إحقاق الحق (الأصل) - الشهيد نور الله التستري - الصفحة ٣٨٣
فعدة من أيام أخر أوجب عدة أيام أخر وهو ينافي جواز الصوم إجماعا وروى الحميدي في الجمع بين الصحيحين أن النبي (ص) خرج عن المدينة ومعه عشرة آلاف و ذلك على رأس ثمان سنين ونصف من مقدمة المدينة فسار ومن معه من المسلمين إلى مكة يصوم ويصومون حتى بلغ الكديد وهو ماء بين عسفان وقديد أفطر وقال الزهري وإنما يؤخذ من أمر رسول الله بالآخر فالآخر وفيه عن ابن عباس قال خرج النبي (ص) في رمضان إلى حنين والناس مختلفون فصايم ومفطر فلما استوى على راحلته دعا باناء من لبن أو ماء فوضعه على راحلته حتى رآه الناس ثم شرب وشرب الناس معه في رمضان وفيه عن جابر بن عبد الله أن النبي خرج عام الفتح إلى مكة في رمضان فصام حتى بلغ كراع الغميم فصام الناس ثم دعا بقدح من ماء فرفعه ثم نظر الناس ثم شرب فقيل له بعد ذلك إن بعض الناس قد صام فقال أولئك العصاة وهذا نص في تحريم الصوم وقال (ع) ليس من البر الصيام في السفر وقال (ع) الصيام في السفر كالمفطر في الحضر انتهى وقال الناصب خفضه الله أقول مذهب الشافعي جواز الصوم في السفر وهو أفضل من أطاقه بخلاف الصلاة فإن الأفضل فيها القصر إما جواز القصر فللنص والإجماع وإما عدم وجوب الفطر فلما روى البخاري ومسلم والنسائي في صحاحهم عن عايشة أنها قالت أن حمزة بن عمرو الأسلمي قال للنبي (ص) أصوم في السفر وكان كثير الصيام فقال إن شئت فصم وإن شئت فأفطر وروى مسلم والنسائي والترمذي عن أبي سعيد الخدري قال غزونا مع رسول الله (ص) لست عشر مضت من شهر رمضان فمنا من صام ومنا من أفطر فلم يعب الصايم على المفطر ولا المفطر على الصايم و هذه الأحاديث يدل على الجواز وما استدل به من الأحاديث فكلها دالة على جواز الصوم وليس هو محل النزاع إنما النزاع في الوجوب ولا دلالة لما رواها عليه وأما قوله أنه مخالفة للنص حيث أوجب عدة أيام أخر وهو ينافي جواز الصوم فغير وارد لأن التقدير فعدة من أيام أخر إن أفطر والمراد به بيان وجوب القضاء وإن سلمنا الدلالة فنصوص الحديث بينه انتهى وأقول وما ذكره أولا من أن جواز القصر للصوم بالنص والاجماع لا يخ عن مغلطه لأن النص القرآني على الجواز في ضمن الوجوب والإجماع إنما العقد على الجواز لا في ضمته وأما ما ذكره من خبر حمزة ففيه دلالة صريحة على أنه إنما سئله ع عن صوم التطوع لأن في أول رواية رواها البخاري عن حمزة زيادة هي قوله قال يا رسول الله (ص) إني امرء أسرد الصوم ثم كتب علامة التحويل من سند إلى سند وهي صورة ح وعقبه بما نقله الناصب ههنا ولا يخفى أن السرد هو المداومة على الشئ وهو صريح في التطوع كما ذكرناه وكذا في قوله وكان كثير الصيام دلالة على ذلك كما لا يخفى وأما ما ذكره من حديث أبي سعيد الخدري فقد طعن ابن حزم على سنده ولو صح فإنما يدل على إباحة الصوم في السفر ونحن لا ننكره تطوعا أو فرضا غير رمضان ومما يبين هذا أنه لا يعلم أنه عليه السلام سافر في رمضان بعد عام الفتح وأما ما ذكره من أن ما استدل به المصنف من الأحاديث كلها دالة على الجواز دون الوجوب فبطلانه ظ لأن حديث جابر الذي فيه النبي على الصايم بكونه عاصيا نص على وجوب الافطار وتحريم الصوم كما صرح به المصنف أيضا وكذا ما رواه المصنف من قوله ع ليسم ن البر الصيام في السفر فإنه مما رواه البخاري عن جابر أيضا وهو أيضا صريح في عدم جواز الصوم حيث نفى فيه البر عن الصيام في السفر وأما منعه للزوم مخالفة إمامية لنص مستمسكا بأن تقدير الآية فعدة من أيام أخر إن أفطر فتقدير بعيد لا يليق مثله بكلام الفصيح فضلا عن أفصح الكلام والأصل خلاف التقدير ولا ضرورة لهم إلى ارتكابه سوى ترويج المذهب و حمل معنى الآية تابعا للمذهب وفساده مما لا يخفى ولنعم ما قال ابن حزم في هذا المقام حيث قال إن هذه الآية محكمة بإجماع أهل الإسلام لا منسوخة ولا مخصوصة فصح أن الله تعالى لم يفرض صوم الشهر إلا على من شهده ولا فرض على المريض والمسافر إلا أياما أخر غير رمضان وهذا نص جلي لا حيلة فيه ولا يجوز القول بأن معنى ذلك إن أفطر فيه لأنها دعوى موضوعة بلا برهان قال تعالى قال هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين وقال أيضا في رد احتجاجهم بقول الله عز وجل وإن تصوموا خير لكم لقد أتى كبيرة من الكباير وكذب كذبا فاحشا من احتج بها في إباحة الصوم في السفر لأنه حرف كلام الله تعالى عن موضعه نعوذ بالله من مثل هذا وهذا عادلا يرضى به محقق لأن نص الآية كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون أياما معدودات فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين فمن تطوع خيرا فهو خير له وإن تصوموا خير لكم وإنما نزلت هذه الآية في حال الصوم المنسوخة وذلك أنه كان الحكم في أول نزول صوم رمضان إن من شاء صامه ومن شاء أفطروا طعم مكان كل يوم مسكينا وكان الصوم أفضل هذا نص الآية وليس للسفر فيهما مدخل أصلا ولا للطعام دخل في الافطار في السفر أيضا فكيف استجازوا هذه الطامة انتهى ثم قال بعد فصل أن في الفتوى المذكور والاستناد بحيث أبي سعيد وحمزة ونحوهما على أبي حنيفة ومالك والشافعي أمر عظيم لأنهم لا يجيزون لمن هو مسافر في رمضان أن يفطر في ذلك اليوم الذي ابتداء صيامه واتفقوا على أنه مخطئ وما يبعد عنهم إطلاق اسم المعصية عليه ومالك يرى عليه الكفارة فلينظر ناصر أقوالهم فيما ذا يدخل في احتجاجه بهذين الخبرين من إطلاق اسم الخطأ والمعصية على رسول الله (ص) وإيجاب الكفارة عليه في إفطاره وهذا خروج عن الإسلام ممن أقدم عليه انتهى قال المصنف رفع الله درجته مد ذهبت الإمامية أن المسافر لا يتغير فرضه بالايتمام بالمقيم خلافا للفقهاء وقد خالفوا عموم القرآن الدال على وجوب التقصير على المسافر ولأن الزيادة كالنقصان في الإبطال وكما لا يتغير فرض الحاضر إذا صلى خلف المسافر فكذا العكس انتهى وقال الناصب خفضه الله أقول مذهب الشافعي أن المسافر لو اقتدى بمقيم لحظة أتم لأن الأصل في الصلاة صلاة المقيم كما ذكرنا وصلاة المسافر رخصة لا عزيمة فإذا اقتدى المسافر بالمقيم جذب الاقتداء حكم العزيمة إليه لقوة العزيمة ووجوب متابعة الإمام فتعين الإتمام وأما قوله خالفوا عموم القرآن لدلالته على وجوب القصر فهذا باطل لما علمت أن القصر ليس بواجب وأما قوله لأن الزيادة كالنقصان فالجواب أن السبب في هذا ليس الزيادة و النقصان بل الرخصة والعزيمة انتهى وأقول لا نسلم أن الأصل في الصلاة صلاة المقيم بشئ عن معاني الأصل بل الأصل عدم وجوب الزايد فافهم
(٣٨٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 378 379 380 381 382 383 384 385 386 387 388 ... » »»