسألته فصدق مقالته هذه الروايات ثابتة في مسلم كما تراها وللعلماء فيها تأويلات ومذاهب منهم من تأوله على أنه جمع بعذر المطر وهذا مشهور عن جماعة من الكبار المتقدمين وهو ضعيف بالرواية الأخرى من غير خوف ولا مطر ومنهم من تأوله على أنه كان في غيم فصلى الظهر ثم انكشف الغيم وبأن أن وقت العصر دخل فصلاها وهذا باطل لأنه وإن كان فيه أدنى احتمال في الظهر والعصر فلا احتمال فيه في المغرب والعشاء ومنهم من تأوله على تأخير الأولى إلى آخر وقتها فصلاها فيه فلما فرغ منها دخلت الثانية فصلاها فصار صورة جمع وهذا أيضا ضعيف أو باطل لأنه يخالف الظاهر مخالفة لا يحتمل وفعل ابن عباس الذي ذكرناه حين خطب واستدلاله بالحديث لتقوية فعله وتصديق أبي هريرة له وعدم إنكاره صريح في رد هذا التأويل ومنهم من قال هو محمول على الجمع بعذر المرض أو نحوه مما هو في معناه من الأعذار وهو قول أحمد بن حنبل والقاضي حسين من أصحابنا واختاره الخطابي والمتولي والروياني من أصحابنا وهو المختار في تأويله لظاهر الحديث ولفعل ابن عباس وموافقة أبي هريرة ولأن المشقة فيه أشد من المطرد ذهب جماعة من الأئمة إلى جواز الجمع في الحضر للحاجة لمن لا يتخذه عادة وهو قول ابن سيرين وأشهب من أصحاب مالك وحكاه الخطابي عن القفال الشاسي الكبير من أصحاب الشافعي عن أبي إسحق المروزي عن جماعة من أصحاب الحديث واختاره ابن المنذر ويؤيده ظاهر قول ابن عباس رض أن لا يحرج أمته فلم يعلله بمرض ولا غيره انتهى وأما ما ذكره من اشتهار وجوب أداء كل صلاة
(٣٨٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 380 381 382 383 384 385 386 387 388 389 390 ... » »»