إحقاق الحق (الأصل) - الشهيد نور الله التستري - الصفحة ٣٧٤
حتى يكون التخصيص خلاف الأصل ويحتاج إلى دليل نعم يحتاج تعين الخاص المفهوم من الآية مجملا إلى دليل ويمكن أن يستدل عليه بأن بعض المساجد الذي فهم من الآية تخصيصه بعدم جواز الدخول فيه أصلا أولى بأن يكون هو المسجدين لزيادة شرفهما لله تعالى ويعضده روايات أهل البيت (ع) كما مرة الإشارة إليه وأما ما ذكره في توجيه مذهب أبي حنيفة من أن أكثر المفسرين على أن معنى الآية لا تقربوا الصلاة جنبا اه ففيه أولا إن ما ارتكب فيه لاستقامة المعنى من تقدير قوله قبل الاغتسال بعد قوله تعالى جنبا وتقدير قوله فح يجوز لكم الصلاة قبل الاغتسال بعد قوله تعالى إلا عابري سبيل تكلف لا يليق ظاهر بالقرآن الكريم وبالجملة حمل النهي في قوله تعالى ولا جنبا على النبي عن قربان الصلاة حال الجنابة كما هو مبني هذا التفسير وإن كان فيه محافظة على ظاهر قوله لا تقربوا الصلاة لكن لا يتوجه عليه أن المسافر إنما لا يجوز له أن يقرب الصلاة إذا لم يستطع الغسل والتيمم وإن استطاع أحدهما فيجوز له قربانها جنبا فكيف أطلق حالة السفر وتكلف التقديرات المذكورة لدفع هذا الاشكال كما ترى وثانيا أن عدم قربان الصلاة حالة الجنابة قبل الاغتسال ليست مختصة بالمسافر بل هي يعم المسافر وغيره ممن لم يستطع استعمال الماء سواء كان لفقدانه أو لمرض أو لغيره هذا وأما من حمل النهي عن قربان مواضع الصلاة وهي المساجد إما على حذف المضاف أو إطلاق الصلاة على موضعها مجازا من قبيل أي لاق اسم الحال على المحل فقلة التكلف في تفسيره ظاهر مع إفادته أيضا العلم بالنهي عن قربان الصلاة بطريق الأولوية وبالجملة لو سلم أن الآية ليست نصا في المعنى الأخير مع رجحانه جدا ومرجوحية المعنى الأول كما عرفت فكان ينبغي له أن يفتي بالراجح دون المرجوح ولو سلم عدم رجحان أحد المعينين فح يحصل التعارض ويقتضي التوقف في الحكم لا الحكم بأحدهما من غير مرجح ظاهر فظهر أن الرجل لم يكن له رجوع إلى القرآن والسنة بل لم يكن في وسعة الاستنباط منهما وكان مدار فتاويه على القياس واستحسان رأيه وإنما تكلف الاحتجاج له على أقواله بما لا ينتهض حجة عليها من الكتاب والسنة من جاء بعده من مقلديه لمجرد أن يدفعوا عنه شناعة ما اشتهر من ابتناء مذهبه على مجرد الرأي الفاسد وطرح القرآن والسنة حتى سمي هو وأصحابه بأهل الرأي فتدبر قال المصنف رفع الله درجته لج ذهبت الإمامية إلى أنه لا يجوز للمشركين دخول مسجد من المساجد لا بإذن ولا بغيره وقال أبو حنيفة يجوز أن يدخلوا جميع المساجد بالإذن وقال الشافعي يجوز أيضا إلا في المسجد الحرام وقد خالفا في ذلك النص قال الله تعالى إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا علل عدم قربانهم بانحصار أحوالهم وصفاتهم وذواتهم في النجاسة فلا خلاف في وجوب تجنب المساجد كلها عن النجاسات بأجمعها والعجب أن أبا حنيفة منع المؤمنين من دخول المسجد جنبا وقد سوغه الله تعالى في كتابه وجوز للمشركين الدخول وقد منع الله تعالى منه وهل هذا إلا تحريم ما أباحه الله وتحليل ما حرمه الله بنص القرآن انتهى وقال الناصب خفضه الله أقول مذهب الشافعي أن جملة بلاد الإسلام بالنسبة إلى الكفار ثلاث أقسام الأول الحرم ولا يجوز للكافر دخول الحرم بوجه من الوجوه سواء كان ذميا أو معاهدا لأنه إذا دخل الحرم فقد قرب المسجد الحرام والنص لا تقربوا المسجد الحرام وإذا جاء رسول من بلاد الكفر والإمام في الحرم يخرج إليه يسمع كلامه أو يبعث من يسمع كلامه ولا يدخل الكافر الحرم للنص وهو قوله تعالى ولا تقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا الثاني ممالك الحجاز ولا يجوز للكافر أن يقيم بها وإن سافر لتجارة فلا بأس به ولا يقيم أكثر من ثلاثة أيام الثالث ساير بلاد الإسلام ويجوز الكافر الإقامة به سواء كان ذميا أو معاهدا ولكن لا يجوز أن يدخل مساجد المسلمين إلا بإذنهم هذا مذهب الشافعي وأما نجاسة الكافر فليس بنجاسة عينية بل هي نجاسة حكمية ويجب تنزيه المساجد عن النجاسة العينية فال يفيد القياس عدم دخول الكفار ساير المسجد والعجب أنه يمنع من القياس ثم استدل بالقياس الفاسد وأما الدخول بالإذن فوجه جوازه مصالح المسلمين لأن الضرورة قد تدعوا لي دخولهم المساجد للعمارة والقمامة وغيرهما من الضروريات انتهى وأقول التقسيم الذي نقله عن الشافعي سقيم وليس عليه دليل منتج ولا عقيم وأما ما ذكره من أن نجاسة الكافر ليس بنجاسة عينية بل هي نجاسة حكمية اه غير مستقيم وحيث كان هذه المقدمة مبني ما ذهب إليه الخصم ههنا وفي غيره من الفروع رأينا أن نفصل فيه الكلام ونحقق المرام بعون الله العزيز العلام فنقول اختلفوا في أن المشركين أنجاس نجاسة عينية أو حمية فذهبت الإمامية من الشيعة إلى الأول وبه قال ابن عباس (رض) وحكم بأن أعيانهم بخته كالكلاب والخنازير وخالفت الفقهاء الأربعة ومن تابعهم في ذلك واختلفوا في تأويل الآية على وجوه الأول أنهم سموا نجسا لأنهم لا يغتسلون من الجنابة ولا يتجنبون النجاسات فمنعوا من دخول المساجد لأن الجنب والمتنجس لا يجوز له أن يدخلها الثاني أن الحكم عليهم بالنجاسة كناية عن خبث اعتقادهم الثالث أن المراد أنهم بمنزلة الشئ النجس ولا يخفى أن كل ذلك عدول عن الظاهر بغير دليل فإن صريح الآية شاهد باثبات النجاسة العينية للمشركين على اختلاف أصنافهم إذ المتبادر لغة وعرفا من النجاسة عند الإطلاق إنما هو العينية ولهذا يقدم إزالتها على الحكمية مع التعارض فيثبت للكافر نجاسة العين بظاهرها بل بصريحها لكن ليست نجاسة عينية محضة كنجاسة الكلب والخنزير إلا لما طهر بالاسلام مع أنه يطهر به إجماعا بل عينية من وجه لتعديها مع الرطوبة وحمية من وجه لارتفاعها بالاسلام كارتفاع حدث الجنابة بالغسل فهي إذا كنجاسة بدن الميت المركبة من العينية والحكمية لتعديتها مع الرطوبة وتوقف زوالها على النية كما ذكره السيد المرتضى رض في الانتصار وبما حررناه وحققناه ظهر المسامحة في كلام كنز العرفان حيث نفى عنه النجاسة الحكمية ولعل مراده أنه ليس بحكمية فقط واندفع ما قاله الكواشي في تفسير من أنهم لو كانوا أنجاس العين لما طهرهم الإسلام هذا ويدل على إرادة ما فهمناه من منطوق الآية قوله تعالى كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون فإن هذه الآية تدل على أن الرجس مستعل على من لم يؤمن واستعلاءه عليه هو أن يحيط به ظاهرا وباطنا عينا وحكما وكذا يدل عليه أيضا ما رواه الجمهور ومنهم البخاري عن أبي ثعلبة الخشني قال قلت يا رسول الله (ص) إنا بأرض قوم أهل الكتاب أنأكل في آنيتهم قال لا تأكلوا فيها إلا أن لا تجدوا غيرها فاغسلوها
(٣٧٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 369 370 371 372 373 374 375 376 377 378 379 ... » »»