إحقاق الحق (الأصل) - الشهيد نور الله التستري - الصفحة ٣٨٠
تعودا مع القدرة على القيام وقد خالفا في ذلك المعقول والمنقول أما المعقول فلأن القاعد أنقص ومحل بركن وأما المنقول فهو قول النبي (ص) لا يؤمن أحد بعدي قاعدا بقيام ومن العجب أن أحمد أسقط فرض القيام وهو ركن وأوجب المتابعة في القعود مع القدرة على القيام وكيف يترك فرض لأجل نفل انتهى وقال الناصب خفضه الله أقول مذهب الشافعي أنه يصح اقتداء القايم بالقاعد المعذور ودليله ما روى البخاري ومسلم والنسائي والبيهقي في صحاحهم عن عايشة أنها قالت لما ثقل رسول الله جاء إليه بلال يؤذنه بالصلاة فقال مروا أبا بكر أن يصلي بالناس فصلى أبو بكر تلك الأيام ثم أن النبي (ص) وجد في نفسه خفة فقام يهادي بين رجلين ورجلاه تخطان في الأرض حتى دخل المسجد فلما سمع أبو بكر حسه ذهب يتأخر فأومأ إليه ورسول الله (ص) أن لا يتأخر فجاء حتى جلس على يسار أبي بكر وفي رواية أبي بكر فكان أبو بكر يصلي قائما وكان رسول الله قاعدا يقتدي أبو بكر بصلاة رسول الله والناس يقتدون بصلاة أبي بكر وفي رواية أبو بكر يسمع الناس التكبير وروى البخاري في صحيحه أن رسول الله (ص) سقط من الفرس فخدش رجله فجلس في البيت ودخل الأصحاب يعودونه فدخل وقت الصلاة فصلى رسول الله (ص) قاعدا وصلى الناس خلفه قياما هذا جواز اقتداء القايم بالقاعد وحمله الشافعي على القاعد المعذور لأن النبي (ص) كان معذورا في الخدش وأما مذهب أحمد بن حنبل فإنه أخذ بظاهر ما روى البخاري ومسلم والنسائي والترمذي في صحاحهم عن أبي هريرة أنه قال قال رسول الله (ص) إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا فيه فإذا ركع فاركعوا وإذا قال سمع الله لمن حمده تقولوا ربنا لك الحمد وإذا سجد فاسجدوا وإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا أجمعين وظاهر هذا الحديث يدل على جواز اقتداء الجالس القادر على الجالس معذورا كان أولا وعند الشافعي أنه منسوخ والفرض أن أحمد بن حنبل أخذ بظاهر الخبر فلا مخالفة للنقل وأما أنهم خالفوا المعقول لأن القاعد نقص فماذا يريد من هذا النقصان إن أراد أن القايم أطول منه في الحسن فينبغي أن لا يكون اقتداء الطويل بالقصير صحيحا بحسب عقله وإن أراد نقصان صلاته فالمعذور إذا ترك القيام فلا نقصان في صلاته لأن الصلاة قاعدا كامل في حقه وأما ما ذكر من الحديث فلا إسناد له ولا صحة له وما شنع على أحمد فقد ذكرنا أنه عمل بظاهر الحديث فالتشنيع يرجع إلى أعلى من أحمد نعوذ بالله انتهى وأقول قد مر القدح الإجمالي على روايات عايشة في بحث الإمامة العامة خصوصا ما روته من هذا الحديث الواقع في باب الإمامة الخاصة مع أن الناصب خان فيه بزيادة قوله تلك الأيام ليشعر بأن إمامة أبي بكر للصلاة كانت مستمرة في أيام يعلم بذلك النبي (ص) وأصحابه طول تلك الأيام وعلى تقدير تسليم صحتها وبراءتها من كل عيب فهي مخصوصة بما رواه المصنف من قوله (ص) لا يؤم أحد بعدي قاعدا بقيام وكذا الكلام في الروايتين الأخيرتين مع أن ما تمسك به أحمد غير متصل كما صرح به شارح الينابيع وأما ما ذكره من الترديد فبقبيح لظهور أن المراد هو الشق الثاني وما ذكر فيه من أن الصلاة قاعدا كامل في حق من قعد مؤتما لا لعذر أول البحث وعين المتنازع فيه ومصادرة على المطلوب كما لا يخفى وأما ما ذكره من أن ما ذكره المصنف من الحديث لا إسناد له ولا صحة فمدفوع برواية الدارقطني والبيهقي له في كتابيهما واعتضاده باستدلال مالك به وعمل أهل المدينة بمقتضاه وموافقته لروايات أهل البيت عليهم السلام وأما قوله يرجع التشنيع إلى أعلى من أحمد فالشناعة فيه ظاهرة لأن كلام الله تعالى ورسوله ص مشتمل على ظاهر ومجمل ومبين ومتشابه ومأول وعام وخاص ومطلق ومقيد وبعضها يفسر بعضا وكل ذلك لمصالح وحكم مذكورة في الأصول ثم الظاهر قد يعدل عنه لقيام نص دال على إرادة خلافه كمعناه المجازي أو بعض جزئياته والعام يحمل على الخاص والمطلق على المقيد وكذا الكلام في المتشابه والمجمل ولا يلزم من ذلك اعتراض على الله تعالى ولا على رسوله ولا على من اطلع على حقيقة الحال وحمل عليها الظاهر والمجمل أو العام أو الخاص من المقال وبالجملة الاعتراض بمجرد وجود الظاهر ونحوه في كلام الله تعالى مما نقل عن الملاحدة وأجيب عنه بمثل ما ذكرنا ولا يبعد موافقة الناصب في ذلك معهم لأن التسنن الذي انتحله القوم ضرب من الالحاد كما يدل عليه أقاويلهم الباطلة المذكورة في هذا الكتاب قال المصنف رفع الله درجته لد ذهبت الإمامية إلى أنه لا يجوز إمامة الفاسق ولا المخالف في الاعتقاد ولا المبتدع سواء كفر ببدعة أو لا وقال الشافعي أكره إمامة المظهر للبدع وأن صلى خلفه جاز وقسم أصحابه المختلفين في المذاهب أقساما ثلاثة قسم لا يكفرون ولا يفسقون وهم المختلفون في الفروع كأصحاب أبي حنيفة ومالك وهؤلاء لا يكرهون الايتمام بهم وقسم يكفرون وهم المعتزلة فلا يجوز الايتمام بهم وقسم يفسقون ولا يكفرون وهم الذين يسبون السلف والخطابية وحكم هؤلاء حكم من يفسق بالزنا وشرب الخمر واللواط وغير ذلك وهؤلاء لا يجوز الايتمام بهم على كراهية سواء أدمن عليها ولم يتب أو لا وبهذا قال الفقهاء إلا مالكا وقد خالفوا في ذلك القرآن العزيز حيث قال الله تعالى ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكن النار وأي ركون أعظم من الايتمام في الصلاة التي هي عمود الدين وقال الله تعالى إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أوجب التثبت عند أخباره ومن جملته الطهارة التي هي شرط الصلاة انتهى وقال الناصب خفضه الله أقول مذهب الشافعي أنه يكره إمامة الفاسق أما وجه الكراهة فظاهر وأما وجه الصحة فلما ورد في الصحاح عن رسول الله (ص) قال وإن يرى الصلاة خلف كل بر وفاجر وأما ما ذكر أنهم خالفوا القرآن حيث ركنوا إلى الفاسق وهو الظالم بالايتمام به فالجواب أن المراد بالظلم الكفر وإلا فأينا لم يظلم ثم أن المراد بالركون التودد والمحبة والميل وليس في الايتمام هذا والاستدلال يكون الفاسق يجب التثبت في أخباره لا يوجب ترك الايتمام به انتهى وأقول أن الرواية التي استدل بها على الصحة فاسد لما ذكره الشيخ مجد الدين الفيروزآبادي الشافعي في كتابه الموسوم بسفر السعادة من أن جواز الصلاة خلف كل بر وفاجر لم يصح فيه شئ يثبت ونقل أنه سئل أحمد فقال ما سمعنا بهذا انتهى ثم أقول لو أغمضنا عن عدم صحة الرواية يقول يمكن أن يكون المراد جواز أن يكون الفاسق إمامه لا إمامه وأن يكون الوجه في صدور هذا القول أنه لما سمع بعضهم ما روى سابقا من أن مرور الكلب الأسود والحمار بين يدي المصلي يقطع صلاته بل روى وأنه إذا مر أحد بين يديه جاز له منعه زجره فتوهم أن حكم الفاجر أيضا في ذلك حكم الكلب والحمار
(٣٨٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 375 376 377 378 379 380 381 382 383 384 385 ... » »»